لبنان الدولي أمام أسئلة محرج في نيويورك ولبنان المحلي غارق في أزماته… بلا حرَج

… الى نيويورك دُر. فابتداء من اليوم ينتقل لبنان الرسمي الى الامم المتحدة ومجلس الامن ومعه ملفاته «المدوّلة» لا سيما المحكمة ذات الطابع الدولي، فيما تبقى بيروت «اللبنانية» تلهو بعناوين داخلية هي بمثابة «عوارض» للأزمة السياسية التي تتفاقم «على البارد» منذ إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري في يناير الماضي ومحاولة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تجاوُز «حقل الألغام» الذي وجدت نفسها فيه «عالقة» بين واقع محلي يتقد فيه «الجمر تحت الرماد» ووضع اقليمي «يغلي على نار» ثورات (وتحديداً في سورية) باتت ترتبط بها على طريقة «وحدة المصير».
اليوم يكون لبنان «المحلي» مشدوداً الى الجولة الثانية من «مصارعة الكهرباء» في اللجان النيابية التي تناقش خطة الكهرباء التي يريدها نواب المعارضة «طبق الاصل» عما اُقرّ في الحكومة وإلا «أطبقوا» عليها، فيما لبنان «الدولي» ينتقل مع رئيس الجمهورية الى نيويورك التي يبدأ زيارته لها حيث يشارك في افتتاح اعمال الدورة العادية للامم المتحدة ويترأس احدى جلسات مجلس الامن، بصفة لبنان رئيساً دورياً للمجلس هذا الشهر، مخصصة لموضوع «الديبلوماسية الوقائية»، على ان يصل بعده ميقاتي ليترأس جلسة اخرى مخصصة للنظر في أوضاع الشرق الاوسط.
والى جانب الاهتمام بكلمتي الرئيس سليمان خلال جلسة «الديبلوماسية الوقائية» كما امام الجمعية العمومية حيث سيركز على الثوابت اللبنانية لجهة تأكيد السلام المرتكز على مرجعية مدريد ومبادرة السلام في بيروت، سيتناول تطورات المنطقة والدولة الفلسطينية وحق لبنان في ثرواته الغازية والنفطية في البحر، فان الأنظار تتجه الى نقطتين:

* الاولى تتعلق بلقاءات سليمان الذي عُلم انه سيجتمع بالرئيس الاميركي باراك اوباما في اطار الاستقبال الذي يقيمه تقليدياً على شرف رؤساء الوفود، حيث سيجلسان جنباً الى جنب لكون لبنان يتولى رئاسة مجلس الامن، كما اشارت معلومات الى ان الرئيس اللبناني سيلتقي في نيويورك الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والرئيس الايراني محمود احمدي نجاد وامير دولة قطر حمد بن خليفة آل ثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس.
* والثانية تتناول مضمون المباحثات التي لن يغيب عنها بطبيعة الحال الملف السوري وموقف لبنان من اي قرار دولي يتناول الوضع فيها ووجوب الالتزام بالعقوبات الاميركية والاوروبية عليها، وموضوع اعلان الدولة الفلسطينية الذي يفترض ان يؤيده لبنان، على ان يكون هناك موضوعان آخران محور البحث وهما:
1ـ قوة «اليونيفيل» العاملة في الجنوب والتي عادت العلاقة بينها وبين «الأهالي» في بعض القرى تشهد حوادث متنقلة، علماً ان الرئيس ساركوزي كان حذّر لبنان في رسالة وجّهها الى سليمان وميقاتي في 2 اغسطس الماضي من مغبة تكرار المساس بامن «اليونيفيل» تحت طائلة إنهاء مهمتها.
2ـ المحكمة الدولية وتمويلها، وسط استبعاد اوساط سياسية لبنانية واسعة الاطلاع التوصل الى مخرج لهذه المسألة خلال ما تبقى من شهر سبتمبر الجاري، وترجيحها بتّ هذا الموضوع بعد عودة كل من رئيسي الجمهورية والحكومة من نيويورك اواخر الشهر.
وفي هذا السياق، تشير الاوساط الواسعة الاطلاع لـ «الراي» الى ان بت مسألة تمويل المحكمة الذي قطع ميقاتي وعداً به الى المجتمع الدولي الذي سيعاود السؤال عن هذا «العهد» والتحذير من مغبة عدم الوفاء به، لم يكن قد تقرر بشكل نهائي وباي صورة يمكن ان يحصل حتى الايام الاخيرة، وإن تكن المؤشرات تشي بان الوعود التي قطعها ميقاتي للجهات الدولية المعنية ستتم ترجمتها في نهاية المطاف.

لكن الاوساط نفسها اضافت انه يبدو ان هناك مؤشرات توحي بالعمل على تعديل المخرج الممكن لهذا الملف بما يحفظ ماء الوجه لـ «حزب الله» من جهة ولا يعرض الحكومة ولبنان لمواجهة خطيرة مع المجتمع الدولي من جهة اخرى.
ومن هذه المؤشرات عودة الحديث عن تحريك ملف ما يسمى «الشهود الزور» الذي كان طرح كذريعة لإسقاط الحكومة السابقة، في وقت متزامن مع تسديد حصة لبنان من التمويل، وسط بدء « تكتل التغيير والاصلاح» برئاسة العماد ميشال عون الاضطلاع بدور تمهيدي فعال في اطار لعبة «توزيع الادوار» المعتادة بينه وبين «حزب الله»، وذلك عبر تأكيدات قاطعة برفض التكتل تمويل المحكمة فيما يلزم الحزب الصمت، وهو امر يمهد على ما يبدو ايضاً للضغط على ميقاتي لالتزام وقف اعلان تعهداته الكلامية العلنية في موضوع التمويل واقرانه كشرط حتمي بفتح ملف «شهود الزور» الذي سيشكل لرئيس الحكومة احراجاً شديداً، اذ انه يطاول رموزا وشخصيات في فريق 14 آذار وداخل الطائفة السنية.
في موازاة ذلك، انهمكت بيروت امس بتطورين هما:

* الزيارة التي بدأها رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» امين الجميّل للرياض يرافقه نجله النائب سامي الجميّل حيث سيلتقي، الى الرئيس سعد الحريري، كبار المسؤولين في المملكة وبينهم ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز (إذا سمحت ظروفه الصحية بذلك)، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز، رئيس جهاز الاستخبارات العامة الأمير مقرن بن عبد العزيز، وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، نائب وزير الخارجية الأمير عبد العزيز بن عبد الله.
* الزيارة التي أنهاها امس البطريرك الماروني بشارة الراعي لبعلبك ـ الهرمل والتي تميّزت بحفاوة استثنائية من جانب «حزب الله» الذي احتضن رأس الكنيسة المارونية في مختلف محطات الزيارة وصولاً الى العشاء التكريمي الذي اقامه على شرفه في بعلبك الوكيل الشرعي العام للسيد الخامنئي في لبنان رئيس الهيئة الشرعية في «حزب الله» الشيخ محمد يزبك، في حضور حشد من الفاعليات السياسية والدينية.

والى جانب شكل هذا العشاء الذي تخلله تقديم يزبك للبطريرك لوحة لـ «العشاء السري» للسيد المسيح وتلامذته من صناعة ايرانية يدوية من الوبر والحرير (بطول 130 سنتيمترا وعرض 90 سنتيمترا) اضافة الى احد مؤلفاته عن السيدة مريم العذراء، كانت لافتة كلمة الراعي التي تمسّك فيها بجوهر المواقف التي أطلقها من باريس والتي كانت أثارت موجة انتقادات في بيروت ولا سيما من الوضع في سورية وسلاح «حزب الله» اللذين قاربهما من البقاع من دون تسميتهما، معرباً في الاول عن الخشية من ان «تحلّ محل الانظمة الشديدة انظمة اكثر تشدداً»، ورابطاً الثاني (السلاح) بانسحاب اسرائيل من الاراضي اللبنانية التي لا تزال تحتها وتطبيق القرار 194 الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين. 
واستوقف دوائر سياسية انه رغم ان هذين الموقفين هما في جوهر الانتقادات التي وُجهت للراعي، فانه كرر انتقاد اجتزاء كلامه متهماً غالبية الإعلام بانه «مباع».
ومما قاله البطريرك من بعلبك: «عبّرنا في فرنسا عن مخاوف وخشية مما يجري هنا وهناك في البلدان العربية وخصوصا في العراق ومصر. ونحن أبدينا خشية الا تؤدي المطالبات والاحداث الدامية هنا وهناك الى حروب اهلية. نعم لكل انسان الحق في ان ينال كل حقوقه الاساسية وان يعيش الحريات العامة وان تُحترم كرامته. ونعم ينبغي ان تقام هنا وهناك عندنا وعند غيرنا اصلاحات سياسية ودستورية، لكن نخشى ان يكون هناك انتقال من انظمة شديدة الى انظمة اكثر تشددا فنعود الى الوراء، ونخشى ثالثا ان تقود كل هذه الاحداث، لا سمح الله، الى حروب طائفية ومذهبية، وقد يصل الامر بنا الى تحقيق المخطط بالشرق الاوسط الجديد وهو تفتيت العالم العربي الى دويلات طائفية ومذهبية. هذا ما اكدناه في فرنسا».

واذ اكد «وجوب ان نسرع في لبنان الى مائدة الحوار كي نتدبر الامر ونتجنب اي تداعيات بسببب ترابطنا العميق مع كل العالم العربي»، طالب الاسرة الدولية والدول الصديقة «بان تعمل بكل قواها لتنفيذ القرارات الدولية، واولها خروج اسرائيل من اي شبر من ارض لبنان، وان تحترم الاسرة الدولية قراراتها، وان تعمل جاهدة على تنفيذ القرار 194 لعودة اخواننا الفلسطينيين الى ارضهم قبل انشاء دولة فلسطين»، مضيفاً في اشارة غير مباشرة الى سلاح «حزب الله»: «هذه اسباب في لبنان كلنا يعرف انما من اسباب خلافاتنا الداخلية. نحن لا نريد بعد اليوم ان يتلاعب بنا أحد، وان يقول اللبنانيون عجيب أمرهم لا يتفاهمون، كلا نحن قلنا انتم ترموننا في النار وتقولون لا تحترقوا، نحن نعرف انه عندما تنفذ الاسرة الدولية مسؤولياتها على ارضنا نحن نستطيع ان نتفاهم». وتابع: «ينبغي ان نجلس معا لان في ما بيننا خلافات كبيرة، وكلنا يعرف ان واحدنا يتهم الآخر، وكل واحد يحاول ان يلبس الآخر ثوبا ليس له. نحن نعيش بالاوهام، ولا نجرؤ ان نجلس على مائدة الحوار لان الاتهامات المتبادلة لا تبني وطنا».
وفي ردّ غير مباشر على المواقف التي انتقدت كلامه الباريسي، اشار الى «انه عندما استعمل الاعلام كلاما مجتزأ لي، علقت الدنيا ببعضها. أيكفي ان ارى كلمة ما في صحيفة مباعة؟ كل شيء مباع في لبنان، وكل شيء ويا للاسف اصبح بيعا وشراء في لبنان، ونعرف شرقا وغربا تدخلاتهم في لبنان، ونعرف كم هناك من اشخاص مباعون، وان وسائل الاعلام في معظمها مباعة».

وكان النائب محمد المشنوق (من كتلة الرئيس الحريري) اعلن ان «حركات التغيير في العالم العربي لم تثبت ان طابعها او جمهورها او محركها ملتزمون أي تنظيم اسلامي، بل انها حركة ثورية شعبية عربية نابعة من وجدان الناس من دون استثناء». وأوضح ان «البطريرك الراعي استعجل في الاستنتاج، ولو انتظر قليلا لرأى ان هذه الثورات هي ثورات شعبية وليست ثورات دينية تبحث عن تطرف، او ثورات تسعى لتجعل التطرف واجهة الدولة».
وفي هذه الأثناء، طمأن نائب «حزب الله» حسن فضل الله «المراهنين على إمكان أن يؤدي أي تباين أو اختلاف حول أي موضوع إلى شلل هذه الحكومة أو تعطيلها أو إسقاطها»، إلى «ان الحكومة أقوى بكثير مما يتوهمه أو يعتقده البعض وهي قادرة من خلال التفاهم والتوافق ومن خلال الآليات الدستورية على معالجة أي استحقاق وتجاوز أي تحدٍّ أو أي عقبة، وهذا هو المسار الذي ستسلكه في أي استحقاق تواجهه أو يعرض أمامها». 

السابق
العمل من أجل العودة
التالي
تفاحة في اليوم تبعد عنك.. طبيب القلب