من ألحق خربة الدوير التاريخية بالبيسارية؟

تتبع بلدة (خربة الدوير) عقارياً لبلدة البيسارية الساحلية في قضاء الزهراني، يدخلها القاصد عبر طريقين: أحدهما من المدخل الجنوبي لبلدة البابلية. والثاني النبع- البيسارية، وهذا النبع كان يجمع عدة قرى، لكنه اليوم قد جفّ جرّاء كثرة حفر الآبار الإرتوازية في المحيط.
ويقترع أهالي (خربة الدوير) في بلدتهم، ولكن في صندوق تابع لبلدة البيسارية التي تعطل مجلسها البلدي منذ إعلان نتائج الانتخابات البلدية العام الماضي ولا تزال الى اليوم دون مجلس بلدي.
في الخربة يوجد مختار واحد من آل سهيل، يُشكل مع اثنين آخرين ثلاثي مخاتير يؤدون الخدمات المطلوبة لأهالي البيسارية. علما أن السلطات اللبنانية كانت سابقا، خلال الانتخابات النيابية أو البلدية والإختيارية تجمع صندوق خربة الدوير مع صناديق البابلية أو البيسارية أو الصرفند بسبب قلّة عدد سكان البلدة.

أصل أهالي الخربة
ويعود أصل اهالي بلدة خربة الدوير ليس الى بلدة الدوير قضاء النبطية، والتي تبعد أكثر من 17 كيلو متر، كما قد يظن المرء بسبب تشابه الأسماء، بل الى بلدة الزرارية الساحلية كون آل سهيل (وهي العائلة الوحيدة في البلدة) هجروا الزرارية، ووصلوا أولا الى الداودية، وهي عبارة عن مزرعة كبيرة يملكها آل الاسعد. ويعيد الأستاذ طلال سهيل أصل آل سهيل الى آل وائل وجدّهم من الزرارية كونها كانت مركز حكم بيت الاسعد بعد تبنين. فبعد انهيار الحكم في تبنين انتقلت السلطة الى الزرارية. و"نحن، يضيف طلال سهيل، أخوال آل الأسعد وهم فرع الزرارية، فحكم آل الأسعد انطلق من فرع الزرارية".
ولكن كيف أنطلقت الزعامة من تبنين الى الزرارية؟ نسأل الاستاذ طلال سهيل.
يجيبنا بثقة الباحث فيقول:" آخر حاكم لآل الاسعد كان علي بك الاسعد، وكان زوجته تدعى فاطمة بك الخليل، قصدت أهلها في الطيبة بعد وفاة زوجها وتسلمت الحكم. وجدّي الحاج محمد سهيل اختلف مع نصرت باشا نتيجة صراع العائلات مما دفعه الى ترك الزرارية الى الداودية وجارتها خربة الدوير، وانتقل جدي (المباشر) الى الخربة بسبب سيطرة آل عسيران على المنطقة.
ويوجد في الخربة آثار رومانية منها لـفيليوس المقدوني والد الاسكندرالمقدوني. وكنت انا شخصيا أحفر أمام منزلي في الخربة، فوقعتُ على آثار رومانية عبارة عن مدافن.

أقطاع الخربة آدامي
وفي كتاب (خطط جبل عامل) للسيد محسن الأمين يقول: "الخربة خربة الدوير(تصغير دار)، وهي قريبة للصرفند وعدلون والبيسارية، كان آل سهيل يزرعون أرضها ويذهبون، ثم يعودون إليها نهاية كل موسم، حيث كان يعمل عندهم فلاحون بالأجرة، وكانوا بالتأكيد يشغّلون الناس، الى ان أتى وقت على أهلها دخلت الآلة وقضت على سلطتهم، فصاروا يبيعون الأرض ليعتاشوا". ويضيف سهيل فيقول:" لم يكن إقطاع آل سهيل إقطاعا سلبيّا، بل كان من نوعا من الإقطاع الآدامي حيث كان الفلاحون في مختلف القرى المحيطة يهربون من سلطة الاقطاع الظالم الى سلطة إقطاع الخربة".
مساحة البلدة تبلغ 3000 دونم، اشترى الرئيس رفيق الحريري نصفها من رسامني يونس الذي بدوره اشتراها من آل التامر. فبين النهرين(أي الليطاني والزهراني) يملك الحريري عشرة آلاف دونم واليوم تحولت مزارعه الى خراب بعد رحيله بسبب سوء الادارة فيها، وكان أكبر جهاز ارسال في البلدة لتلفزيون المستقبل علما انه تم تحويل الارض الى مصالح أخرى.
في الخربة اليوم يوجد عائلة من آل الامين، وعائلة من آل صغير، وهم ورثة آل سهيل ولكنهم ليسوا بمشايخ ولا سادة، هم من الصعبيين أي آل الصعبي، وقد ورثوا 400 دونم، لكنهم باعوها جشعا. واليوم صار هناك ما يُعرف بنيو خربة، حيث ان الوافدين الجدد دخلوا البلدة من مناطق مختلفة كالشريط الحدودي والخيام وعيتا الشعب وأيضا من البابلية وجميعهم بنوا بيوتا وأقاموا فيها.
وهناك 100 دونم وضعت السيدة رندة بري يدها عليه. علما انه كان ثمة مستشفى باسم الوفاء لباسل الاسد اقفلتها بري بعد ان دفعت لصاحبها مبلغ 20 ألف دولار حتى تبقى جمعية المعاقين وحيدة في المنطقة.

هواء الخربة العليل
وكانت الخربة تُعد مكانا للراحة والاستجمام لكل من أهل الوردانية في اقليم الخروب، وخرطوم والبابلية والسكسكية، وكان السيد علي مهدي ابراهيم يرتاح فيها، كما كانت محطة للهاربين من الاقطاع. إضافة الى الغوارنة الفلسطينيين وهم من غور الأردن من الشيعة. وبالمناسبة كما كان يقال حوارنة لأهل حوران، أُطلق على أهل الغور اسم غوارنة. كما قصدها أهل المالكية من القرى السبع الذين اشتروا فيها أراض وبيوت.

أستاذ من اقليم الخروب يقرأ مجالس عاشوراء في الخربة
ويتابع سهيل: ورغم أن ما يجمع أهل البلدة هو الجامع والمدرسة والمقبرة. إلا أنه لا يوجد في البلدة سوى مسجد ومقبرتين. فلا مدرسة داخل الخربة، بل كان ثمة مدرسة رسمية في العام 1961 لكنها أُقفلت لعدم وجود تلامذة، وكان طلاب البلدة موزعين على القرى المحيطة، ولا أزال أتذكر أن أستاذي كان سنيّا من إقليم الخروب، ومع مهمته في التعليم كان يقرأ لنا القرآن يوميا بين السابعة والثامنة صباحا. اذ لم يكن ثمة دوام محدد للتعليم بل قد يمتد حتى نهاية اليوم. لذا كنت أفضّل أن أتعلم في مدرسة خارج القرية حيث كنت أعود سيرا على الأقدام، فألعب خلال المسير وأقفز، وأعود باكرا مع نهاية الساعات الست المحددة للدراسة. اضافة الى انه كان يقرأ لنا مجالس العزاء في عاشوراء، أيننا من هذا الاستاذ اليوم؟ فإلى اليوم لا يوجد مدرسة خاصة في البلدة".
والوضع السياسي الغالب فيها هو سيطرة حزب الله حيث أقاموا حسينية للنساء وأقفلوا منتجع ميس الريم. وعن وضع أهالي البلدة الاقتصادي فيرى سهيل انه "متوسط".
ويعيد سهيل سبب انتشار حالة التدّين منذ أكثر من عقدين الزمن في الجنوب عامة والخربة خاصة الى" انتكاسة الحركة الوطنية التي دفعت الى موجة تدّين"، وعن سبب عدم تحول الخربة الى بلدة منسجمة مع المحيط السياسي العام في منطقة الزهراني الى"بسبب الصراع الدائر بين آل الاسعد وحركة أمل". ويُعللّ خروجه من منظمة العمل الشيوعي التي انتمى اليها في شبابه الى" الصراع على وراثة الأحزاب اليسارية".
واليوم تُعد الخربة قرية في ظل تحوّل القرى الجنوب الى مدن. فلم يعد للقرية من وجود"، وعن دوره اليوم في الخربة "خدماتنا تطوعيّة، وأرى ان مسألة الإكثار من الجوامع تعبّرعن حدّة الانقسام".
ويورد طلال سهيل هذه القصة المُعبّرة فيقول:"في كتاب (بلدي) لرسول حمزاتوف ينقل قصة رجل من داغستان ترك بلاده، ونال جائرة في بلد آخر، وخلال تسلمه الجائزة يتحدث مع مواطنيه الذين جاؤا لتهنئته بلغة غير لغته الام، ما أدى الى اعتباره ميتا بنظر إحدى المعجبات التي كانت موجودة خلال الحوار. ما يعني ان من ينسى لغته الأم يموت".

لا وجود لجمعيات أو روابط في البلدة
وجلّ النشطات في الخربة إما دينية أو حزبية. ولا وجود لأية جمعية أو لرابطة بين الوافدين. فالوافدين من العائلات متنوعو الأهواء، ونسبة المتعلمين من ابناء البلدة موزعة مناصفة بين النساء والرجال. وجمال الخربة انه يعمّها الهدوء رغم المناخ السياسيّ الصاخب في البلد بشكل عام، والخربة مقصودة من كل القرى لدرجة أن أبناء عيتا الشعب يزورون الخربة ويصطافون فيها.
والجيل الموجود في القرية شبابيّ مع قلة في عدد المسنيّن، أما شيخ البلد فهو الشيخ صلاح سهيل، ومختار البلدة وهو حسان سهيل. ومنذ أن انفرط عقد بلدية البيسارية لم يعد أحد يهتم بالخربة، حيث تم استئجار جرار (تراكتور) لنقل النفايات على حساب الاهالي طبعا.

السابق
نديم الجميل: لدولة قادرة على حماية امن اللبنانيين
التالي
حماس تدعو عباس إلى التراجع عن التوجه للأمم المتحدة لطلب عضوية الدولة