وداعاً.. ضاحية المخالفات

كم من لقب اُطلق على الضاحية الجنوبية لبيروت، فمرة يسمونها الضاحية الشموس، ومرة الضاحية الأبية، ومرة ضاحية الصمود. ولكن ألا يصح أن نطلق عليها اليوم: جمهورية الفانات الشعبية، أو جمهورية الدراجات النارية، أو جمهورية مخالفة القوانين؟

إنني أطلقها صرخة باسم كل المقهورين والمظلومين في الضاحية الجنوبية، وهم الأكثرية الصامتة على مضض، لعل البعض يجد حلاً لما يجري، سواء الدولة أو الأحزاب المحلية، أو لعل الضمائر تستيقظ وتحررنا من «زعران الشوارع» في هذه المنطقة.
إنني أترك الضاحية وأرحل، حيث يسهر «الزعران» تحت نافذتي حتى ساعات الفجر وهم يقيمون ولائم الأراكيل ويستمرون في الزعيق والنعيق من دون أي رادع أخلاقي، وكأن الشوارع صارت مقهى لهم، أما أطفالي فلا ينامون بل عليهم الاستماع الى مواويل هؤلاء (وليسترجِ أحد أن يعترض).

إنني أترك الضاحية وأرحل، حيث الدراجات النارية الخرِبة، الكبيرة منها والصغيرة، قد استباح أصحابها راحتنا، وقد اتخذوا من الجسور والأوتوسترادات ملعباً لهم، أما أطفالنا فصار لديهم «نقزة» اسمها «نقزة الموتسيكلات».
إنني أترك الضاحية وأرحل، حيث الفانات تستبيح الشوارع يومياً، ليلاً نهاراً، حيث يتوقف أصحابها في وسط الطريق ليتبادلوا الأحاديث من نوافذ فاناتهم، وإذا اعترضت وأطلقت بوق سيارتك لتمر، فإنك بالتأكيد ستنال نصيبك من الضرب والشتائم.
إنني أترك الضاحية وأرحل، حيث في مناسبة وغير مناسبة، تُطلق الألعاب النارية ابتهاجاً، وتقام الدبكة في الشوارع، لأن أحدهم عاد من الحج، ولو الساعة الثالثة فجراً، أو نجح أحدهم في الامتحانات الرسمية، أو في أي مناسبة تافهة تخص شخصاً بعينه دون غيره، لكنه لا يلبث أن يعمم الفرح على الجميع، هذا إذا لم يُطلق الرصاص الحيّ فوق رؤوس الأشهاد.

أنا لا أعرف لماذا تسمّمت نفوس بعض الناس بعد حرب تموز 2006، حيث أي طفل أو شاب في الشارع لم يعد «يحمله رأسه»، وصار يفتعل مشكلاً لأي سبب تافه.
إنني أترك الضاحية وأرحل، حيث بعض المدعومين من بعض الأحزاب المحلية، احتلوا الأرصفة وحوّلوها مقاهيَ، رافعين عليها صور «القادة»، وتستطيع أن ترى وأنت تمر في طريق صيدا القديمة، عند مدخل شارع مارون مسك في الشياح، وقد احتل أحدهم هذا الرصيف وحوّله مقهى، رافعاً عليه صورة الرئيس نبيه بري وصورة أخرى للإمام السيد موسى الصدر، مع العَلَم الأخضر بالطبع. لقد كان السيد موسى الصدر خير مثال للأخلاق واحترام القوانين، لكن البعض اليوم راحوا «يشبّحون» باسمه وعلى صورته. 
أما مخالفات البناء فحدّث ولا حرج، حيث المخيمات الفلسطينية صارت قضيتها أسهل من بعض المخيمات «المحلية» الناتجة من مخالفات البناء في مختلف المناطق. والمفارقة أن المخالفات ما زالت مستمرة حتى اليوم، حيث محيط مطار بيروت ما زال يتـعرّض للسـطو من مجمــوعات «الشبيـحة» كما في أيام الحرب الأهلية المشؤومة، وكأن البعض لم يعرف أنها انتـهت بعد.

إنني أترك الضاحية وأرحل، حيث جارنا أقام الـدنيا ولم يقعـدها ابتـهاجاً بعودته من مكة المكرّمة حاجاً، في حين يسطو ليلاً على علبة الكهرباء في المبنى المقيم فيه ليسرق الكهرباء، ولا أعرف من أين استصدر الفتوى لذلك.
إنني أترك الضاحية وأرحل، حيث المناسبات الدينية تحوّلت مصدراً للإزعاج، وليالي شهر رمضان خير مثال، حيث تحوّلت من ليال للعبادة الى ليال لإقلاق راحة الناس، حيث الشوارع تعج بـ«الزعران» وسائقي الدراجات النارية، الذين حوّلوا ليالينا المفترض أنها للعبادة الى جحيم.

إنني أترك الضاحية وأرحل، فربما أعثر على منطقة تستقبلني في وطن الطوائف لاجئاً اليها من «الزعران»، لأنني أريد أن أنام أنا وأولادي من دون إزعاجهم، وأريد أن أعيش محترماً تحت سقف القانون. فهل ستقبلني منطقة من وطني، أم أن مناطقنا للأسف صارت مغلقة على طوائفها ولم يعد باستطاعة أي فرد من طائفة أخرى «اختراقها»؟!
إنني أدعو الدولة الى تطبيق القوانين في الضاحية الجنوبية، وأن تعيد العمل بالقانون الذي يمنع الإزعاج وإقلاق راحة المواطنين، لعل هذا البعض الذي يستغل غيابها ويستعرض «زعرناته» في الشوارع يُجبر على احترام الناس وقوانين الدولة وأملاكها، التي هي ملكنا جميعاً. 

السابق
الراعي وفهمه لبواطن الأمور
التالي
تحذير لجنة 11 سبتمبر الذي تم تجاهله