معاناة اللبنانيين من الغباء..

هل اللبنانيون يعانون من قصر النظر والغباء أم أن مشكلتهم الأساسية مع ذاكرتهم القصيرة التي تسمح لنائب مسيحي مثل ميشال عون بالانتقال من حضن الأميركيين الى حضن «حزب الله» الإيراني والنظام السوري من دون أن يرف له جفن؟ لم يجد ميشال عون حتى من يقول له كيف يمكن أن تتحول أداة إيرانية- سورية بهذه السهولة، علماً أنك كنت تدعي في الأمس القريب أنك وراء قانون محاسبة سورية في الكونغرس وأنك الأب الحقيقي للقرار الرقم 1559.

يبدو هرب اللبنانيين من الواقع عن طريق رفع الشعارات الطنانة مثل «الشعب والجيش والمقاومة» أو افتعال المعارك الوهمية مثل معركة الكهرباء أكثر من طبيعي. مرة أخرى. ان أي حكومة لبنانية حتى لو كانت برئاسة شخصية لا علاقة لها بما يدور في العالم قادرة على إعادة التيار الكهربائي إلى الوطن الصغير على نحو كامل. المهم توفير حدّ أدنى من الاستقرار في البلد والمساواة بين المواطن العادي الأعزل والمواطن الذي يريد فرض رأيه ورؤيته بواسطة السلاح ولا شيء آخر غير السلاح. ما تحتاجه الكهرباء قبل أي شيء آخر هو لجباة لفواتير الكهرباء لا وجود لمناطق ممنوع عليهم دخولها بحجة أنها «مربعات امنية».

معركة لبنان حالياً هي مع السلاح غير الشرعي من جهة ومع المشروع الإيراني الذي يستخدم هذا السلاح من جهة أخرى لتنفيذ مشروع سياسي واضح كل الوضوح يصب في تغيير طبيعة التركيبة الديموغرافية والمناطقية للبنان. يأتي هذا المشروع استكمالاً لعملية تغيير طبيعة المجتمع الشيعي في الوطن الصغير وهي عملية بدأت مطلع الثمانينات من القرن الماضي ولا تزال مستمرة. من يريد التأكد من ذلك يستطيع زيارة مدينة بعلبك ومشاهدة ما حلّ بها من دمار وتغيير للمعالم بهدف القضاء على طابعها التاريخي المميّز.

ولذلك كان منطقياً أن يرفع النائب سامي أمين الجميل صوته وأن يجري المقارنة التي أجراها بين المشروع الصهيوني في فلسطين وبين ما ينفّذ على الأرض اللبنانية عن طريق حزب مذهبي مسلح يعمل على تحويل لبنان قاعدة متقدمة لإيران على المتوسط مستفيداً بطريقة أو بأخرى حتى من الثورة الشعبية التي تشهدها سورية. هذه الثورة السورية تعني أول ما تعني انتهاء النظام القائم منذ العام 1970 بسبب عدم قدرته على استيعاب عمق الأزمة التي يعاني منها. إنها أزمة نظام غير قابل للإصلاح في أي شكل، نظام في مواجهة يومية مع الأكثرية الساحقة من شعبه البطل.
ملأ النظام الإيراني، الذي يدرك جيّداً بدهائه المعهود عمق ما يعاني منه النظام في دمشق الفراغ الأمني الذي خلفه الانسحاب العسكري السوري من الأراضي اللبنانية في ابريل من العام 2005. فعل ذلك عن طريق الميليشيا التابعة له والتي تقف حالياً في طليعة المعترضين على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. وذلك ليس عن طريق الصدفة طبعاً. أصبح السوري منذ ذلك التاريخ تحت رحمته في لبنان.
لم يستطع النظام السوري حتى التكهن بالنتائج التي ستترتب على اغتيال رفيق الحريري ورفاقه، خصوصاً الأبعاد الإقليمية لتلك الجريمة التي لا يمكن مقارنتها، وهذا ما ستثبته الأيام، إلاّ بجريمة اجتياح صدّام حسين للكويت صيف العام 1990.
أصبح النظام السوري ملحقاً من ملاحق المشروع الإيراني الذي تطور مع الوقت بفضل الدعم الاميركي له والذي يبدأ بوضع اليد على العراق ويمر بسورية ولبنان، كما يمر بابتزاز دول الخليج يومياً عن طريق إثارة الغرائز المذهبية… وصولاً إلى اليمن. هذا ما يفترض بجميع اللبنانيين استيعابه بدل التلهي بقضية الكهرباء كما يفعل النائب ميشال عون الذي يحتاج، تكراراً، إلى جلسات كهرباء أكثر من أي شيء آخر فضلا بالطبع عن بعض الدروس الخصوصية في شأن ألف باء ما يدور في المنطقة والعالم…

يقوم المشروع الإيراني على السلاح أوّلاً. اي على وجود ميليشيا مسلحة تابعة له على الأراضي اللبنانية. بات في استطاعة هذه الميليشيا تشكيل الحكومة اللبنانية التي تريدها، فيما رئيس الجمهورية يعيش في عالم آخر ويتحدث عن حوار من أجل الحوار وفيما البطريرك الماروني يتلبس شخصية «ابو ملحم»، اللبناني الطيب الذي يسعى إلى التوفيق بين الناس. «ابو ملحم» مسلسل تلفزيوني من الستينات. الأكيد أنه أثّر في البطريرك الجديد الذي يبدو أنه لا ينوي أخذ العلم بحقيقة ما يتعرض له لبنان بمسيحييه ومسلميه.
كان هذا المسلسل العائلي مسلياً قبل دخول السلاح غير الشرعي إلى البلد عن طريق الأراضي السورية تمهيداً لفرض اتفاق القاهرة المشؤوم على اللبنانيين في العام 1969. كان هذا المسلسل مسلياً قبل أن تسيطر المنظمات الفلسطينية المسلحة بضوء أخضر سوري أوّلاً ثم عربي وإسرائيلي على جزء من الأراضي اللبنانية. باختصار شديد، لا يبدو «ابو ملحم» العام 2011 مسلّيا في أي شكل من الأشكال، حتى لا نقول أكثر من ذلك!

انتهى لبنان من السلاح الفلسطيني، جزئياً، ولكن بقي السلاح الإيراني. خطورة السلاح الإيراني أن لبنانيين يستخدمونه. الأخطر من ذلك أن هناك مشروعاً إيرانياً مكشوفاً بدأ تنفيذه منتصف الثمانينات من القرن الماضي، أي قبل ما يزيد على ربع قرن يستهدف ربط «المربعات الأمنية» الإيرانية ببعضها البعض. من يتذكّر عملية التغلغل في العاصمة عبر تهجير الأرمن من مناطق معينة من بيروت الغربية (زقاق البلاط ورأس بيروت تحديداً) عن طريق الترهيب في منتصف الثمانينات من القرن الماضي. من يتذكر كيف هُجّر المسيحيون من المصيطبة والمزرعة ومعظم رأس بيروت، من يتذكّر العائلات الفلسطينية المسيحية التي خطفت في رأس بيروت ولم يعد لها أثر، من يتذكّر الوجود المسيحي في حارة حريك مسقط رأس ميشال عون؟
 
الموضوع لا علاقة له بتمدد شيعي أو غير شيعي. الطائفة الشيعية الكريمة فوق الشبهات. يحق لكل لبناني الإقامة حيث يشاء في لبنان وشراء أي ارض في المنطقة التي يختارها. هذا شيء وتطويق بيروت واختراقها عن طريق ميليشيا مسلحة شيء آخر. هذا شيء وتهجير المسيحيين من جنوب لبنان شيء آخر. هذا شيء والاعتداء على أملاك الكنيسة المارونية في لاسا، أعالي جبيل، شيء آخر. هذا شيء والتوسع في الشويفات الدرزية شيء آخر، حتى لا نتحدث عن مناطق أخرى تصب كلها في اخضاع لبنان عسكرياً، بما في ذلك بيروت.

لم يكن تشكيل الحكومة الحالية بالطريقة التي تشكلت بها سوى جزء من المخطط الإيراني الذي لا يزال النظام السوري يعتقد أنه جزء منه. انه يتوهّم أن الحكومة التي صنعها «حزب الله» ستخرجه من أزمته العميقة غير مدرك أن مشكلته في مكان آخر. انها مع الشعب السوري أوّلاً ومع عجزه عن إيجاد مخرج لأركانه عن طريق التأسيس لمرحلة انتقالية تمهد لنقل السلطة إلى حكومة وحدة وطنية ثانياً وأخيراً.
يقف لبنان في مواجهة المشروع الإيراني الذي يستهدف كل طوائفه ومناطقه. لن يكون هناك مستفيد من هذا المشروع غير العدو الإسرائيلي الساعي إلى تفتيت المنطقة. لذلك، من واجب كل سياسي لبناني كشف ما يُعدّ للبنان، خصوصاً أن أصحاب المشروع الإيراني سيزدادون شراسة وشرهاً كلما زاد وضع النظام السوري سوءاً… 

السابق
الانباء: عون يشعل ملف التعيينات بعد الكهرباء وجنبلاط يرفض المزايدات
التالي
اللبنانيّون صنّاع الطائفيّة؟