فضل الله:لمعالجة الملفات الدقيقة في الداخل وإزالة العقبات أمام سير عجلة الاقتصاد المتراجع

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

"لا تزال الساحة العربية تعاني التجاذب الداخلي، بين شعوب تتوق إلى الحرية، وحكام يخافون من حركة هذه الشعوب، ويقفون في وجهها بكل الوسائل، وفي ظل هذه الحالة المرشحة للاستمرار لشهور، وربما لسنوات، تسعى الأطراف الدولية العاملة على تعزيز نفوذها في المنطقة، أو تلك التي فقدت نفوذا تحاول استعادته، إلى توجيه كل نتائج هذا الحراك الشعبي لحساب مصالحها الاستكبارية، وجعله أسير سياساتها، مستفيدة من حاجته المالية أو السياسية أو الاقتصادية، وإلى تأمين حماية مزعومة من الضغوط التي يتعرض لها. وهي لذلك تعمل على إقناع هذه الشعوب بالترغيب أو الترهيب، بأن لا مستقبل إلا في الارتماء مجددا في أحضان التحالف معها، واستمرارها على السياسات نفسها لأنظمتها السابقة، مع تغيير في الديكور أو في الشكل، فيما المضمون يبقى هو نفسه، لأن الإدارات الغربية لا تريد من هذه المنطقة إلا مصالحها، ولا يهمها أن تتطور المنطقة سياسيا أو اقتصاديا أو أن تملك الحرية. وهي التي رعت طوال التاريخ الماضي كل أنظمة القمع، وهي تسعى إلى تغييرها، لأنها فقدت مصداقيتها ولفظتها شعوبها، لذلك ندعو الشعوب العربية إلى وعي هذه الحقيقة، وعدم الاستجابة لكل الكلمات المعسولة والوعود التي أثبت الواقع عدم مصداقيتها".

اضاف:"وفي هذه الأجواء، إذ نحيي إصرار الشعب المصري على طي صفحة النظام القديم، ومحاكمة رموزه، فإن لنا كل الثقة في أن يتابع هذا الشعب مسؤوليته في إيصال هذه الثورة إلى شاطىء الأمان، وتحقيق أحلام الشعب العربي في الحرية من الداخل والخارج، ولا سيما على المستوى الاقتصادي والسياسي، داعين هذا الشعب إلى بقائه مع الشعب الفلسطيني، وإلى إبقاء مصر حاضرة في كل القضايا العربية والإسلامية، لأن التخلي عن ذلك يؤثر سلبا في موقعها ومستقبلها، ويكرس عزلتها، الأمر الذي يؤدي إلى تدهور وضعها الداخلي، وإلى الارتماء مجددا في أحضان المستعمرين الجدد".

وتطرق الى الوضع في ليبيا وقال "اما في ليبيا، التي كشفت التطورات الأخيرة فيها عن توزع الأدوار بين الأميركيين والفرنسيين، للامساك بالثروات الليبية وتقاسم النفوذ فيها، فإننا ندعو إلى ضرورة أن يتحلى الليبيون بالوعي الكافي لما يحاك لبلدهم من جانب القوى الأطلسية، وإلى تطهير ثورة هذا الشعب من كل الفئات المرتهنة لهذه القوى، لئلا تذهب التضحيات الكبرى التي قدمها هدرا، من خلال استبدال طاغوت محلي بطغيان أطلسي لا يريد الخير لليبيا، ويعمل لإلحاق الأذى بكل قضايا العرب والمسلمين".

اضاف:" نعود إلى فلسطين، حيث نشهد استمرار الجهد الصهيوني لتهديد المسجد الأقصى، من خلال الحفريات الجديدة التي قام بها العدو اخيرا أسفل أساساته، والتي قد تهدد بنيانه بالكامل، ما يفرض على الشعوب العربية والإسلامية رفع راية الأقصى الشريف والقدس المحتلة في صلب تحركاتها، والقيام بحركة ميدانية من شأنها التأثير في العدو، الذي يعمل لاستغلال الأوضاع الراهنة، حيث يظن أن الوقت هو وقت استرخاء عربي وإسلامي عام، يتيح له الذهاب بعيدا في تهديد ما تبقى من فلسطين، وخصوصا في ظل الصمت المطبق وغير الاعتيادي للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، التي لا تمارس أدنى مسؤولياتها في القيام بتعاون إسلامي حقيقي لحماية المسجد الأقصى المعرض أكثر من أي وقت مضى لتقويض أساساته وبنيانه".

وقال:" وإذا كان المسجد الأقصى يستصرخ المسلمين والعرب للقيام بواجبهم في الدفاع عنه، فإن للشعب الفلسطيني حقوقه ومطالبه حيالهم، وخصوصا في ظل الهجمة الوحشية الصهيونية على قطاع غزة، والغارات المتواصلة عليه، إضافة إلى الحصار الذي يستمر ويتواصل على مرأى العالم ومسمعه، ولا سيما مع الفيتو الأميركي لتضييق الخناق على أية حركة فلسطينية تطالب بإعلان الدولة من خلال الأمم المتحدة، وإلى تغطية كل الأعمال الوحشية الصهيونية ضد الفلسطينيين، وهو الأمر الذي يستدعي تحركا إقليميا ودوليا فاعلا على الصعيدين السياسي والإعلامي، لفضح هذه الإدارة التي تلبس لبوس الدفاع عن الشعوب العربية الساعية للإصلاح، في الوقت الذي تسعى بكل قوتها إلى منع الفلسطينيين من تحقيق أدنى الشروط في كل ما يتصل بحقوقهم المدنية المشروعة، وحقهم في العودة والعيش بكرامة في أرضهم وعلى ترابهم".

واوضح "ليس بعيدا من ذلك، فإننا نرى في المواقف التركية الأخيرة تجاه الكيان الصهيوني، وخصوصا فيما يتصل بتعليق العلاقات العسكرية معه، خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن هذه الخطوة تبقى صغيرة قياسا بالمسؤولية التي تتحملها تركيا على الصعيد الإسلامي العام، وتجاه القضية الفلسطينية بشكل خاص، لأن مسألة الظلم الصهيوني بحق الفلسطينيين، والذي يتصاعد يوما بعد يوم، يتجاوز الإساءات والاعتداءات التي ترى فيه السلطات التركية تجاوزا للحد السياسي والديبلوماسي، وخروجا على المألوف الدولي، أو ما يتصل بالإساءة إلى العنفوان التركي والشخصية التركية. وإننا ننتظر من تركيا ما هو أبعد من ذلك، لأن الموقف الحاسم من هذا الكيان، سيكون بمثابة المؤشر حيال إخلاص تركيا وحزب العدالة والتنمية للمسألة الإسلامية والفلسطينية، ما قد يفسح المجال أكثر لثقة عربية وإسلامية بالمواقف التركية، ولقناعة بأنها تنطلق من رؤية استراتيجية عامة، ومن تحسس حقيقي لما هو خطر الكيان الصهيوني، ولا تنطلق من أمور ظرفية أو سياسية طارئة".

وتحدث عن لبنان وقال: أما لبنان، الذي خرج من معمعة الكهرباء بحلول نأمل أن تكون حاسمة، ودفع فاتورة الانقسامات السياسية خارج الحكومة وربما داخلها، فهو بحاجة إلى مراجعة الكثير من الحسابات على المستوى الداخلي، بعدما ضاقت الأرض بأهله في كل ما يتصل بالأمور المعيشية والمطلبية، بين الارتفاع الدائم في أسعار المحروقات، وكذلك في أسعار المواد الغذائية، والملفات الأخرى التي تنتظر حلولا حقيقية في كل ما يتصل برواتب العاملين داخل القطاعين العام والخاص، إضافة إلى معالجة النتائج المترتبة على ارتفاع الأقساط على أبواب العام الدراسي الجديد.. وقبل كل ذلك، التركيز على إزالة العقبات أمام سير عجلة الاقتصاد الذي يشهد تراجعا حقيقيا، وخصوصا على مستوى تصريف الإنتاج الزراعي أو الصناعي، بما يهدد حياة الآلاف من العائلات اللبنانية.. وفي هذا المجال، نؤكد على الدولة الإسراع في بت كل ما يساعد على خروج هذا الملف إلى حيز التطبيق، نظرا إلى آثاره الكبيرة".

اضاف:"أيها المسؤولون، إن لبنان الذي يقف وسط الأعاصير التي تهب عليه من المنطقة، لا بد من أن يسارع مسؤولوه لمعالجة الملفات الدقيقة في الداخل، قبل أن تداهمه كل الأعاصير، فنحن لا يمكن أن نواجه هذا الواقع، بكل هذا التراشق الإعلامي التي تستخدم فيه كل الأساليب، حتى وصل الأمر إلى إطلاق تسريبات من هنا وهناك، من دون التحقق بما يتم إطلاقه، ليكون مادة تستخدم في السجال الإعلامي. إننا بحاجة في هذا البلد إلى الأخذ بالآية الكريمة: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}[الحجرات: 6]، وبقوله تعالى: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للانسان عدوا مبينا}[الإسراء: 53]، {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}[فصلت: 34]. حتى لا نسمح للذين يريدون أن يحدثوا الفتن المتنقلة في هذا البلد أن يتحركوا بحرية".

وختم متوجها الى اللبنانيين بالقول" بالكلمات الطيبة، وباللغة العقلانية وبالموضوعية، نستطيع أن نمنع الفتن التي يراد لهذا البلد أن يكون ساحتها ومنطلقها".
  

السابق
قضم أذن زميله في شجار مدرسي
التالي
تنازل عن ألمانية.. من أجل ناقة!