نديم الجميّل يتكلّم:سامي يُـصادر الحزب

بعدما انتهى مؤتمر حزب الكتائب، خرج النائب نديم الجميّل عن صمته في كل ما يخص الداخل الكتائبي، مطلقاً سهامه باتجاه رئيس الحزب أمين الجميّل (عمه) ومنسّق اللجنة المركزيّة في الحزب النائب سامي الجميّل (ابن عمه)، متهماً إياهما بضرب الحياة الديموقراطيّة في الحزب

ما الذي يجري في حزب الكتائب؟ ما إن ينتهي صراع حتى يبدأ آخر. لا يُمكن العودة إلى الصراع الأوّل في هذا الحزب الذي يبلغ من العمر خمسة وسبعين عاماً. لكنّ السنوات الأخيرة، منذ اغتيال الوزير بيار الجميّل عام 2006، شهدت تصاعداً. أُقصي فريق الوزير الشاب الذي «أقام البنيان الحديث للحزب، بعدما انتقل النائب سامي الجميّل من كتائبنا (تشبيهاً بلبناننا) إلى حزب الكتائب، لتجعل الحزب ملكاً شخصياً لها» كما يقول أحد المعترضين على أداء النائب سامي الجميل.
إذاً، وبعدما خفتت لهجة الانتقاد تجاه قيادة الحزب، وتحديداً رئيسه أمين الجميل ونجله سامي، عادت هذه اللهجة إلى الارتفاع. ويمكن اعتبار النائب نديم الجميل رأس حربة المجموعة المعترضة، إذ إنه قادر على الحركة والانتقاد من دون الخوف من التهميش الحزبي، لكونه نجل بشير الجميّل، ووريث حالته وشعبيته في الأشرفية.

أمّا النواب الثلاثة الآخرون، فلكل واحدٍ منهم وضعه الخاص: نائب عاليه، فادي الهبر، «لا يكشّ ولا ينشّ». أما سامر سعادة، فشعر أخيراً بأن عليه العودة إلى قضاء البترون. صحيح أنه نائب طرابلس، لكن قاعدته الشعبية، أو ما بقي منها، موجودة في البترون.

ويشير معارضو سامي بالإصبع إلى «التعيينات الحزبيّة الأخيرة، ومنها ما جرى على شكل انتخابات لضرب سعادة»، وأهمها تعيين ابن بلدة شكا البترونية، ميشال خوري، أميناً عاماً للحزب، وهو المعروف بعلاقته السيئة بسعادة، تماماً مثل انتخاب ابن البترون منير الديك عضواً في المكتب السياسي للكتائب. وبحسب معارضي سامي داخل الحزب، فإن نائب المتن يسعى إلى السيطرة الكاملة على البترون، بحيث يُفقد سعادة أي قدرة على الاعتراض. ويشير معارض آخر، إلى أن «هذا ما حصل مع نائب زحلة إيلي ماروني، الذي انشغل لنحو عام بمعركة داخلية مع إقليم الكتائب في زحلة». يضيف المصدر ذاته إن ماروني حاول مواجهة سامي، لكنه فشل، «وساءت حالته يوماً بعد آخر، إلى أن سلّم في النهاية بالأمر الواقع وعاد إلى حضن سامي». يضيف هؤلاء المعارضون إن وضع حزب الكتائب في زحلة يستمر بالتراجع يوماً بعد آخر لمصلحة القوات اللبنانية، التي لا «يفوّت زعيمها سمير جعجع فرصةً إلا يأتي إليها ليلتقي شبابها، في الوقت الذي تحوّل فيه الكتائب إلى حزب الختايرة» كما يقول أحد المراقبين الدقيقين لوضع مدينة زحلة وقراها.

وإلى جانب هؤلاء النواب الثلاثة، «تعرّض نائب الأشرفية نديم الجميل للتضييق في الانتخابات الحزبية الأخيرة، بحيث لم يصل من فريقه غيره إلى المكتب السياسي»، يقول هؤلاء المعارضون.
في المقابل، فإن بعض المقربين من سامي يردون على الأمر بدعوة المعترضين إلى العمل والتفاعل الحزبي والتواصل مع الناس أكثر. ويُعطي هؤلاء مثالاً، هو زيارة وفد من الأشرفيّة إلى سامي ومطالبته، لكونه منسق اللجنة المركزية في الحزب، بإيلاء منطقة الأشرفية اهتماماً أكبر. وبحسب المقربين من سامي، فإن الأخير أبلغ زائريه بأن للأشرفيّة نائباً هو من يتولى شؤونها. يضيف المقربون من سامي إن مشكلة نديم هي في فريق عمله الذي يعاني أزمة تواصل جدية مع الكتائبيين.

ويرى أحد المقربين من القيادة الحزبية أن ماروني وسعادة شاركا في الانتخابات وهما راضيان عن النتائج، ويشعران بدعم الحزب الكامل لهما. «وعندما جرى الاعتراض على ماروني في زحلة، نال نائب المدينة الدعم الكامل من الحزب».
من جهتهم، يقول المقربون من نديم الجميل إن المشكلة في حزب الكتائب هي أن «أمين وسامي الجميل حيّدا العديد من الكوادر الفاعلة لمصلحة بعض المقربين منهما، وحوّلا الحزب إلى مؤسسة وظيفية، إذ يطغى منطق الموظف على منطق المناضل داخل الحزب». وينقل هؤلاء عن نديم قوله إن رئيس الحزب وسامي هما من يُديران الحزب في سبيل تطييعه لمصلحة سامي، متجاوزين كل الأصول الحزبية والديموقراطية، وغير آبهين بابتعاد الكتائبيين عن الحزب. وفي الوقت عينه، تنقل المصادر نفسها عن نديم تأكيد بقائه داخل الكتائب «لأنها المكان الأفضل».

ويُكمل هؤلاء نقدهم لرئيس الكتائب، مشيرين إلى أن الحياة الديموقراطيّة تموت تدريجاً في الحزب، ما يدفع إلى نشوء «بنيتين متوازيتين في جميع المناطق. البنية الرسميّة وأخرى غير رسميّة». ويلفت هؤلاء إلى غياب التقرير المالي عن المؤتمر الحزبي العام، مشيرين إلى أن نديم لا يعرف أين وكيف تُصرف أموال الحزب، وهو ما يرد عليه أحد المقربين من القيادة بالقول إن التقرير المالي عُرض في المؤتمر، وإن المكتب المالي في الحزب مفتوح لأي حزبي يُريد الاطلاع على موازنة الحزب، «والجميع يعرف أن الرئيس الجميل هو المصدر الرئيسي لتمويل الحزب».

إضافة إلى المال الحزبي، يرى المقربون من نديم أن الخلل الإضافي في الكتائب، إلى جانب الخلل التنظيمي الداخلي، هو الخلل السياسي. بمعنى أن حزب الكتائب يفتقر اليوم إلى أي رؤية سياسية، «إذ يجري الاتفاق على موقف ما في المكتب السياسي، ويخرج النواب لترجمته، لكن سامي يُعلن موقفاً آخر، فيُصبح هذا الموقف هو الموقف الرسمي للحزب».

ويُكمل المقرّبون من نديم نقدهم بالقول إن سامي يستفيد على نحو شخصي وخاص من مؤسسات الحزب، «فهو ينال الاهتمام الإعلامي الأول، وهو الذي ينال فريق عملٍ على حساب الحزب». وعند الإشارة إلى أن سامي قدم مشاريع قوانين أكثر من جميع نواب الحزب، يردّ المقربون من نديم بالإشارة إلى أن منسق اللجنة البرلمانية أنطوان ريشا لا يتواصل مع نديم مطلقاً، وكأنه يعمل فقط مع سامي، «تماماً كما يتعاطى الفريق الإعلامي التابع للحزب». وهو ما ينفيه المقربون من سامي، الذين يُشيرون إلى أن ريشا لطالما دعا نديم إلى التفاعل.

وفي الموقف السياسي أيضاً، يرى المقربون من نديم أن علاقة الحزب مع حلفائه غير ثابتة، وهو ما يؤثّر سلباً على أدائه. وينقل هؤلاء عن نديم قوله إن جوهر الكتائب أن يكون حاضناً للزعامات المناطقيّة، كما كان أيّام بيار الجميّل المؤسس عندما كان يضم إدمون رزق من جزين وجورج سعادة من البترون وغيرهما. ويعتقد هؤلاء أن الحزب يتقوقع على نفسه، ويترك الساحة فارغةً لتصطاد القوات اللبنانيّة جمهور الكتائب، «لا لأنها أكثر تنظيماً، بل لأنها أكثر وضوحاً وحسماً في الموقف السياسي».

وهنا، يعترض المقرّب من القيادة، إذ يعتبر الرجل أن موقف الحزب أكثر من واضح، «ومن لا يفهم موقفنا يكون لديه مشكلة في الفهم السياسي، فنحن واضحون لجهة تبني اللامركزيّة السياسيّة والدفاع عن الأرض والعدالة وغيرها من العناوين السياسيّة»، ويؤكّد أن المشكلة هي في الفهم «أو أن هناك من لا يُريد أن يفهم الموقف السياسي لأسباب شخصيّة، تتعلّق بالفشل في الانتخابات» في إشارة إلى نديم الجميّل.

وينفي المقرب من القيادة أي تفرّد بالقرارات، بالإشارة إلى أن القرارات تتخذ بالأغلبيّة، «وقد بلغ أعضاء الهيئة الناخبة في المؤتمر العام 350 عضواً منتخباً وممثلاً للقاعدة الكتائبيّة. ثم انتخب هؤلاء المكتب السياسي عبر الانتخاب السري من وراء الستار العازل، فكيف يكون هناك ضغط على أحد، أو تكون الديموقراطيّة غائبة، إلّا إذا كان من يتحدث عن الديموقراطية لديه مفهوم مختلف عنها».

ورداً على الحديث عن تراجع شعبية الكتائب، يُشير المقرب من القيادة إلى أن مصلحة الطلاب انتشرت انتشاراً واسعاً في السنوات الأخيرة بعدما كانت غائبة عن معظم الجامعات والمدارس، «واليوم باتت عندنا خلايا في الكثير من المدارس والجامعات، وقد شارك نحو 1500 طالب في العشاء الأخير للمصلحة. وهناك 3 إلى 4 آلاف منتسب جديد للحزب سنوياً». ويرى الرجل أن خصوم الكتائب وحلفاءه يزداد احترامهم له، ما عدا بعض القلّة الذين ينتظرون هدايا من الحزب، «والحزب ليس في وارد تقديم هدايا، بل إن كل من يُريد دوراً عليه أن يعمل له. وسامي يُقدّم كل أسبوع مشروع قانون، ويُشارك في الجلسات العامة وفي اللجان، ويزور كلّ الأقاليم ويهتم بكلّ كتائبي».

باختصار، تحتدم المعركة بين أولاد العمّ. في البدء، أطلق نديم الجميّل سهامه على عمه، أمين الجميّل، واليوم يطلق سهامه على ابن عمه سامي. هو صراع السلطة داخل الكتائب، الذي سيحتد يوماً بعد آخر، وخصوصاً أن سامي الجميّل نجح في مدّ شبكة علاقته داخل الحزب بشكل أخطبوطي.

السابق
سيّد الأرقام القياسية..
التالي
هم من المطلوبين