سعد ومقولة الكذب ملح الرجال؟

الاكتفاء بلعبة التدليس والفبركة لا يبدو أنه من شيم الفريق الراغب في إشعال لبنان لأنه فقد السلطة. فمن يكذب مرة كذبة كبيرة، ولا يحاسبه أحد على فعلته، فهو يعيد الكرّة متى أراد، فكيف إذا طاب له الأمر. وفي حالة التعصب المسيطر على عقول الجماعات اللبنانية، فإن أي نوع من المحاسبة الفعلية هو أمر غير متوقع، لذلك يمكن توقع كل شيء، وخصوصاً من جانب فريق سعد الحريري، الذي دخل النفق الأكثر ظلمة في تاريخ العائلة، والله أعلم الى أين المسير.

سعد الحريري يقول إن هناك أسباباً أمنية تحول دون عودته الى بيروت الآن، لكنّ فريقه القريب، وبعض المتابعين يعرفون أن الأمر ليس كذلك. وسوف يكون مضحكاً القول إن السبب الحقيقي، يعود الى كونه ليس مستعداً الآن لمواجهة أمنه المالي في بيروت. الناس ربما لا يعرفون حقيقة وحجم الديون المترتبة على الرجل من جانب مجموعة كبيرة من الموردين وأصحاب المتاجر على أنواعها، إضافةً الى شركات قدمت إليه «خدمات إعلامية ـــــ إعلانية» ذات طابع سياسي. وبعض المستحقات التي لها في ذمته تعود الى الانتخابات النيابية الأخيرة. وربما صار من المفيد نشر لوائح بأسماء الدائنين، بما في ذلك المصارف التي وفرت له سيولة في فترات عدة في مقابل رهونات عقارية، فيما الخلاف مستمر بين الإخوة على طريقة التصرف بجانب من التركة، علماً أن العلاقات المباشرة بين الإخوة وأفراد العائلة ليست متوترة كما قال كثيرون، بل أدّت السيدة نازك دوراً في احتواء الكثير من المضاعفات السلبية لمشكلة السيولة عند الشيخ سعد، كذلك فعل شقيقه بهاء، الذي وإن أبرز في مجلس خاص ملاحظاته على طريقة إدارة شقيقه لمؤسسات والده الراحل، أو طريقة تصرفه في مسائل كثيرة، إلا أنه رفض كل محاولات استدراجه الى خطوات أو مواقف يمكن أن ترتد سلباً على موقع أخيه السياسي والمالي، علماً أن مشاريع الإخوة صارت منفصلة بعضها عن بعض. ويبدو أن الآخرين في العائلة لا يريدون توريط أنفسهم في العمل السياسي المباشر، الذي يرتب نفقات كبيرة، بل على العكس فإن هناك مناخاً يقود الى الاستنتاج بأن بينهم من يريد التخلص من أملاك عقارية لمنع الآخرين من تعريضهم لأي نوع من الابتزاز، وهذا ما يفكر فيه بهاء على الأقل في بيروت.

وسط هذه الأجواء، يمضي الشيخ سعد الآن معظم وقته في المملكة العربية السعودية. يتفقد أعماله المتعثرة، ويعقد اجتماعات متواصلة مع المسؤولين الإداريين، ويعيد تنظيم علاقته بقيادة المملكة. وهو كلف فريقاً لديه، بأن يجري التثبت من أن أخبار الشركة وأخباره يجب ألا تتسرب الى أحد، وقد باشر معاونوه حملة رقابة وتدقيق في كل من يعتقدون أنه مصدر التسريب للمعلومات والوثائق التي تكشف أزمته.

مشكلة سعد مع شريكه وراعيه الأبرز عبد العزيز بن فهد لم تحلّ بعد، ولهذا الأمر انعكاسه على علاقات سعد بآخرين من أفراد العائلة المالكة، وعلى علاقته حتى مع رجال أعمال سعوديين، صاروا يكثرون من انتقاداتهم له ولطريقة عمله، ويقرّون بأن ما يتمتع به إنما هو نتيجة قرار سياسي لا لأي سبب آخر. ويبدو أن الخلاف بين سعد وعزوز يتجاوز المسائل المالية، بعدما نُقل عن لسان عبد العزيز كلام، فيه قدر عال من الذم بحق رئيس حكومتنا السابق، واستعادة لأيام مضت كان فيها سعد أقرب الى معاون لعبد العزيز، الذي كان توقيعه يوفر المشاريع الكبرى ويسمح بصرف مئات ملايين الدولارات، وخصوصاً عندما كان والده الملك الراحل فهد في حالة صحية معقدة.

وسعد، الذي تعلم منذ صغره طريقة التعامل مع أفراد العائلة المالكة، لم يجد وسيلة لمصالحة عبد العزيز، بل هو جرب حظه من خلال شخصيات سعودية وغير سعودية عملت معهما فترة طويلة. وعندما أُعفي عبد العزيز من مهمّاته أخيراً، شعر سعد كأنه يقدر على رفع منسوب الكلام، متورطاً في إحدى الجلسات بأنه تحمّل الكثير من عبد العزيز ولم يعد يقدر على الأكثر. وترافق ذلك مع نشر الزميل داوود الشريان مقالات نقدية للحريري في جريدة «الحياة» التي يملكها خالد بن سلطان. وحسم سعد بأن الشريان إنما يعبر عن رأي عبد العزيز. وبادر الى التدخل لدى آل سلطان، ووفّق في قرار منع نشر آخر مقالة للشريان، التي تناول فيها أزمة الرواتب في جريدة «المستقبل»، لكن الشريان سارع الى التوجه صوب قناة «العربية» التي يملك أخوال عبد العزيز حصة فيها، ونشر المقالة على موقعها الإلكتروني، ما عدّه سعد إشارة قوية الى أن عبد العزيز يقف خلف الشريان. ومع أن رد الحريري على الشريان ظل محصوراً في الرجل، وتجاهل بطريقة سخيفة موضوع المقال، أي الأزمة المالية، وعاد وربط كل نقد له بموقفه من المحكمة والعدالة، فإنه كان يريد أن يوجه رسالة غير مباشرة الى عبد العزيز، وهو أمر صعب حسمه الآن.

في هذه الأثناء، كان سعد ولا يزال مشغولاً في ترتيب أموره داخل المملكة، وهو تذرع بشهر رمضان ليقيم هناك. وصار يستدعي من يحتاج إليه من أركانه في بيروت الى هناك، لعقد اللقاءات وغير ذلك. وحاول إعطاء إشارات بأن الأزمة المالية في طريقها الى الحل، لكن من استفادوا من هذا الكلام ليسوا بنسبة كبيرة من المعنيين، الى أن بادر فريق الحريري قبل نحو أسبوعين الى التبرع بكلفة طبابة الناشط غسان مكارم، الذي تعرض للضرب أمام السفارة السورية في بيروت، وهو قام بذلك لأسباب سياسية، وقد رفض غسان الأمر لأسباب سياسية وأخلاقية أيضاً، لكن ما لم ينتبه إليه الناس، أن انتشار الخبر، استفز بعض الذين لهم في ذمة الحريري مبالغ ليست بكبيرة. وهنا انطلقت الحكايات والتندر والاحتجاج من خلال القول: معه مصاري للأمور السياسية وليس معه للأمور الأخرى، لديه ما يكفي للتنزه و«التسوح» ولا يدفع للناس ما لهم في ذمته، معه ما يكفي لأن يقيم الحفلات السياسية والشخصية ولا يوفر للمتاجر الصغيرة مستحقاتها… الى آخر هذا النوع من الكلام، بينما فكر أحد النشطاء في عالم الإعلام من الذين لهم في ذمة الحريري مئات الألوف من الدولارات، في أن ينظم اعتصاماً لموظفي شركته وأفراد عائلاتهم أمام مكان سكن الحريري في «قصر أياس»، للمطالبة بالأموال، بعدما فقد الرجل كل الآمال باستعادة مبلغه قريباً.
ومثلما كان عنوان «الحقيقة» طبقاً يومياً عند اللبنانيين إزاء كل كلمة نقد للحريري وفريقه، فإن النشيد الوطني الآن هو «المحكمة والعدالة». وكل من يشير الى أزمات الحريري المالية أو مواقفه السياسية أو تفكك أوصال تياره وقواعده، يجعله يخرج على الناس ويقول إن هدف ذلك هو النيل من موقفه «الرافض للتنازل عن المحكمة والعدالة». حتى إن الناس لا يعرفون حكماً، أن الكثير من الاجتماعات التي يعقدها الحريري نفسه، أو مساعدوه مع قادة وشخصيات من تيار 14 آذار، إنما يكون ضمن جدول أعمالها، ما تحمله هذه الشخصيات من مطالب عائدة الى مقرّبين منهم، سبق أن قدموا خدمات إلى الحريري ولم يقبضوا مستحقاتهم. والجواب يختلف بين شخص وآخر، فالشاب المهذب نادر يقول «نحن لا نأكل حق الناس، لدينا أزمة واصبروا علينا بعض الوقت». أما الوقح من أعضاء الفريق المساعد، فيقول: «ولو، كل عمركم عايشين من خيرنا، طولو بالكم»!

يشار إلى أن تنوع الجهات الدائنة للحريري، يشمل الموظفين في مؤسساته، والشركات المتصلة به من موردي السيارات وخدمات النقل، الى المطاعم التي لا يزال لبعضها الملايين في ذمة الحريري، التي تعود الى الانتخابات النيابية الأخيرة، كذلك إلى هيئات محلية صرفت أموالها في الانتخابات، وقيل لها إن المبالغ سوف تعاد اليها سريعاً، وخصوصاً في عكار التي تعيش هذه الأيام ملامح فضيحة في هذا المجال. كذلك هناك محطات الوقود وفواتير عائدة الى المصاريف التشغيلية اليومية في عدد من مؤسساته، وصولاً الى العائلات الفقيرة، التي عوّدها الرئيس الراحل رفيق الحريري المساعدة في الأيام الصعبة، وخصوصاً في شهر رمضان، بما في ذلك المؤسسات الراعية للأيتام وخلافه.

غير ذلك، هل يعرف اللبنانيون، أن الحريري الذي يهاجم إيران ليل نهار، يعمد الى تكليف شركات إيرانية القيام بأعمال بالباطن في ما تلتزمه شركة سعودي أوجيه؟ هل يعرف الناس نتائج التحقيقات التي جرت في هذه المؤسسة منذ انتشار أنباء الهدر والسرقة والفساد فيها؟ هل يعرف الناس حجم الديون المستحقة على مؤسسات الحريري الإعلامية في بيروت، ونوعها…

هل سمعتم بآخر نكتة عن الموضوع:
يقول الراوي إنك إذا وافقت على المشاركة في مقابلة على تلفزيون المستقبل، فسيكون عليك أن تذهب الى الاستديو ومعك فنجان القهوة، وقنينة ماء صغيرة، وبعض من ورق التواليت، إذا اضطررت إلى أن تدخل الحمام، ولا بأس إن أحضرت ليترات من المازوت، فربما لن يعمل مولد الكهرباء؟
رحم الله رفيق الحريري.

السابق
عقل شيطاني وفبركات ضد حزب الله
التالي
وزارة المالية …