حسن جوني: أنا الطفل الذي استبدل بالرَّسم كلَّ أحلامه

 يُلازم الفنان حسن جوني مرسَمَهُ ملازمة الطفل لأُمّه الرؤوم حيناً، وملازمة الطفل للعبته الأثيرة أحياناً أخرى، حيث دفء وجوده ودنيا أحلامه. مرسَمُهُ عالمه الذي استطاعت فيه رشاقة ضربات ريشته إنجاز رسومٍ ولوحاتٍ تُظهر مهارته الفنيّة في تطويع "عنجهيّة" العالم الخارجي لـ"براءة" عالمه الداخلي في لعبةٍ جمالية تشكيلية حاذقة في استدراجها الواقع، وائدةً زيفهُ، مجوهرةً أبعادَهُ. حول السّيرة الذاتية لجوني هذا الحوار معه لـ"جنوبية":

• متى ولدت وأين ومن اي الاماكن انت؟
– ولدت في بيروت، حيّ زقاق البلاط شتاء 1942 في منزل متواضع جداً. قريتي: رومين – الجنوب حيث غادرها جدي لأبي 1885 آتياً إلى بيروت.
• من هما والداك وماذا أخذت عنهما؟
– والدي: عبد الكريم جوني والدتي: فاطمة إبراهيم أخذت عن والدي ومنه التعامل الطريّ مع الحياة ومن والدتي الحساسيّة المفرطة نحو الفنّ.
• أين عشت طفولتك ومراهقتك وكيف كانتا؟
– عشت طفولتي في زقاق البلاط شتاءً ورومين صيفاً تحسستُ الرومانسية باكراً، ولو أن المراهقة تدفع إلى الرومانسية كما تدفع إلى التعاطي الحسي البيولوجي مع الجنس الآخر… لكني كنت غارقاً في الأحلام، مما دفعني إلى التعبير مبكراً… كأني مخلوق من طفولة تكبر ولا تنتهي…

ذاكرة فنيّة غنيّة
• ما هي المراحل التعليمية التي قطعتها حتى اليوم، وأين كان ذلك؟
– حزت على "الدكتوراه" بالفنون الجميلة من الأكاديمية الملكية العليا للفنون الجميلة في مدريد – اسبانيا 1970 بعد دراسة بدأتها في الكلية العاملية ومنها إلى الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة 1965 ومن ثمّ حصلت على ليسانس في تاريخ الفن من جامعة مدريد المستقلة 1984.
• ماذا عن هوايتك الرسم وهل وجدت تشجيعاً ما وممّن في بيتك العائلي أو محيطك المعيشي على تنميتها؟
– قلت إنه كانت لي استجابات رومانسية من الشعر والرسم حيث أخذت طفولتي التعبيريّة تتشكل وتنمو حتى بلوغي حالات التأثر بكل ما أقرأه للشعراء العرب قدامى ومعاصرين وما أراه من أعمال الفنانين التشكيليّين قدامى ومعاصرين، مما شكّل لي ذاكرة فنية أغنت حواسي بكل ما يتطلبه الفن كي يستوي كمعادلات دقيقة وأنيقة وإبداعية. شجَّعتني والدتي على الرسم في المحيط العائلي وأستاذي يومها في الطفولة الأولى ناظم إيراني شفاه الله… إذ كتب إلى والدي يخبره بولادة فنان في داخلي أنا الطفل الذي استبدل بواسطة الرسم كل ما كان يحلم في الحصول عليه.
• هل كنت تحلم بأن تكون غير رسام أو فنان تشكيلي؟
– أبداً… لم يخطر في بالي أن أكون غير ما رغبت حتى اليوم ألتفت إلى مسيرتي الطويلة.. كل ما فيها أنني ما زلت أميناً على ما نشأت عليه من حبي للفن وليس لشيء آخر.
• متى احترفت الرسم عملياً، وماذا عن بداية هذا الاحتراف وكيف عززته لديك؟
– عملياً عندما تخرجت من الأكاديمية الملكية في مدريد وأقمت أول معرض لي شخصيّ في صالة دار الفن والأدب وكانت في شارع بشارة الخوري ومن ثم توالت معارضي الشخصية والفردية في لبنان وخارجه منذ ذلك الحين. ليس سوى العمل اليوميّ والمثابرة على الرسم والتلوين والقيام بكل ما يعزز حضوري الفني سواء في زيارة أكبر متاحف العالم زيارة عينيّة والاطلاع ورصد كل ما يقدمه الفنانون من أعمال استحقت مني الاحترام والتقدير.
• ماذا عن ثقافتك عموماً، والفنيّة خصوصاً وكيف حصّلتهما؟
– أتقن من اللغات الأجنبية لغتين ساعدتاني على الدراسات المعمقة في فلسفة الفن التشكيلي كما على فهم موادّ أخرى لا بد للفنان التشكيلي من معرفتها الموثّقة.. وقد كشفت علاقتي المعرفيّة من خلال اللغتين بالكثير من نتاج الحضارة العالمية الثقافي. أما عن الثقافة الفنية فقد حصّلتها من دراستي الطويلة والأكاديمية للفن رسماً وتلويناً في أعظم أكاديمية للفن في العالم وذوي الاختصاص يعرفون أهمية الأكاديمية الملكية العليا في مدريد – اسبانيا وقيمتها البنيوية وأثرها عبر تاريخ الفن الاسباني منذ 300 عام تقريباً. ناهيك عن القيام السنوي بأسفار للاطلاع على أحدث التيارات الفنية التي تزخر بها متاحف الفن في العالم. على الفنان أن يكون كريماً على ثقافته كي تكرِّمه ثقافته في ميادينها المتشعبة.

كنوز جمالية جنوبية
• ما هي المواضيع التي تهتم بها في رسوماتك ولوحاتك؟
– تعددت المواضيع بتعدّد همومي الوجودية فأنا إنسان أشعر عميقاً بالقلق الإنساني العام والخاص. مما جعل لوحاتي تحتشد بالهموم الإنسانية على اختلافها. كما تحضرني الطبيعة الجنوبية بكل كنوزها الجماليّة وضوئها المائل إلى الوهج المضطرب. كلُّ شيء عندي ولو بصرياً يتداخل في جدليّةٍ لا تنتهي. أي حتى الضوء أحياناً وفي أوجه يردد حزن الأرض وريبتها السياسيّة. هناك مواضيع الهجرات وبائعي الطيور وجلسات المقاهي الشعبية وحالات العشق والأحياء البيروتية القديمة وهي تكريم لزقاق البلاط بكل معنى الكلمة.
• ما هي أجواء رسوماتك ولوحاتك وماذا عن تقنياتها وألوانها، وأيّ الموضوعات وأي الألوان أحبّ إليك؟
– جرّبت الرسم والتلوين بكل الوسائل والوسائط المخططة والملونة ووجدت الألوان الزيّتيّة على القماش هي الأجمل والأروع والتي تُكْسِبُ نفسها ديمومةً برَّاقة… الأحمر القاني هو اللون الأحب… والموضوعات تلك التي ذكرتُ…
• وضعت رسوماً خاصة لمجموعات شعرية فهل وضعت رسوماً لكتب أخرى أو لمجالات أخرى غير الكتب؟
– يطلب مني بعض الشعراء رسماً أو رسوماً لمجموعته الشعرية، أقرأ الشعر أولاً وإذا أقنعني الشعر رسمت. نعم.. رسمت ملصقات سياسية كنت أعبر من خلالها عن مواقفي الحقيقية حيال ما كان يدور حولي وما أكثر ما كان يدور يومها وما زال حتى اليوم.

3000 لوحة ورسم
• كما يبلغ عدد لوحاتك ورسوماتك حتى اليوم؟
– ما يقرب 3000 لوحة ورسم وهي في غالبيتها معلقة في محترفي ومنازل محبّيها وبعض المتاحف العالمية. كما هي في القصور الرئاسية الثلاث في لبنان.
• حالياً هل تشتغل على رسمة أو لوحة معيّنة لك أنت في صدد إنجازها؟
– أنا أرسم يوميّاً وغالباً ما أنتهي من لوحة وتبدأ أخرى في يوم واحد وفق ما أكون قد حاولت إنجازه منذ فترةٍ سابقة.

(كادر)
معارضه الفردية والجماعيّة
أقمت ما يوازي 28 معرضاً فردياً في لبنان و10 معارض فردية في أوروبا وأميركا ولندن كما شاركت زملائي الفنانين اللبنانيين في تمثيل لبنان على امتداد السنين الطوال منذ العام 1970 وحتى اليوم أي ما يوازي 45 معرضاً جماعياً.

(كادر)
حاصلٌ على الجوائز التالية:
الجائزة الأولى في الرسم للتخصص في الخارج من وزارة التربية الوطنية والفنون الجميلة 1965. الجائزة الأولى في الرسم والتلوين من مركز الفنون الجميلة في مدريد 1970. الجائزة الذهبية الأولى عن الرسم في بنيّال اللاّذقية 1997.
 

السابق
تبغ رمضان: مزارعو الصوم الشاقّ والتعب المضاعف
التالي
المسألة الأخلاقيّة