الراي: قصة الهروب الكبير لأبي طلحة ورفاقه… نشروا الحديد بأعصاب حديدية وحوّلوا الشراشف سلالم وسط لغز جهاز التبريد

كشف وزير الداخلية اللبناني العميد مروان شربل لـ «الراي» ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ابلغ اليه اهتمامه الخاص بالكويتي محمد عبدالله ناصر الدوسري الملقب بـ «أبي طلحة» والذي فر مع أربعة سجناء آخرين من سجن رومية قرب بيروت أول من أمس ووجوب استعادته ومعاودة توقيفه.

وقال شربل ان الاجهزة الامنية اللبنانية مستنفرة لاسترداد الفارين الاربعة بعدما تم توقيف الخامس مدحت حسن خليل أحمد، معرباً عن اعتقاده ان الهاربين لا يزالون داخل الاراضي اللبنانية، وموضحاً ان ثمة تنسيقاً بين الاجهزة اللبنانية كافة وبين مسؤولين في المخيمات الفلسطينية لقطع الطريق على امكان لجوء هؤلاء الى تلك المخيمات.

واستبعد وزير الداخلية في اتصال اجرته به «الراي» امكان نجاح الفارين الاربعة في دخول سورية، مشيراً الى ان الحدود اللبنانية ـ السورية تشهد انتشاراً عسكرياً كثيفاً نظراً الى التطورات في سورية.
وفي سياق متصل، لم تستبعد مصادر امنية لبنانية ان يكون الفارون وبينهم «ابو طلحة» لجأوا الى احد المخيمات الفلسطينية للاحتماء بها.

من جهتها، قالت مصادر قضائية لبنانية لـ «الراي» ان التحقيقات الجارية في ملف الفرار من سجن رومية لم تُظهر بعد اذا كانت العملية تمت بالتنسيق مع جهة من خارج السجن، موضحة انه يجري العمل على كل الخطوط في محاولة لتحديد ملابسات الهروب وظروفه.

وكشفت المصادر ان مدحت حسن خليل أحمد الذي تمّ توقيفه في مخيم البداوي اشار الى ان كلاً من الفارين الاربعة ذهب في اتجاه، مشككة في هذه الرواية في اطار سعيها الى تحديد البقعة الجغرافية التي يمكن ان يكون لجأ اليها الفارون او كل منهم.

وعند توقيفه في بيروت العام 2009، ثم الحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات بحيازة جواز سفر مزور، وطلب إنزال عقوبة تصل الى الاشغال الشاقة المؤبدة به بتهمة الاشتراك مع آخرين في تأليف عصابة سرية مرتبطة بتنظيم «القاعدة» والتخطيط للقيام بأعمال إرهابية في لبنان وسورية، لم يحظ الدوسري بـ «الشهرة» التي نالها حين هرب مع خمسة آخرين، بينهم 3 من «فتح الإسلام»، من سجن رومية ظهيرة يوم السبت مطلقاً حال «استنفار» امني بري وجوي على امتداد الاراضي اللبنانية في موازاة عملية «محاسبة» للمشرفين على السجن المركزي الذي شهد عملية فرار ذكّرت بملابساتها «المثيرة» برائعة السينما الاميركية «الهروب الكبير» (the great escape).
ورغم ان عملية الفرار «المريبة» ليست الاولى التي يعرفها سجن رومية الذي ذاع صيته بحالات الهروب كما التمرّد نتيجة الاكتظاظ الهائل في زنزاناته، فان ما شهده يوم السبت اكتسب بُعداً اكثر خطورة، لاسيما في ضوء طبيعة الفارين، وبينهم «ابو طلحة» ومعه ثلاثة من «فتح الإسلام»، هم السوريان عبدالله سعد الدين الشكري وعبدالعزيز أحمد المصري واللبناني عبدالناصر سليم سنجر والموريتاني (يحمل جنسية اردنية) مدحت حسن خليل أحمد وسادس لبناني هو وليد عصام لبابيدي لم ينجح في الفرار وقُبض عليه قبل ان يلتحق برفاقه، من دون اغفال ان حالات الهروب السابقة كان يستعاد منفذوها الى خلف القضبان.

واذا كانت الاجهزة اللبنانية نجحت في «استرداد» احد الفارين الخمسة، وهو السوداني مدحت احمد الذي كان دخل مخيّم البداوي (قرب طرابلس) وسلّمته حركة «فتح» الى السلطات اللبنانية، فان الفارين الاربعة الآخرين كانوا حتى عصر امس ما زالوا «متبخّرين» وسط مخاوف من ان يكونوا بلغوا مناطق نائية او اصبحوا خارج الاراضي اللبنانية او لجأوا الى مربعات امنية فلسطينية لاسيما ان بعض المعطيات المتصلة بظروف فرارهم أوحت بوجود شركاء لهم من خارج السجن لا يُستبعد ان يكونوا أمّنوا لهم سبل «الاختفاء».

وقد عاشت بيروت امس الاحد، ورغم عطلة نهاية الاسبوع يوم عمل امني مكثف على خطيْن هما: التحقيق مع القيمين على السجن لكشف ملابسات الهروب الذي تُشتمّ منه رائحة «تواطؤ» وإهمال، وتقفي أثر الفارين ومحاولة توقيفهم خشية ان يترك هذا الملف تداعيات سلبية على صورة الدولة وهيْبتها لاسيما ان هذا الحادث جاء وسط مجموعة من الملفات الامنية المربكة لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
وعلى الخط الأول برز طلب مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر توقيف ضابطين و9 حراس في «رومية» بعدما امضى ليلة السبت – الاحد مع معاونيه القاضيين سامي صادر وداني زعني في السجن المركزي حيث اجروا التحقيقات التي تتواصل في ملابسات عملية الفرار.

وكانت هذه العملية نُفذت وفق سيناريويْن:
الاول عبّرت عنه الرواية الرسمية التي جاءت في البيان الصادر عن المديرية العامة لقوى الامن الداخلي اذ جاء فيها انه «بين الساعة الحادية عشرة والثانية عشرة من نهار السبت وفي السجن المركزي في روميه المبنى «د»، قام خمسة سجناء بنشر الفاصل الحديد المطل على الباحة الخارجية، ونزلوا بواسطة شرشف واندسوا بين المواطنين الذين كانوا يزورون ابناءهم، وتمكنوا من الفرار (…). وتقوم قوى الامن الداخلي بالتنسيق مع قوى الجيش بملاحقتهم وتعقبهم حتى توقيفهم وإعادتهم الى السجن.

والتحقيق جار بإشراف القضاء المختص لاتخاذ الاجراءات المناسبة في حق المقصرين» وارفق البيان بنشر صور للفارين للإبلاغ عنهم في حال رصدهم.
أما السيناريو الثاني فكشفته تقارير اعلامية اشارت الى انّ بلاغاً كان وصل الى قيادة الدرك قبل نحو أسبوعين يحذّر من التحضير لعملية فرار من المبنى «د» في سجن رومية، موضحة انه عند الساعة الواحدة ليلاً نهاية الشهر الماضي، جرى ادخال جهاز تبريد الى الطبقة الأولى من المبنى «د» باشراف من الضابط «س. هـ». وتم ادخاله الى الغرفة 141 بمعاونة اثنين من حكّام المباني، ووُضع داخل الجهاز مبلغ 15 الف دولار و6 هواتف خلوية، لكن أحداً من آمرية السجن لم يُعَر هذا البلاغ الاهتمام الكافي.
وفي موازاة تركُّز التحقيقات على هذه النقطة، عُلم ان جانباً آخر يتناول الأشخاص الذين كانوا يزورون الفارين اثناء وجودهم في السجن على امل العثور عليهم وتوقيفهم.

وقد تواصلت امس عمليات البحث عن الهاربين براً عبر دوريات في محيط السجن وأحراجه استعانت بالكلاب البوليسية، وجواً عبر طوافات جابت مختلف المناطق من دون ان تنجح نهاراً في رصد أي من الاربعة الباقين وذلك بعدما كان الفار مدحت احمد نجح في دخول مخيم البداوي الذي لم يستقبله وسلّمه الى مخابرات الجيش اللبناني.
وصدر عن قيادة الجيش – مديرية التوجيه بيان اعلن انه «على اثر فرار خمسة موقوفين من سجن رومية، قامت قوى الجيش بعملية تفتيش واسعة في مختلف المناطق اللبنانية، يساندها عدد من الطوافات العسكرية، وقد تمكنت من توقيف المدعو مدحت حسن خليل أحمد (أردني الجنسية) في شمال لبنان، ولا تزال هذه القوى تتابع أعمال البحث والتقصي عن بقية الفارين، لتوقيفهم وتسليمهم إلى الجهات المختصة».

ومعلوم ان اسم «ابو طلحة» كان برز في لبنان خصوصاً بعدما طلب قاضي التحقيق العسكري اللبناني فادي صوان العام الماضي إنزال عقوبة تصل الى الاشغال الشاقة المؤبدة في حدّها الأقصى بحقه، ومعه السوري سمير حجازي، والطاجكستاني محمد زاهامو تياروف بتهمة الاشتراك مع آخرين في تأليف عصابة سرية مرتبطة بتنظيم «القاعدة» والتخطيط للقيام بأعمال إرهابية في لبنان وسورية، بينها ضرب قوة «اليونيفيل» المعززة في جنوب لبنان.

وطالب القرار الاتهامي آنذاك بكشف كامل هوية متهم رابع، قال انه موجود في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، جنوب لبنان ويدعى احمد خالد الدرويش.
وجاء في القرار الاتهامي ان «ابوطلحة» ورفاقه عقدوا اجتماعات عدة في سورية وفي مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا (الجنوب) مع مجموعات متطرفة مثل «فتح الإسلام» و«جند الشام» بهدف جمع الأموال والأسلحة، والتحضير للقيام بأعمال إرهابية في لبنان وضد النظام في سورية.

وأحال صوان الموقوفين أمام المحكمة العسكرية الدائمة للمحاكمة، علماً ان الدوسري كان أوقف في مطار رفيق الحريري الدولي في الرابع من يونيو 2009 أثناء محاولته الدخول الى لبنان آتياً من أثينا بجواز سفر مغربي مزوّر.
وكشفت التحقيقات مع «أبوطلحة» أن مجموعته مرتبطة بتنظيم «القاعدة» في أفغانستان، وأن الموقوفين الآخرين حجازي وتياروف قد عملا مع هذا التنظيم في العراق وسورية وفي أفغانستان.
وقبل أن يظهر في لبنان، كان الدوسري قد أوقف في الكويت مدة سبع سنوات في العام 2000 كما أوقف بعدها في سورية العام 2008، وشارك في الجهاد ضد الاحتلال الأميركي في أفغانستان.
كما عاد اسم الدوسري الى الواجهة في الـ 2010 عندما كشفت «الراي» ان الرئيس اللبناني ميشال سليمان وقّع مرسوماً جمهورياً يقضي بتسليمه الى السلطات العراقية.

واذ اشار مرجع قضائي في حينه الى ان المرسوم الجمهوري بتسليم الدوسري جاء بحسب الاصول والاتفاقات، كشف عن ان ابو طلحة محكوم بالسجن ثلاث سنوات في لبنان، وتالياً لن يكون متاحاً تسليمه الى العراق الا بعد انقضاء مدة محكوميته.
ولفت المرجع الى ان عملية تسليم المطلوبين في لبنان تخضع كما هي الحال في الدول الأخرى، للاتفاقات بين الدول وليس للاعتبارات السياسية، لذا فإن القضاء اللبناني غير معني في الشأن السياسي ويتصرف تبعاً لتلك الاتفاقات.
يذكر ان السلطات العراقية كانت طالبت لبنان بتسليمها «أبوطلحة»، بحجة استكمال التحقيقات في جرائم مرتكبة في العراق وكان الدوسري على صلة بها.

السابق
“التجمع المدني اللبناني”..للمستقلين الشيعة
التالي
الديار: حكومة كلّنا للعمل تعيش تحت وطأة التهديد بسحب الوزراء