إسرائيل تعبث بالزمان والمكان

يبدو التاريخ ـ من وجهة نظر إسرائيلية ـ وكأنه تعبير محموم لاختلال التوازن الاجتماعي والنفسي الديموغرافي، وهذه الحالة تكون إحدى الاستجابات المميزة للعلم النفسي الاجتماعي والذي يُعرف باسم «الدافع الإشكالي الجماعي».

هذه الضروب من الرجرجة النفسية تفسر كيف تبقى الإشكاليات قديمة وفي سبات ونوم ثم تستيقظ في لحظة تاريخية من جديد. وهذا الاختلال وعدم التوازن حين يحدث هذه الرجرجة يبدأ التفكير بالتشوه وتزوير الزمان والمكان ثم ينعكس سلوكياً بما يخالف الواقع مفترياً على الزمان والمكان قيمتهما.

و الزمان في الفكر الإسرائيلي لا قيمة له ولنا من الفكر الإسرائيلي المنكر لمجيء السيد المسيح برهان ساطع وأكثر من ذلك فالمكان لا معنى له في نظر إسرائيل فالقدس قدسها وفلسطين أرضها والزمان زمانها فهي تعبث بالمكان والزمان كما تشاء وتدون تاريخها كما تشاء بصرف النظر عن صدق هذا التاريخ والفكر والزمان أو عدم صدقه. فإسرائيل تشكّل العالم حسب مفهومها وتكتب التاريخ كما تشاء ولعل آخر تزوير للتاريخ والمكان هو هذه الأضحوكة التي أسمتها المغطس في أرض إسرائيل.

و ليس مهمة هذا المقال هو تكذيب إسرائيل أو تصديقها في أكذوبتها هذه بل أن السنودس الكاثوليكي الذي انعقد في روما قبل عدة أشهر أشار في بيانه وبجرأة ودلائل لا تقبل الطعن إلى أن إسرائيل تكذب على التاريخ وتزور الزمان رغم أن الادعاءات الإسرائيلية لا تفيد في شيء ولا تخدم المفهوم الإسرائيلي نفسه. وبالرجوع إلى المراجع المسيحية وأكبرها وأعمقها ما ورد في الكودكس الأول والثاني والثالث والرابع فإن مسرحية إسرائيل حول مكان المغطس في إسرائيل تبدو لا معنى أو قيمة لها.

و لعل المرجع الأكثر عمقاً في العقل البشري هو الإنجيل والذي لا قدرة للعقل البشري على تكذيبه والشك فيه أنه أشار بالآية والأعجوبة والمسلك الإلهي حول عمادة السيد المسيح في نهر الأردن الذي لا علاقة لإسرائيل به. ولعل الحمامة التي أرسلتها السماء لتقف على كتف السيد المسيح ولم ترسل إلى مكان آخر وهي مرسلة إلى هذا المكان تحديداً هي من الدلالات الصارخة على سخافة الادعاء الإسرائيلي.

أما من زاوية سياسية فلم يكن التاريخ يوماً قد حفظ لموقع المغطس الحالي قدسيته وأمنه أكثر من التاريخ الذي نشر فيه الأردن بزعامة الهاشميين خيمته الأمنية على هذا الموقع وعلى القدس خاصة وفلسطين عامة.

نعود للتساؤل ما معنى ومغزى الادعاء الإسرائيلي بأن المغطس في إسرائيل وليس في الأردن؟ عن الإجابة السريعة لمثل هكذا سؤال هو أن المغطس أحد العناصر القوية في حفظ الأمن والأمان لا للسياح فقط بل لكل من الأردن وإسرائيل. ونضرب مثلاً كنيسة الناصرة التي حاولت إسرائيل إقامة معابد دينية على أرضها غير مسيحية ومع ذلك فقد ظلّت هذه المسألة شوكة في حلق إسرائيل. فالأماكن الدينية إسلامية كانت أم مسيحية هي أماكن أقرها الزمان وحفظها المكان المتواجدة فيه واستقر المفهوم

الإنساني على أن هذا الموقع هو الموقع الذي اختارته السماء ليكون نقطة انطلاق البشرية نحو السلام والمحبة.

إن تسييس إسرائيل لموقع المغطس والعبث بمكانه وزمانيته هو لعب قد يحرق اللاعبين به وهو تفكير سياسي لم ولن يكون موفقاً. فالتاريخ لا يلغيه العابثون به وبمكانه ومكانته. وثمّة تساؤل صارخ كيف تدّعي إسرائيل أن مكان عمادة المسيح هو أرض إسرائيل وهي لا تعترف حتى الآن بمجيء المسيح؟؟؟

السابق
..والقضاة أيضاً
التالي
أمن الإنترنت اكبر خرافة