تحليل سياسي.. انفضاح التلفيقات الإعلامية

خلال الأيام القليلة الماضية، انتشرت عبر جميع وسائل الإعلام ووكالات الأنباء أخبار تتحدث عن مذبحة مزعومة في مدينة حماه. مع العلم أن المجازر ارتكبتها العصابات الإرهابية وهذا ما كشفت عنه قوى الجيش العربي السوري، التي نجحت في إزالة الحواجز والمتاريس من الطرقات الرئيسية في مدينة حماه، وهي تلاحق الإرهابيين في الأحياء الأخرى من المدينة، وقد كررت الوسائل الإعلامية التي تكفلت بتعميم هذا الخبر بث وتداول صورة يتيمة من المدينة السورية، تظهر دبابة للجيش السوري تعترضها سواتر وإطارات مشتعلة في أحد الشوارع ولم ترد صورة واحدة تثبت المزاعم التي تداولتها الأخبار غير هذه الصورة، ومساء الاثنين الماضي ظهر تسجيل تلفزيوني لقيام عناصر مسلحة في حماه بقتل عدد من الجنود السوريين ورميهم في مياه نهر العاصي بعد التمثيل بجثثهم، وهم أنفسهم الذين انتشلهم الجيش العربي السوري من مياه نهر العاصي.

فطيلة الشهر الماضي، تعيش مدينة حماه تحت سيطرة عناصر إرهابية مسلحة تنتمي إلى تنظيم الإخوان المسلمين وجماعة عدنان العرعور التكفيرية والتي يقيم قائدها في المملكة العربية السعودية ويبث تعليماته عبر قناته الفضائية، بينما يدير مسلحوه عملياتهم في الأحياء الداخلية في حماه، حيث تتصل غرف القيادة بواسطة أجهزة الثريا ومحطات اتصال متطورة بالإنترنت، وقد أفاد المراسلون الصحافيون عن ظهور كميات من الأموال توزع على المسلحين الذي يشهرون على الحواجز السيوف والبلطات بينما يتمركز على أسطح الأبنية عدد من القناصة وحملة البنادق من طراز كلاشينكوف وبومب أكشن وقاذفات الآر.بي.جي.

الضجيج السياسي والإعلامي عن مجزرة مزعومة لم تحصل استبق تحرك قوات الجيش العربي السوري لفرض الأمن في المدينة، بعدما وصلت إلى الطريق المسدودة جميع محاولات التفاوض عبر الوجهاء والفاعليات في المدينة لتسليم السلاح، ورفع الحواجز من الطرق، وهي مفاوضات شاقة أدارها محافظ حماه، واصطدمت بتشدد متطرفي الإخوان وجماعة التكفيريين، الذين رفضوا تلبية مناشدات العديد من الوجهاء ورجال الدين والتجار في المدينة.

السلطة التي فرضها المسلحون الإرهابيون داخل أحياء حماه، دفعت بآلاف العائلات من سكان المدينة إلى النزوح في اتجاه الريف، هرباً من نظام إرهابي يشبه ما أقامه المتطرفون في دويلة الزرقاوي في العراق، ويشتمل على تضييق واسع على حريات الناس، وممارسة عنف منظم ضد الأهالي الآمنين.

جميع وسائل الإعلام المتورطة في خطة تعميم الانطباع عن المجزرة المزعومة وشبكات المعارضين السوريين على الانترنت يستخدمون تعبير الاحتجاج السلمي في وصف سيطرة المسلحين على المدينة، وكأن السواطير والسيوف والبنادق والقاذفات الصاروخية هي أدوات غير حربية، والسيطرة على بعض المراكز الأمنية وإحراقها وخطف وقتل من فيها من العسكريين هو مجرد احتجاج سلمي!!

استمر الضجيج السياسي والإعلامي وقد شارك فيه رؤساء ووزراء خارجية في دول الناتو بدءاً من باراك أوباما، وقد تبينت الغاية عندما تحركت الخارجية الألمانية لعقد جلسة لمجلس الأمن، وتكرار المحاولة الغربية للخروج بقرار أو بيان أو مجرد توصية تفتح الباب للتدخل الأجنبي في سورية، وهذا هو بيت القصيد، وكان أن صدر بيان رئاسي غير ملزم ولكن أهميته تأتي من خلال اعتراف مجلس الأمن بوجود مسلحين وليس متظاهرين سلميين.

ليست المرة الأولى منذ اندلاع الأحداث في سورية التي تروّج فيها الأكاذيب في إطار الخطة الغربية، التي تنفذها دول حلف الناتو مع أعوانها الإقليميين ولا سيما تركيا، للتدخل في سورية وحيث تمثل اللوبيات الصهيونية في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية القوة الدافعة التي تحرك هذا المخطط وتؤمن له التمويل والمساندة الإعلامية والسياسية في المنطقة وخارجها بالشراكة مع قطر والجماعات التكفيرية بإشراف بندر بن سلطان.

وفي مقابل كل هذا التآمر على سورية، فإن القيادة السورية مصممة على إكمال مسيرة الإصلاح بكل مستوياتها وقد تصل هذه الإصلاحات إلى إلغاء المادة الثامنة من الدستور، مع قناعة القيادة أنه مهما أنجزت من إصلاحات أكان على مستوى قانون الأحزاب أم قانون الانتخابات وقانون الإعلام فإن المعارضة الخارجية المرتبطة بأجندة خارجية سترفض هذه الإصلاحات لأن ما تريده هو تسلّم السلطة وليس الحرص على مصالح سورية وشعبها وتطورها لكي تصبح دولة عصرية وحديثة!!

السابق
البناء: حزب الله، “14 آذار” انزلقت إلى الحرب على سورية ودول إقليمية وكبرى اتخذت من لبنان منصة للنيل منها
التالي
مرحلة جديدة لتركيا ودور شرق أوسطي جديد