منهجيات متناقضة في العودة لاستئناف المفاوضات لقطع الطريق أمام السلطة الفلسطينية في الوصول الى الأمم المتحدة

 في منهجية واضحة تستهدف الافادة القصوى من واقع «انشغال» العالم العربي بأزماته الداخلية المفتوحة على العديد من الاحتمالات، والموزعة على غالبية دوله من أقصى المغرب الى أقصى المشرق مروراً بـ«السلطة الفلسطينية» المنقسمة على نفسها في «دولتين» – إمارتين، واحدة في رام الله تحتضن أوسع اعتراف دولي وعربي، وثانية في غزة محاصرة، والحائرة، بل المنصرفة عن إنجاز «اتفاق المصالحة» وتشكيل «حكومة وطنية»، والعاجزة عن توفير الحد الأدنى المطلوب لشعب أحكم الحصار عليه من قيادته تماماً كما من «أشقائه» وأعدائه… تصعّد «إسرائيل» من إجراءاتها الميدانية العدوانية، وتقرر (بعد ساعات قليلة على اجتماع «لجنة المتابعة العربية» التي اجتمعت في الدوحة وقررت «التوجه الى الأمم المتحدة في أيلول المقبل لطلب الاعتراف بدولة فلسطين على حدود عام 1967 وعضوية المنظمة الدولية…») بناء 930 وحدة استيطانية في جبل ابو غنيم في القدس الشرقية، ضمن خطة أكثر اتساعاً في تهويد الأراضي الفلسطينية وجعلها «ملكاً خاصاً للشعب اليهودي» بالتوازي مع تحضير قوانين في الكنيست تمهد لـ«إسرائيل الوطن القومي لليهود» وتلغي اللغتين العربية والانكليزية كلغتين «رسميتين» في الكيان، إضافة الى خطوات أخرى على طريق «التهويد الكامل»؟!

عباس… الشيء وعكسه
كل هذا يأتي في وقت أدارت الولايات المتحدة ظهرها الى كل «تعهداتها» السابقة لقيادة «السلطة الفلسطينية» وتركت للقيادات الاسرائيلية حق وحرية تفسير الخطاب الثاني للرئيس الاميركي باراك أوباما… وحشرت رئيس السلطة محمود عباس في خانة ضيقة جداً يقول فيها «الشيء وعكسه في آن واحد… مظهراً عدم اهتمام بالتهديدات الاسرائيلية بإلغاء اتفاقية أوسلو التي وقعتها «إسرائيل» مع قيادة «منظمة التحرير الفلسطينية» بين العامين 1993 و1995، والتي تشكل الى اليوم – «الإطار القانوني لمعظم منظومة العلاقات بين «إسرائيل» و«السلطة الفلسطينية» في مجالات عديدة في الأمن والاقتصاد و«البنى التحتية»… في مقابل عدم اكتراث القيادات الاسرائيلية لتهديدات عباس بالعودة الى مقاومة شعبية واسعة النطاق ضد الاحتلال والجوار والاستيطان…».
يعرف الاسرائيليون ان محمود عباس ليس ابن هذه المدرسة في «المقاومة الشعبية» وإن أراد تكبير الحجر باشتراطه ان لا تكون هذه «المقاومة» شعاراً فقط»… فهو يريدها، على ما قال عملاً جماهيرياً منسقاً ومرتباً في كل مكان، وليس فقط في القرى القريبة من الجدار حيث التظاهرات برأيه «موسمية قليلة العدد ومحزنة»… أي أنه يريدها انتفاضة كما يمكن ان يستنتج… لكن هل هذا هو ما يريده الرئيس عباس بالضبط؟!
شكوك كثيرة تحوم حول خيارات الرجل الحقيقية… فبعد الجملة الأولى التي تحدث فيها عن «المقاومة الشعبية» التي لم يقل ما اذا كانت سلمية أم غير سلمية أم مشتركة حدد خياراته قائلاً بالحرف الواحد، ومن غير أي إيهام: «خيارنا الأول والثاني والثالث هو المفاوضات…» لكنه سرعان ما يستدرك قائلاً إنه «بعد فشل الرباعية الدولية (التي تضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة) وضع أسس للمفاوضات على أساس وقف الاستيطان ومرجعية حدود العام 1967 لدولة فلسطين، أصبح الآن الوقت متأخراً للمفاوضات… ان الوقت متأخر جداً… لا يوجد وقت… نحن ذاهبون الى الأمم المتحدة» ومعنا 122 دولة تعترف بدولة فلسطين على حدود 1967، و«سنواصل جهدنا أكثر لمزيد من الاعترافات والدعم للتصويت لصالحنا…». لكن أبو مازن سرعان ما يعود الى تشريع الأبواب من جديد أمام «خياره الأول والثاني والثالث» فيستدرك قائلاً ان الأمم المتحدة ومجلس الأمن ليسا بديلاً للمفاوضات»؟!.

… بالشروط الاسرائيلية
الاسرائيليون يعترفون بأنهم يستعدون «لسيناريوات مختلفة وبأدوات مختلفة»… وهم يرون في ذهاب الفلسطينيين الى الأمم المتحدة «خطوة من جانب واحد»… تستدعي الرد بجملة إجراءات ضاغطة، من بينها الغاء اتفاقات أوسلو، ومن بينها الرهان على الموقف الاميركي والاوروبي باستخدام حق النقض «الفيتو» لحرمان الدولة الفلسطينية من ان تبصر النور… وبالمقابل، وعلى طريقة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات: «البندقية في يد وغصن الزيتون في يد» قدم رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو تصوره بسلسلة مواقف متناقضة، يشتري بها «الداخل الاسرائيلي» ولا يبالغ في إحراج حلفائه الاميركيين والاوروبيين في الخارج… وبين ليلة وضحاها بدّل مواقفه من اقفال باب المفاوضات الى إبداء الاستعداد لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين وفق الصيغة الاميركية المعدلة التي تبنتها اللجنة الرباعية الدولية، وهي صيغة كان قدمها الرئيس الاميركي باراك أوباما ثم عاد وانقلب عليها في خطابه أمام ايبال بإضافة تعديلات غامضة تخدم الغرض الاسرائيلي وتقضي بأن تكون «حدود العام 1967 أساساً للمفاوضات مع الاتفاق على تبادل الأراضي بين الجانبين». الأمر الذي فسره الاسرائيليون، وسكت عنه الاميركيون – بأنه يعني ان إسرائيل لن تنسحب من كل الضفة الغربية باعتبار ان «حدود العام 67 لا تشكل خطوطاً دفاعية بالنسبة لأمن إسرائيل» على ما قال نتانياهو..

لعبة جديدة – قديمة
هكذا يلعب الاسرائيليون لعبتهم الجديدة – القديمة في شراء الوقت وتشتيت الآخر في لعبة مزدوجة يروجون للقبول بخطة الرئيس أوباما لاستئناف المفاوضات على أساس «الاعتراف بالطابع اليهودي لدولة إسرائيل» و«التفاوض على حدود مختلفة عن تلك التي كانت قائمة في الرابع من حزيران 1967…» في مقابل ان تتخلى السلطة الفلسطينية عن خطوة الذهاب الى الأمم المتحدة في أيلول المقبل.. من غير ان يتخلفوا لحظة واحدة عن نسف كامل منظومة الشروط الفلسطينية… فماذا بقي؟
 

السابق
الربيع العربي ثورة لإطاحة “الأنظمة الثورية”
التالي
… غيرن في أحوالهن فاتن … ريما وياسمين حين يطوعن المأساة بإرادة الحياة