الزراعة في العرقوب ووادي التيم: قصص وحكايات من الماضي إلى يومنا الحاضر

 المتتبع للمتغيرات التاريخية والاجتماعية والاقتصادية التي مرّت بها منطقة العرقوب ووادي التيم يمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل: مرحلة ما قبل سقوط الجولان السوري عام 1967 ودخول المقاومة الفلسطينية عام 1968 وصولاً إلى التحرير عام 2000 وإلى أيامنا هذه..

مرحلة سقوط الجولان
بعدما احتلت إسرائيل الجولان أخذت تعمل على مراحل للسيطرة على بقية الأراضي والمناطق اللبنانية المتاخمة للجولان.. مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والتي لم تكن خالية من السكان حيث كانت تضم المزارع حوالى 1075 منزلاً ويسكنها 1220 عائلة تمتد من مزرعة النخيلة اللبنانية وصولاً إلى مرج المنّ وتلك المنطقة كانت قبل سقوط الجولان منطقة تجارية مركزية، وفي لقاء مع رئيس بلدية شبعا السابق عام 1960 مسلّم غادر قال: أن المزارع كانت من أهم المراكز التجارية على صعيد تجارة المواشي بين الجولان والقنيطرة، والعرقوب وقضائي مرجعيون وحاصبيا وصولاً إلى بنت جبيل والنبطية والبقاع كونها تمثل الحد الفاصل بين لبنان وفلسطين وسوريا… ولم تكن ميزتها تجارة المواشي فقط، فهي غنية بالأحراج وزراعة القمح وصناعة الألبان والحبوب على كافة أنواعها بالإضافة إلى السواد (زبل الماعز والأبقار والغنم)، كما كانت غنية بأشجار الزيتون حيث كانت تنتج آلاف الأطنان من الزيتون والزيوت وكذلك كانت من أهم المناطق المنتجة للخوخ واللوز والعنب والتين والتوت والرمان والصبار، عندما احتلت إسرائيل آخر مزرعة من المزارع عام 1969 حيث كان لهذا الاحتلال التبعات السلبية ليس على منطقة العرقوب وحسب إنما على قضائي حاصبيا ومرجعيون، فآثار الدمار التي تعرضت لها منطقة العرقوب بالدرجة الأولى الذي لا يزال قسم كبير منه ظاهر للعيان من جراء هذا الاحتلال فالعدو استطاع باعتداءاته المتواصلة أن يخلع نظاماً اجتماعياً كان قائماً على التعاون بين أبناء العرقوب والجولان وبين المزارعين في المنطقتين، وبعد سيطرته على الأرض حرم أبناء العرقوب من العمل في أراضيهم المحيطة بالمزارع والتي تمتد من سهول المجيدية والعباسية ومزرعة العباسية النخيلة امتداداً للمراصد الإسرائيلية التي أقامها العدو في مرتفعات جبل الشيخ.
الأمير طارق شهاب أكد على ما قاله السيد غادر وقال: إن الأسباب الأولى للتهجير والهجرة الجماعية هي الاعتداءات الإسرائيلية اليومية على المنطقة وعلى منازل السكان في كل من كفرشوبا وشبعا والهبارية وراشيا الفخار وكفرحمام والماري والفرديس امتداداً إلى شويا وحاصبيا وفي مرحلة لاحقة الخيام حيث تم تدمير الآلاف من المنازل والوحدات السكنية إضافة إلى حرق المحصول الزراعي من القمح والحمص والعدس والجلبينة لأبناء منطقة العرقوب.

الزراعة والأساليب القديمة التقليدية
كان الإنتاج الزراعي في منطقة العرقوب يتركز على الحبوب المختلفة التي لا يمكن حصرها بزراعة القمح، هذه المادة التي كانت تشكل زراعتها أكثر من نصف الأراضي الصالحة إضافة إلى السهول.
والإنتاج الثاني: من زراعات الحبوب الأخرى مثل الشعير – الجلبينة – الحمص – الفول – الذرة – العدس – والسمسم وكل تلك الأنواع بعلية وكانت تزرع طبقاً لإمكانيات المزارعين.
وكان يتم بيع القسم الأكبر منها في سوق الخان وسوق القنيطرة، وتاريخياً في سوق الخالصة – فلسطين – أما المنتجات الزراعية الصيفية مثل النعنع والبندورة والكوسا والباذنجان والقرع والبطيخ والمقتى والخس والبصل والخضار على أنواعه كثيراً ما كانت تزرع في الأراضي القريبة من البيوت او حاكورة المنزل كونها تمثل الزراعة الأساسية لحاجة العائلة في الصيف وكان من يعمل على زراعة الصحارى هم ميسوروا الحال ومالكو الأراضي القريبة من مصادر المياه بجانب نهر الحاصباني ونهر سريد الموسمي في خراج كفرشوبا أو نهر الجوز الذي ينبع من شبعا أو نهر بنياس الجولاني الفاصل بين العرقوب والجولان أو الينابيع التي تشكل أعداداً كبيرة وهي موزعة في المنطقة، أما زراعة البقول التي تعتبر من الحبوب الشتوية لأنها تزرع في مطلع فصل الشتاء مع القمح والشعير وحصادها يتم قبل حصاد القمح والكرسنة وهذه الحبوب مخصصة "علف للحيوانات" حيث كانت لا تخلو منازل الفلاحين من الماشية كالحمير والبغال الوسيلة المتوفرة آنذاك لنقل الغلال والحطب باستثناء مزرعة النخيلة التي كان القسم الأكبر من أراضيها مغروس بأشجار المشمش والباقي يزرع سمسم ويوجد فيها عين جارية تسمى عين بارد.

زراعة الأشجار والآثار السلبية للاحتلال
كانت المنحدرات الشمالية للعرقوب وهي تمثل مساحة كبيرة من الأراضي السهلة تمتد من سهول العين المرجة خلة القضاب المشهد تزرع قمح ومنطقة المزارع غنية تعد بمئات الهكتارات مزروعة بأشجار الزيتون من العهد الروماني، أما بقية الأشجار كالتفاح والدراق والحامض والكرز والإجاص كان إنتاجها ضعيف ولا يدخل ضمن الزراعات المعتبرة وقد برزت أهميتها بعد الاحتلال الإسرائيلي للمنطقة، وتظهر الأحاديث مع الناس المسنين من أبناء المنطقة الإقبال الكبير على تربية الحيوانات بقطعان كبيرة من الغنم والماعز والأبقار ووسائل النقل من البغال والحمير وبأعداد كبيرة جداً يعود لخصوبة المراعي ووفرة مياه الأنهر والينابيع في المنطقة، وقبل العام 1967 كانت الزراعة هي العصب الأساسي في تأمين الاستقرار للفلاحين في المنطقة على الرغم من استعمال الفلاحين للأدوات البدائية الموروثة، مثل: السكة والفدان كما (يسمون) الفدان وهو عبارة عن امتلاك الفلاح لرأسين من البقر لحراثة الأرض والنورج والمذارة والفدان أيضاً للدراسة على البايدر وقد استمرت في الاستعمال حتى العام 1975

الثروة الحيوانية في العرقوب
لقد اتضحت لنا الصورة عن تلك الثروة الحيوانية عندما التقينا بالشيخ حسين الأحمد مواليد عام 1918 وهو أحد أكبر الملاكين في مزرعة "وادي خنسا" وعلي الزهران حين سألنا الأول عن عدد المواشي من الغنم والماعز والبقر والجمال والحمير قال سأتناول هذا التنوع بشكل إحصائي توقعي وحسب مشاهداتي في الأربعينات كان عدد الأغنام ما يفوق 50000 ألف رأس والماعز عددها يفوق 25000 والبقر ما يقارب 10000 راس والحمير ما يزيد على الستة آلاف راس والبغال 10000 والجمال 3000 راس ومالكيها هم من مزارع شبعا وكفرشوبا والهبارية وكفرحمام والماري والفرديس وراشيا الفخار وشويا وحاصبيا وعين جرفا ومن البلدان الجولانية جباثا الخشب وجباثا الزيت وبانياس والزرائب الاستطبلات كانت موزعة في خراج تلك البلدات المذكورة إلا أنه في فصل الشتاء والربيع أصحاب تلك المواشي يجيئون بها إلى المزارع أولاً لوفرة المراعي وثانياً حيث تجار الاستيراد من المواشي من الخيام والنبطية وبنت جبيل والبقاع يأتون لشراءها وشراء منتوجاتها من اللبن والحليب واللبنة والأجبان ومجمل هذه من المشتقات كانت تستورد من المزارع وكان من شبعا حسن أبو حسين هاشم وعبد السلام ماضي وأبو فايز صعب وآل حمدان ونبعه والخطيب ومن كفرشوبا آل قصب وآل بنعه وعطوي وشبلي وعبدالعال والقادري ومن كفرحمام آل فارس، وآل خليفة وفي الهبارية آل أبو همين وآل عطوي وبركات وآل منصور وآل الشعار مع الإشارة هنا بأن جميع المستوردات من اللحوم لمدينة القنيطرة كانت من العرقوب والجولان.
الحصادة
أما آلة الحصاد للقمح والشعير وبقية المواد من الحبوب ويسمونها "الحصادة"، وبعد دخول تلك الآلات انتفت العلاقة الحميمة المشتركة بين صغار الفلاحين الذين كانوا يتعاونون على معاملة أراضيهم وتلك المرحلة أثّرت على القيم وطرق التعامل والتعاطي التي كانت قائمة على التعاون في حراثة الأرض وحصادها والمعونة خلال سقف السطوح وكل ذلك قبل التحديث. وقد أدى التحديث إلى زوال استعمال الحمير والبغال كوسيلة لنقل المواد، حيث حل مكانها المركبات الآلية.
الهجرة من قرى وبلدات العرقوب
الهجرة الكبيرة بعد دمار كفرشوبا وراشيا الفخار شبه الكامل حيث كانت البلدتان الأكثر نزوحاً في العام 1975 وتلاها دمار العديد من المنازل في البلدات والقرى العرقوبية ووادي التيم، هذا التحول الذي نشأ عن الاحتلال والدمار وفقدان الأرض التي كانت تمثّل لساكنيها الاستقرار في الإنتاج الزراعي للعائلات إضافة إلى شيوع استعمال الآلات الحديثة في الزراعة هذا التحول الكبير الذي أدى إلى هجرة أبناء المنطقة وبأعداد كبيرة في سبيل العمل إلى دول الخليج العربي بهدف تخفيف الأعباء عن العائلات المقيمة فأخذت تتلقى الدعم بشكل تدريجي مما ساعد أهاليهم على إعادة إعمار بيوتهم التي هدمت من قبل العدو وهذا المبدأ ينطبق على العائلات التي استمرت تعايش الأرض وبقيت تفلح وتزرع الأراضي في قرية طريخة الجولانية ومجدل شمس وعرته التي تستطيع الوصول إليها، تلك الأراضي بالتأكيد كانوا لا يستطيعون سد حاجياتهم منها بالرغم من أنها كانت قبل الاحتلال هي العنصر الرئيسي لعيشهم، أما أبناء بلدة راشيا الفخار القسم الكبير باعوا أراضيهم إلى أبناء قرى الماري وكفرحمام وكفرشوبا والهبارية وشبعا والفرديس أما تلك العائلات التي بقيت تعامل الأرض هم من ساهموا بقرار المقاومة بزواجهم مع الأرض وكانوا حماتها وهم أيضاً من أعادوا أبنائهم إلى المنشأ.
 

السابق
… غيرن في أحوالهن فاتن … ريما وياسمين حين يطوعن المأساة بإرادة الحياة
التالي
الراعي يجول من صيدا إلى جزين فالشوف.. واليوم في الإقليم