لحظة إسرائيلية

 اليوم هو يوم الحسم: لحظة التغيير الكبير في الشرق الاوسط تقترب، وتوحي بأن ما جرى في خلال الأسابيع القليلة الماضية كان مجرد تمهيد تدريجي للحدث الذي طال انتظاره، والذي يمكن أن تتخطى آثاره البعيدة الثورتين المصرية او التونسية، وتؤدي الى تحول جذري في التعاطي الدولي مع إحدى اقوى دول المنطقة، وأحد اكثر انظمتها رسوخاً واستقراراً.
الدعوة الى التظاهرات المحددة مساء اليوم تتسع وتستقطب المزيد من شرائح المجتمع وأعراقه وطوائفه المتعددة، فضلاً عن قطاعاته الانتاجية كافة التي قررت اخيراً ان الوقت قد حان لإسقاط النظام، مرددة الصرخة التي اطلقت في شوارع تونس والقاهرة، ولا تزال تطلق في شوارع المدن الليبية واليمنية والسورية، ومحذرة من ان التعامي عما يجري في دول الجوار من ثورات وانقلابات لم يعد مجدياً، كما ان التغاضي عما يجري في دول القرار من ازمات وانهيارات صار خطراً.
النظام لم يستمع حتى الآن الى الشارع الذي يغص بالمتظاهرين والمعتصمين منذ اسابيع، والحكومة لم تدرك حجم الازمة ولم تعترف بها بصراحة، وهي لا تزال تنسبها الى مغامرين او مقامرين او متوهمين، اختاروا توقيتاً سيئاً للاحتجاج من دون ان يأخذوا في الاعتبار التهديدات الخارجية التي تواجهها الدولة، والتصدعات الداخلية التي يعيشها المجتمع.. والحاجة الجدية الى تلمس مرحلة ما بعد سقوط نظام الرئيس حسني مبارك تحديداً وتحدياتها السياسية والامنية الداهمة.
تجاوز النظام حالة العتب على الشارع والاستياء من بعض متطرفيه الذين لم يلاحظوا النعيم الذي كانت ولا تزال دولتهم تعيش فيه، بعدما نجحت في السنوات القليلة الماضية في مواجهة أكثر من تهديد سياسي وأمني خارجي كان يمس جوهر وجودها ودورها الاقليمي، وبعدما تصدت لضغوط اميركية ودولية هائلة لتغيير موقفها المتشدد من القضية الفلسطينية وسبل تسويتها، وحافظت خلال تلك الفترة على مستوى معيشة مستقر لغالبية سكانها برغم شح مصادر التمويل الخارجي نتيجة أسوأ أزمة اقتصادية عالمية وضعت الكثيرين من الحلفاء الاقوياء والاغنياء على حافة الافلاس الفعلي.
لكن الشارع في المقابل تجاوز ايضاً حالة التسامح مع النظام الذي يزداد قسوة يوماً بعد يوم، ويتنكر لأبسط الحقوق والمطالب، ويصر على سياسات ظالمة وضعت المجتمع كله على حافة التفكك بين منتفعين يراكمون القوة والثروة وبين مهمّشين ترتفع أعدادهم يوماً بعد يوم وتنقص مواردهم ومكاسبهم، ولم يعد لهم سوى الاقامة الدائمة في الشارع، بعدما كفروا بجميع وعود الإصلاح التي تبين أنها كانت مجرد محاولة لكسب الوقت وقطع الطريق على أي تغيير حتى على مستوى الحكومة او البرلمان.. بحجة الخطر الخارجي المفترض.
عندما ينزل الاسرائيليون الى الشوارع مساء اليوم، سيواجه النظام الاسرائيلي لحظة الحقيقة الاكثر جدية في تاريخه. فالدولة التي اخترعها الغرب وسلحها ومولها بسخاء شديد على مدى العقود الستة الماضية، لا يمكنها ان تطلب المزيد من الأموال الغربية لتخطي واحدة من اسوأ ازماتها الاقتصادية، التي يمكن ان تغير وجه إسرائيل ووظيفتها. 

السابق
الحكومة تلتزم خيارها والمعارضة تبرز المحاذير
التالي
لا رؤية··· لا حوار··· والأخطار تدق الأبواب!