لا رؤية··· لا حوار··· والأخطار تدق الأبواب!

 لا كبرياء الموالاة، ولا تصعيد المعارضة ينفعان في تحصين البلد من مسلسل الأزمات التي تطوّقه من كل حدب وصوب، ولا من زلزال <الربيع العربي> الذي يضرب الشقيقة سوريا منذ أشهر، وتهدّد ارتداداته هزّ الاستقرار الهش في الوطن الصغير·
المشاكل الاجتماعية والمعيشية المتفاقمة، واتساع دائرة الكساد والبطالة في أكثر من قطاع صناعي وتجاري، تحتاج معالجتها إلى عمليات جذرية تتجاوز أساليب اللجوء إلى المسكّنات المؤقتة مثل حبّات الأسبيرين، وهي تتطلب أولاً، وقبل كل شيء، رؤية وطنية شاملة، تتخطى المطلب التقليدي والأسهل بزيادة الأجور، إلى وضع استراتيجية متكاملة تُفيد العامل والمنتج والمستثمر، من خلال توفير الضمانات الضرورية والفعلية للعمال والمنتجين، والعمل على فتح الأسواق ودعم التصدير أمام أصحاب المؤسسات والمستثمرين·

ولعل النموذج التركي، وما حققه من نجاحات في السنوات الأخيرة، يبقى خير شاهد على أهمية اعتماد مثل هذه الاستراتيجيات المتكاملة، التي تهدف إلى زيادة حجم الاقتصاد الوطني، وخلق ديناميكية انتاجية تحفّز العامل على الإنتاج وتحسين الأداء من جهة، وتشجّع أرباب العمل على تعزيز مؤسساتهم وتحديثها، وزيادة استثماراتهم، بما يرفع منسوب العائدات للدولة، ويزيد نسبة النمو للاقتصاد الوطني برمته، من جهة ثانية·

والواضح حتى الآن، أن الحكومة لا تملك رؤية للتصدي لهذه المشاكل المتراكمة، والتي تُهدّد سلامة وبنيان الاقتصاد الوطني، في حين أن الاتحاد العمالي العام يختصر معالجته بأرقام الأجور، والمطالبة بمضاعفتها – نعم مضاعفتها!! – من دون الحديث عن أي أفق جدي لإيجاد الحلول الجذرية، وذلك رغم علم الطرفين – الحكومة والاتحاد العمالي – بمخاطر التركيز على معالجة جانب واحد، الأجور مثلاً من جوانب الأزمة الاقتصادية التي يتخبّط فيها البلد، ومحاذير كل ذلك في الوقوع في فخ التضخم المطرد، الذي يأكل ما تبقى من قيمة الليرة الشرائية!·

* * *

وغياب الرؤية الوطنية في التعاطي مع اللحظة السياسية، داخلياً وعربياً، لا يقل خطورة عن افتقاد الرؤية الوطنية للمعالجات الاقتصادية والمعيشية·

ففي حين تركّز الموالاة معاركها اليومية على المحكمة الدولية، وتصوير المتهمين – الحاليين والمقبلين – بأنهم <قدّيسون> و <أيقونات>، تنصرف المعارضة إلى حصر معركتها ضد الحكومة والأكثرية التي تدعمها بموضوع سلاح <حزب الله>، وكأن استمرار حركة الأرض المحورية متوقف عند مسألة سلاح الحزب الذي يتفرّد بقرارات الحرب والسلم، ويقلب قواعد المعادلة الداخلية رأساً على عقب، بمجرد ظهور أصحاب القمصان السود في ساحات ومفارق العاصمة الرئيسية!·

وعلى إيقاع الحملات المتبادلة، والمحتدمة غالباً بين الأكثرية والمعارضة، جاءت دعوة رئيس الجمهورية للعودة إلى طاولة الحوار، وكأنها خطوة خارج السياق السياسي العام في البلاد، والذي يبدو أنه أقرب إلى كل احتمالات التصعيد والتوتير والتأزيم والتفجير، وأبعد أكثر من أي وقت مضى من مواقع التهدئة والانفتاح والتواصل والحوار!·

طبعاً، اللبنانيون، كل اللبنانيين مع رئيس البلاد في قوله أن لا حل للخلافات والصراعات في لبنان إلا بالحوار· وأن الحوار هو الطريق الأسلم والأسرع والأقل كلفة، للوصول بالبلاد والعباد إلى شاطئ الأمان والاستقرار·

ولكن أي حوار يمكن أن يحصل في ظل هذه القطيعة غير المسبوقة بين الأطراف السياسية المتخاصمة؟·

وأي حوار يستطيع تحقيق اختراق ما في جدار الخلافات السميك الذي يفصل بين طرفي الطبقة السياسية في 14 و8 آذار؟·

وأي جدوى لحوار لا تتوفّر له أرضية مشتركة من المفاهيم والمعطيات، تُسهّل الوصول إلى تفاهمات حول أهداف متقاربة، تعطي الأولوية للمصلحة الوطنية العليا، قبل التفكير بأية مصلحة حزبية أو طائفية أو فئوية، مهما كانت مبرراتها؟·

أما العودة إلى طاولة الحوار للقول أن المناسبة التي تجمع قيادات الصف الأوّل تساعد على كسر الجليد بينهم، وترطّب الأجواء على المستويات الشخصية والثنائية··· فقد أثبتت تجارب الاجتماعات السابقة أن الهوة الكبيرة بين فريقي 14 و8 آذار، ما زالت تُباعد العلاقات الشخصية بين القيادات، والتي يبدو أنها تزداد توتراً ونفوراً في اللقاءات المباشرة!·

* * *

إزاء غياب الرؤية الوطنية لمعالجة مشاكلنا الداخلية، وافتقاد المبادرة القادرة على حماية لبنان من الزلزال الإقليمي، واهتزازات الوضع في سوريا، لا يملك اللبنانيون إلا أن يضعوا أيديهم على قلوبهم، ويكثفوا دعواتهم في هذا الشهر الفضيل··· علّ المولى العزيز القدير يكون أرحم بعباده من القيادات المتلهية بأجناس الملائكة، في وقت تدق الاخطار أبواب الوطن الصغير!· 

السابق
لحظة إسرائيلية
التالي
الانتفاضات وإشراك العالم الخارجيّ