من لقاء مع وليد جنبلاط

تخرج من اللقاء مع وليد بك جنبلاط ليس كما دخلت. فهذا الزعيم، الذي بكّرت القيادة ومسؤولياتها في الحلول بضيافته، يتمتع بكاريزما مميّزة، وبشخصيّة جذّابة، وبثقافة واطلاع وفراسة قلّ نظيرها لدى الآخرين من أنداده.

وبشجاعة وواقعيّة، يتحدّث عن مواقفه وآرائه وأدواره وأطواره، وما له وما عليه، من دون أن يقفز فوق أخطاء لا يتبرأ منها وخطوات وقرارات لا يقتنع بها ولا يحاول اقناع الآخرين، إلا أنه يضعها في خانة ما لا بدّ منه، ولا يختلف كثيراً عن القضاء والقَدَر.

لم يكن لقاءً "لـ"النشر"، إنما من باب الاستئناس بما عند وليد بك من معطيات ورؤى قد لا تكون متوافرة لدى الآخرين، حتى اولئك الذين يدّعون ويزعمون ويتنطّحون…
معظم الأزمات والعوامل والخفايا والالتباسات المحيطة بالوضع اللبناني، المعقّد جداً وكثيراً، يلمّ بها وليد بك. ويملك مقاربات وتفسيرات وقراءات لها تجعل المصغي اليه يشعر كأنه وضع يده على ما كان يجهله، أو أدرك الآن لماذا اتخذ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ذلك القرار الذي فاجأ البعض.

كل شيء، كل أمر، كل تصرّف، له تفسيراته وتبريراته ودوافعه، وما عُرِف وما خُفي، وما هو عام، وما هو خاص.

لا يتحدّث البك مدافعاً عن نفسه. كلا. إنه فقط يروي، ويفنّد، ويحدّد، ويقدّم لائحة طويلة تتضمّن الأسباب الموجبة والدافعة لكل خطوة أقدم ويقدم عليها.

ما دار في اللقاء ليس للنشر، بل كان في اساسه، وفي كل ما تطرّق إليه، من قبيل الرغبة الشخصية في معرفة الأبعاد "المجهولة" لهذا الاعصار العربي الذي حلّ بدوره في الديار السورية، وأصبح قاب قوسين أو أدنى من ربوع "الآذاريين" الذين لا يختلفون عن أولئك الذين خسروا بيزنطيا في جدالهم حول جنس الملائكة.

لا أوهام كثيرة أو قليلة عند هذا الرجل الحضاري، القلق جداً ويومياً على آخر جزيرة للأمل في هذه الصحراء العربيّة المفتوحة على بحر الظلمات… والتي تدعى الجمهورية اللبنانية.

وقد يكون في لهفته الدائمة وخوفه الدائم على لبنان الواحد الموحّد، المتعدّد في الانتماءات والاتجاهات والطوائف والمذاهب والولاءات، مرادفاً وموازياً ومكمّلاً للعميد ريمون إده، على سبيل المثال لا الحصر.

حتى بالنسبة إلى "الوضع الجغرافي" وتقسيماته وتوزيعاته، وحتى بالنسبة الى الأرض والتراب والرمل والمياه والعلامات الفارقة لهذه الناحية وتلك الهضبة، تجد لدى وليد بك اهتماما عميقاً وخاصاً وعاماً، ومع شرح يطول.

وسط هذا الخواء السياسي المفزع، وفي ظلّ هذا الغياب المريع للرجالات والقيادات الوطنية، كم يبدو وليد جنبلاط حاجة لبنانية من الناقورة إلى النهر الكبير.

السابق
الشعب السوري الباسل
التالي
وتيرة العداء الإيراني – الخليجي!