مزايا حكوميّة

تفضّل الحكومة الحالية تجنّب النقاش السياسي من أي نوع كان، ويتحول معها الخطاب السياسي الى مجموعة من المواعظ الأخلاقية، لا يصدقها حتى مطلقوها. وتتميز هذه الحكومة أيضاً بمرونة كبيرة، إذ إن وزراءها الذين لا يطّلعون على البنود التي يدرجونها على جدول الاعمال يتراجعون سريعاً، وبخفة هائلة، عن طرح تلك البنود، تماماً كما فعل وزير الداخلية مروان شربل في بند نبشه من ملفات وزير الدفاع السابق الياس المر حول ضرورة محاصرة القاطنين في المخيمات الفلسطينية في لبنان.
الحكومة الحالية تفضّل، ولأسباب مجهولة، الحفاظ على طواقم عمل اخصامها السياسيين، فعلى سبيل المثال لا يزال الامين العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي في مكانه من دون معرفة ما العائق أمام اللجوء الى خطوة قانونية لتسوية وضع بوجي نفسه، أو تعيين شخص مكانه بحسب ما تقتضيه القوانين، بدل مواصلة الممارسة غير القانونية في الابقاء عليه في موقع يفترض انه أنهى خدمته فيه بموجب الاستعارة.
ليس بوجي وحده من يجري الحفاظ عليه، بل هناك أيضاً وضع مدير فرع المعلومات وسام الحسن، الذي لا يمانع التصريح بأنه من المستشارين الأمنيين لسعد الحريري، والذي يطرح عليه ألف مأخذ، وممارسة سياسية مستفيداً من موقعه الوظيفي، كذلك لم تبحث الحكومة بعد وضع الفرع ككل، ولا يبدو أنها تنوي البحث في الأمر.
اما مدعي عام التمييز فحدث ولا حرج عن الوظيفة والسياسة والمواقف والتحقيقات. وبالمناسبة، لم نعرف بعد ما هو دافعه الى اخفاء محضر التحقيق مع شبكة الـ13، وفتح محضر على حدة حول دور هؤلاء في المقاومة العراقية واقتناء سلاح ومعدّات حربية.
اضف الى من سبق المدير العام لقوى الامن الداخلي، الذي مارس التمرد الموصوف على اوامر قيادته، وعمد الى احداث بلبلة في البلاد يوم السيطرة على مبنى وزارة الاتصالات في منطقة المتحف، ودفع وزير الداخلية في الحكومة المستقيلة الى الذهاب الى منزله بعدما رفض الخضوع لأوامره، فضلاً عن اعوام من ممارسة السياسة وخدمة مصالح تيار المستقبل من خلف الوظيفة الرسمية ومن خلال ما وفره له المال العام من اسباب عمل.
لا يعلم احد على وجه اليقين سبب الحفاظ على هذه الاسماء التي كانت شريكة كاملة في مرحلة النزاع السياسي والمذهبي الممتدة من عام 2005 والى بداية العام الجاري، واذا كان الاعتبار مذهبياً هو الآخر بضرورة عدم التعرض للمواقع السنية، فإن هذه الشخصيات ليست رموزاً، ويمكن استبدالها بأسماء اقل استفزازاً، وسبق أن استخدم شعار «الاسماء المستفزة» لتجنب توزير عدد من ممثلي الطوائف في اشهر قليلة خلت، فلا ضير من استخدام الشعار نفسه اليوم على المقلب الآخر. ومن جهة اخرى فإن فتح ملف المديرين العامين المخالفين للقوانين ومن كل الطوائف على مصراعيه يمكنه ان يجعل من نجيب ميقاتي بطلاً مرة اخرى، في عناده وإصراره على السير خلف القوانين وتحت سقف الدستور.
واذا كان اشرف ريفي وسعيد ميرزا يسببان الكثير من الاحراج لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، حيث سبق أن اشار الى انه هو من عينهما، وأنه يعرف طريقة التعامل مع ملفهما، الا ان ذلك لا ينطبق على الاطلاق على عبد المنعم يوسف في اوجيرو، فلا هو من عيّنه، وعلى الارجح أن من عيّن عبد المنعم يوسف نفسه قد بات نادماً على تلك الفعلة، على الرغم مما أدّاه يوسف من خدمات جلى لأصحاب الاستثمارات الخاصة في الاتصالات، وما أداه من دور تعطيلي لقطاع الهاتف، ومن دور في المحكمة الدولية والتنصت على المواطنين وتسريب معلومات من غير وجه قانوني.
انقضت صلاحيات يوسف منذ عام 2006، ومنذ ذلك التاريخ تُمدد تحت عنوان استمرارية المرفق العام، وهو في موقعه هذا بالوكالة وليس اصيلاً، وحين تعيينه في مطلع القرن، ابدت النيابة العامة في ديوان المحاسبة اعتراضها لثلاثة اسباب، هي ان التعيين نفسه غير قانوني، ويوسف يتقاضى اكثر من راتب من الدولة اللبنانية، ويجمع وظائف متضاربة.
حين كانت حكومة سعد الحريري في بداياتها، وقبل استفحال الخلافات داخلها، عرضت وزيرة المال ريا الحسن على وزير الاتصالات شربل نحاس صفقة باسم رئيس الحكومة تقضي بإقالة عبد المنعم يوسف من مناصبه، ويتداول الطرفان اسم مرشح آخر مكانه، على أن يوافق ميشال عون على نقل المدير العام لوزارة المال ألان بيفاني من المالية الى وزارة اخرى، وتحت عنوان أن الشخصين (يوسف وبيفاني) معوقان للعمل في وزارتيهما، ويومها رفض نحاس البحث حتى في الصفقة.
لو كانت ليوسف فاعلية وتأثير لما طرح الحريري مقايضته، فلمَ تصرّ حكومتنا على رجال المرحلة الماضية؟

السابق
12 عملية لزرع الكلى في مستشفى الحريري
التالي
الانتفاضة السوريّة وأهدافها