بعد ايلول

 في اليمين ينبغي أن يحرصوا على ارسال وجبات يومية لنزلاء الخيام. فلو كان هناك ذرة من احتمال في أن يتخذ بنيامين سوبر تانكر نتنياهو مبادرة سياسية توقف الخطوة الفلسطينية المرتقبة في الامم المتحدة في ايلول – فقد جعل الاحتجاج الشعبي بيبي دجاجة منتوفة الريش. هذا التشبيه، الذي ألصقه اريئيل شارون في حينه بمحمود عباس، يصف نتف اجنحة رئيس الوزراء السياسية.
قبل بضعة اسابيع فوض نتنياهو شمعون بيرس بالشروع في اتصالات سرية مع الفلسطينيين على صيغة لاستئناف المفاوضات على التسوية الدائمة. وعندما علم رئيس الوزراء بأن الرئيس يتعاطى بجدية مع المناورة التي ترمي الى شراء سكوته، وينكب فوق الخرائط الى جانب صائب عريقات – نزع بيبي من بيرس الدمية. هذا فقط ينقصه الآن، أن تقيم تسيبي حوتوبيلي خيمة احتجاج في شارع بلفور. وهكذا خرج عباس من هذه القصة ايضا في صورة الشاب الطيب، ونتنياهو في صورة الشاب الشرير، أما بيرس، مثلما هو دوما، ففي صورة الخاسر.
وفي اللحظة التي يلغي فيها نتنياهو زياراته الى العواصم الاوروبية، خشية ألا يكون له أين يعود، فان عباس ورجاله يقضون قسما هاما من اوقاتهم بين السماء والارض. التوقع في أنه بعد اسابيع عديدة ستعترف 120 دولة، وربما أكثر، بدولة خاصة بهم، تدفعهم الى ان يشعروا بأنهم في السماء. وعندما تعود الحاشية الى الديار، الى الصندوق الفارغ والى الموظفين الذين اضطروا الى الاكتفاء بنصف الراتب، فانها تسير ووجهها في الارض. من جهة أعطاهم القطريون منحة طيبة، لغرض استئجار فريق من الخبراء البريطانيين في القانون الدولي، ليقترحوا عليهم سبل عمل قبيل التصويت في الجمعية العمومية للامم المتحدة. من جهة اخرى، فان حكام دول الخليج، ممن ليسوا من المعجبين برئيس الوزراء سلام فياض، الذي يصر على ان يستورد من الغرب قيم الديمقراطية – يستمتعون برؤيته يدق أبوابهم.
الى جانب ذلك، فان كل جهود منظمات اليسار في اوساط اليهود الامريكيين لاقناع ادارة اوباما بالامتناع عن الفيتو في مجلس الامن، باءت حتى الآن بالفشل. وحتى الاستطلاع الجديد لمعهد البحوث الامريكي "غرشتاين"، الذي يشير الى تأييد متين في اوساط الجالية اليهودية للدور الامريكي الفاعل في التسوية الاسرائيلية العربية الشاملة، لم ينجح في إنزال اوباما عن الجدار، فهو على أي حال انتبه الى أن الثلث من بين 800 مشارك في الاستطلاع، الذي تم بطلب من "جي ستريت"، فقط يؤيدون تصويتا امريكيا في الامم المتحدة في صالح دولة فلسطينية، بينما نصفهم يعارضون ذلك. كما يشير الاستطلاع ايضا الى اغلبية كبيرة في اوساط الجالية والمتبرعين اليهود الداعمين لاوباما. فلماذا ينبغي للرئيس أن يغضب ناخبين مخلصين بهذا القدر؟.
كان لرجال مجلس السلام والامن الذين زاروا البيت الابيض الاسبوع الماضي جواب على هذا السؤال. فقد شرحوا لمستشاري الرئيس الكبار، بأن استمرار وضع الاحتلال غداة التصويت في الامم المتحدة وتخليد الوضع الراهن السياسي سيؤديان الى حل السلطة الفلسطينية. فبعد أن تكون عشرات الدول اعترفت به كرئيس لدولة مستقلة، كيف يمكن لعباس أن يتجول في العالم مع بطاقة زيارة تُعرفه بأنه "رئيس سلطة"، يحتاج الى تصاريح الدخول والخروج من والى دولته من دولة اجنبية؟.
واذا لم يكن هذا بكاف، فقد ذكر رجال مجلس السلام والامن سببين آخرين يفترض بهما أن يقنعا اوباما للنزول عن الجدار: غداة اعلان الجمعية عن الاعتراف بفلسطين سيتعاظم الضغط على قيادة السلطة لحل اجهزة الامن التي طورها الامريكيون بعمل جم ومال كثير، وعادة المفاتيح الى اسرائيل، على حد تعبير عريقات. اذا واصل اوباما تجاهل الازمة السياسية لعباس، فسيكون لحماس فرص طيبة للفوز في الانتخابات المخطط لها في المناطق في نيسان 2012. هذا الانجاز سيعزى بقدر كبير للحائز على جائزة نوبل للسلام.
السلام بعد ذلك
نشطاء السلام الاسرائيليين الذين حاولوا أن يجندوا مؤخرا التأييد لعريضة تدعو الى الاعتراف بدولة فلسطينية، يتابعون حركة الخيام بحسد ممزوج بالأمل. على مدى السنين، حاولوا عبثا، اقناع الخلق بأن طريق آخر لسكان كريات اربع معناه سكن قابل للتحقق أقل لسكان كريات شمونه.
منذ أن فاز حزب العمل بمساعدة صيغة "الامن، السلام والازدهار" في العام 1992، فقدت هذه الصيغة سحرها. في مقال نشر في كتاب "الانتخابات في اسرائيل 2009" (المعهد الاسرائيلي للديمقراطية، بتحرير: أشير اريان وميخال شمير) يحلل اوفير عبو، بني يوفيل وغي بن بورات أفول احزاب اليسار الصهيوني. فتحليل التصويت يبين بأن العمل وميرتس فقدوا الحكم أساسا عقب هجر جماهيري لأبناء الطبقة الوسطى – العليا. بمعنى ان اولئك الذين يتظاهرون اليوم ضد حكم اليمين الاقتصادي – السياسي هم الذين رفعوهم الى الحكم.
استنادا الى تحليل سلوك الناخبين حسب العشريات الاقتصادية – الاجتماعية، كتب الباحثون الثلاثة بأن خليط الامن، السلام والازدهار لم يصمد على مدى الزمن. أبناء الطبقة الوسطى، الذين يئسوا من المسيرة السياسية في أعقاب فشل مسيرة السلام في العام 2000، نقلوا منذئذ تأييدهم الى الاحزاب التي وعدت بالامن والاستقرار. المقترعون الذين يتماثلون مع "اليسار الصهيوني" رحلوا بجموعهم الى احزاب الوسط، الذين نجحوا في قطع الصلة بين الازدهار والسلام، أو دفعوا الى الامام بمذهب علماني. في انتخابات 2009 سجل الليكود ارتفاعا بمعدل 14.7 – 16.9 في المائة في العشريات 5 – 7 (مقابل ارتفاع معتدل بمعدل 1.2 – 3.3 في المائة في العشريات الثلاثة الدنيا و12.2 – 12.8 في المائة في العشريات الثلاثة العليا.
ويختم الكُتاب المقال بالتشخيص في أن احزاب اليسار الصهيوني يجب أن تجد أساسا انتخابيا واسعا بما فيه الكفاية كي تصبح مرة اخرى بديلا سلطويا. آجلا يتعين على أحد ما أن يُذكر نزلاء الخيام كم تكلف الحرب ومن يدفع ثمن الاحتلال. 

السابق
معركة مبارك الأخيرة
التالي
حزب الله يعتقل 50 من عناصره بينهم ثلاثة أبناء قياديين كبار