الأخبار: الجيش إلى الصدارة ..والمعادلة الثلاثيّة فعل ماض؟

بحادث ومناسبة، تقدم الجيش إلى الصدارة أمس، إلى درجة أن البعض رسم الاستراتيجية الدفاعية قبل استئناف طاولة الحوار، محوّلاً المعادلة الثلاثية إلى فعل ماض، أما للمهمات الحالية والمقبلة، فركن واحد هو الجيش
الجيش كان أمس عنوان المشهد السياسي والأمني. ومن بوابته وفي مناسبته سجل الجميع ما يريد قوله والبعض قال ما يضمره. لكن الحدث كان في دار الفتوى، حيث السفير السوري زائراً لأول مرة، ومفتو المناطق يعلنون تأييدهم لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي في ما يشبه المبايعة.
يوم الجيش بدأ بحادث أمني صباح أمس، عندما عبرت قوة مشاة إسرائيلية مؤلفة من 15 عسكرياً نهر الوزاني والحدود الدولية، متوغلة مسافة حوالى 30 متراً داخل الأراضي اللبنانية وصولاً إلى متنزهات نبع الوزاني، بحسب بيان لمديرية التوجيه التي أعلنت أيضاً حصول تبادل لإطلاق النار، واستنفار، مشيرة إلى أن القوة المعادية انسحبت عند الساعة 7,25 من دون تسجيل إصابات في صفوف الجيش، في نفي لما كانت مصادر عسكرية إسرائيلية قد ذكرته عن إصابة جندي لبناني.
وإذ ذكر الناطق الرسمي باسم القوات الدولية نيراج سينغ أن إطلاق النار الذي وصفه بأنه خفيف، وقع "عند الخط الأزرق"، حمّلت القيادتان السياسية والعسكرية الإسرائيليتين مسؤولية الحادث للجيش اللبناني، فاتهمت مصادر عسكرية جندياً لبنانياً بفتح النار على الإسرائيليين، وهي رواية كررها رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو خلال جلسة للجنة الخارجية في الكنيست، وقال إن الجنود الذين "تعرضوا" لإطلاق نار "تصرفوا كما يتوقع منهم، فكان عليهم الدفاع عن أنفسهم"، مضيفاً أن "إسرائيل لا تسعى إلى تصعيد الأوضاع على حدودها مع لبنان". وتأكيداً لذلك أعلنت المصادر العسكرية أن الجيش الإسرائيلي "نقل رسالة إلى اللبنانيين مفادها أن الحادث وقع نتيجة لسوء فهم، وبالتالي لا يشير إلى وجود تغيير في القواعد التي تحكم العلاقة بين الطرفين".
وفيما أشارت الإذاعة الإسرائيلية إلى أن تل أبيب "تنوي تقديم شكوى إلى الأمم المتحدة، في أعقاب الحادث"، أعلن وزير الخارجية عدنان منصور أن الوزارة ستجري الاتصالات اللازمة مع الجهات المعينة وتُبلغ بعثة لبنان في الأمم المتحدة "بهذا العدوان الجديد لرفعه إلى المعنيين في المنظمة الدولية". وصدرت مواقف لبنانية عدة منددة بالاعتداء الإسرائيلي الجديد، أبرزها لحزب الله الذي وصف هذا الاعتداء بأنه جريمة واستفزازي ومفاجئ، مؤكداً تضامنه الكامل مع الجيش، ومشدداً على "أن أي اعتداء على أي طرف من أطراف معادلة الجيش والشعب والمقاومة هو اعتداء على لبنان ككل، ما يستوجب تضافر كل الجهود لحماية الوطن وأهله وضمان سيادته".
لكن اللافت أمس أن المعادلة الثلاثية لم ترد إلا مرة واحدة وبصيغة الماضي، في كلمة طويلة لرئيس الجمهورية ميشال سليمان، في الاحتفال المركزي بعيد الجيش في الفياضية، حين استذكر في معرض تعداده لإنجازات الجيش كيف واجه العسكريون العدوان الإسرائيلي صيف عام 2006 وتمكنوا "في مثل هذه الأيام، مع الشعب والمقاومة، من تحقيق نصر ساطع، رادع، أكيد". وفي ما عدا ذلك، غابت المعادلة عن باقي الكلمة، فرأى أن عناصر الجيش الذين خاضوا مع العدو مواجهة العديسة في 3 آب 2010 أرسوا "على أرض الواقع عناصر استراتيجية وطنية ممكنة لحماية لبنان والدفاع عنه". أما الاستحقاقات المقبلة، وهي "تحرير أو استرجاع" الأراضي المحتلة وحماية الحدود البحرية والمحافظة على حقوق لبنان في مياهه الإقليمية، فهي مهمات أعلن سليمان الدعم للضباط والعسكريين لتنفيذها، مع التعهد بتزويد الجيش بكل "عناصر القوة والقدرة".
وإذ وصف سليمان الخطاب السياسي بأنه مرتفع وحاد، ودعا إلى تهدئته، أوحى بأن دعوته إلى استئناف الحوار لم تلاق التجاوب المطلوب حتى الآن، إذ أمل أن يسهم "شهر الصوم والتأمل والصفاء في تعميق فكرة هذا الحوار، والفائدة المرجوة منه"، محدداً هدف هذا الحوار بـ: حماية لبنان وتحصينه في مواجهة المخاطر والمتغيرات والتحديات الداخلية والخارجية، تحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية، حل المسائل العالقة والشائكة، وكذلك تلافي النزاعات بطريقة استباقية، وتدعيم ركائز الاستقرار الدائم، مع الإشارة إلى أنه التقى أمس رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، في إطار مشاوراته لإعادة إطلاق الحوار.
وكما في الفياضية كذلك في الديمان، انطلق البطريرك الماروني بشارة الراعي من مناسبة عيد الجيش ليعرب عن تطلعه إلى الجيش والقوى الأمنية "كقوة وحيدة أساسية تعطي الضمان لكل اللبنانيين". وقال: "إن انتشار السلاح خارج المؤسسة العسكرية لا يرتاح إليه كل الشعب اللبناني، لذلك نأمل في هذا اليوم أن تتمكن السلطة السياسية من توحيد القوة والقرار".
وبعيداً عن الحادث والمناسبة وخطابها، كانت دار الفتوى في عائشة بكار مسرحاً لحدثين مهمين أثارا اهتماماً عاماً وامتعاضاً في صفوف تيار المستقبل، أولهما تخطّي سفير سوريا علي عبد الكريم علي عتبة الدار لأول مرة منذ تعيينه في لبنان، معنوناً زيارته بالتهنئة برمضان. وعلم أن موعد هذه الزيارة محدد منذ 4 أيام.
الحدث لا تكمن أهميته في الشكل بل في المضمون، حيث زار رئيس الحكومة الدار وعقد خلوة مع المفتي محمد رشيد قباني، تبعها اجتماع موسّع شارك فيه: أمين الفتوى الشيخ أمين الكردي، رئيس المحاكم الشرعية السنية العليا الشيخ عبد اللطيف دريان، مفتو المناطق المشايخ: محمد علي الجوزو، خليل الميس، حسن دلي، سليم سوسان وخالد الصلح، أمين الفتوى في طرابلس محمد إمام، قضاة الشرع في لبنان، مديرو المؤسسات التابعة لدار الفتوى، والمستشارون. وذكرت مصادر أن المفتين الغائبين عن اللقاء، ومنهم مفتيا طرابلس مالك الشعار وعكار أسامة الرفاعي، لم يعلموا أن الزائر هو ميقاتي.
البارز في اللقاء كان المواقف التي أعلنها المفتون، حتى الصقور منهم. فبعدما وصف قباني ميقاتي بأنه "ابن هذه الدار ونشأ فيها وهو ركن أساسي فيها، مع إخوانه رؤساء الحكومة السابقين"، واستذكر مساهمته في عملها "ولا سيما منها مشاركته الفاعلة في صندوق الزكاة و"هيئة تنمية الموارد"، قال الجوزو لرئيس الحكومة: "نحن معك وندعمك"، ثم دعاه إلى أن يكون صلباً في مواقفه، معتبراً أن ما يقوم به ميقاتي "هو دعم للمرجعية الدينية وللعلماء، وهذا ما نفتقده منذ زمن طويل". وتحدث بعده الميس مشيراً إلى أنهم لم يكونوا يعرفون مسبقاً هوية الزائر، "ولكن في العادة الهدية لا يكشف عنها"، وأعلن دعمه وتأييده لميقاتي. أما دلي فقال لميقاتي: "عندي عتب أنك لم تزر العرقوب خلال زيارتك الجنوب"، وطالب بإنصاف أبناء المنطقة في التوظيفات في الدولة.
وردّ ميقاتي معلناً أنه أراد من هذا اللقاء توجيه "رسالة بأن هذه الدار هي للجميع، وأنها دائماً صاحبة الكلمة الأساس في كل المفاصل الوطنية". وتمنى على القيادات السياسية والدينية "اعتماد خطاب متوازن يهدّئ النفوس ويرسي أرضاً ملائمة للحوار"، وخصوصاً "لجهة الابتعاد عن شحن النفوس والضرب على الأوتار الطائفية والمذهبية"، مشدداً على ضرورة تحصين الوطن من الأخطار وتكريس مناخات الثقة.

السابق
توقيف 37 شخصا لارتكابهم افعالا جرمية
التالي
الشرق : الجيش يتصدى بالنار لكوماندوس اسرائيلي في الوزاني