إيران: الرجل الثاني يصبح الرجل الصفر

 ترى ما هو أكثر المناصب خطورة في نظام استبدادي؟ يتناقش خبراء سياسيون في هذا الشأن منذ عهد مكيافيللي. وأجمعت الآراء على أنه الرجل الثاني. وذلك لأنه في النظم السياسية التي يسيطر فيها الرجل الأول على سلطة مطلقة، يقع الرجل الثاني بين الرجل الأول والرجل الثالث. ويخشى الرجل الأول دوما أن يقوم الرجل الثاني بطعنه من الخلف ليستولي على السلطة. ونظرا لطموحه المفعم، لا يتوقف الرجل الثالث عند شيء في سعيه لتدمير الرجل الثاني وتسلق السلم.
جدير بالذكر أنه في النظام البلشفي، عندما كان لينين على قيد الحياة، كان ليون تروتسكي الرجل الثاني وجوزيف ستالين الرجل الثالث. وبمجرد اختفاء لينين تم نفي تروتسكي واغتياله بعد ذلك. وقد فر رودولف هيس، الرجل الثاني بعد هتلر، إلى بريطانيا قبل أن يواجه مصيرا مشينا يفرضه الفوهرر. كما انتهى الحال بليو شاو تشي، الرجل الثاني لماو تسي تونغ، بتنظيف الحمامات في معسكر «الحرس الأحمر». ومات لين بياو، الرجل الثاني التالي، في حادث تحطم طائرة مدبر.
وهناك فصول عدة في النظام الاستبدادي داخل إيران الذي وضعه روح الله الخميني تحكي عن الرجل الثاني الذي انتهى به الأمر على نحو سيئ.
فعندما بدأت ثورة الملالي عام 1978، كان الرأي المجمع عليه أن آية الله العظمى كاظم شريعتمداري، هو الرجل الثاني بعد الخميني، وكان في المنفى داخل العراق.
كنت أعرف شريعتمداري وتعجبت كيف يمكن أن يكون رجل وديع مثله الرجل الثاني للخميني الذي يتسم بصرامته. ولم أستغرب عندما قرر الخميني القضاء على شريعتمداري من خلال تجريده من مكانته على شاشة التلفاز، وهو ما لم يحدث بين الشيعة من قبل. كما تم إعدام كثيرين من عائلة شريعتمداري ونُفي آخرون. وتوفي شريعتمداري في غرفة بمستشفى كانت بمثابة سجن له.
وبعد التخلص من شريعتمداري، جاء الدور على آية الله العظمى حسين علي منتظري ليكون الرجل الثاني، ومع تصريح يمكّنه «حتى من تعليق القواعد الأساسية للإسلام». ولكن خلال خمسة أعوام، وصفه الخميني بأنه تجسيد للشر. وتم إعدام أفراد من أسرته ووُضع قيد الإقامة الجبرية في منزله حتى نهاية حياته.
وقد دبر علي أكبر بهرماني، الذي أطلق على نفسه اسم هاشمي رفسنجاني، عملية سقوط كل من شريعتمداري ومنتظري. وكان حينذاك أحد الملالي الصغار ورجل أعمال. وأراد رفسنجاني، الرجل الثالث في عصابة الخميني، أن يكون الرجل الثاني. وتحقق مراده في عام 1987 قبل سقوط الخميني بعامين.
حينئذ أخطأ رفسنجاني.. فبمجرد موت الخميني، كان من الممكن أن يقفز رفسنجاني ليصبح الرجل الأول. لكن رأى العديد من الملالي الأكبر منزلة أن النظام الذي ابتكره الخميني بدعة، وكانوا مترددين في الارتباط بهذا النظام. على أية حال، فالظروف التي تم فيها اختيار خليفة الخميني تحت تهديد سلاح الحرس الثوري الإسلامي كانت أكبر من أن تجعل الرجل الثاني الجريء يتجه نحو المنصة ويطالب بالعمامة الكبرى.
ورغم ارتياحه في مكانه كرجل ثان لم يقدم رفسنجاني على هذه الخطوة. بدلا من ذلك، دفع ملا آخر، علي خامنئي، ليكون الرجل الأول أملا في أن يظل «المرشد الأعلى» مجرد دمية.
ومن الملاحظ أن رفسنجاني، الذي كان قريبا جدا من عملية إعداد النظام الخميني، اختار أن يتجاهل السمة الأساسية لهذا النظام التي تعتمد على تركز السلطة في يد «المرشد الأعلى».
واعتقد الرجل، الذي يخفي شعورا عظيما بالأنا تحت واجهة متواضعة كاذبة، والذي يطلق عليه الإيرانيون «القرش»، أنه سيتفوق على أي شخص في الصراع الحيواني على السلطة الذي يناسب السياسات في الجمهورية الخمينية. وتوهم رفسنجاني، عندما شغل منصب رئيس الجمهورية الإسلامية لمدة ثمانية أعوام، أنه يتمتع بالسلطة الكلية، خاصة عندما تأمل الشبكة الكبيرة لعلاقات العمل والنفوذ الذي أوجده.
وعند انقضاء رئاسته، استمر رفسنجاني في اعتقاده بأنه «رجل قوي» نظرا للمنصب الذي أعد من أجله، وهو منصب «رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام» الذي يفترض أن يفصل في النزاعات بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية.
وظاهريا يبدو المنصب قويا يمكن من خلاله السيطرة على السلطتين التشريعية والتنفيذية. ولكن عمليا، فهو لا يعني شيئا على الإطلاق. وعند التفكير في الأمر حاليا يبدو واضحا أن خامنئي كان يخطط لتقليص نفوذه. ولكن كان يمكن لهذا أن يحدث بحركة واحدة درامية وذلك نظرا لعدة أسباب.
واحتاج خامنئي إلى أعوام حتى يتمكن من بناء قاعدة للنفوذ. ففي ثقافة تساوي بين العمر والسلطة، كان على خامنئي أن يكون أكبر سنا وأن تكون لحيته أكثر بياضا. ومن الممكن أن نصف الطريقة التي سعى بها خامنئي لتدمير رفسنجاني بالخنق البطيء، وهي طريقة يتعامل بها الكوبرا مع فريسته.
وفي عام 2005، خطط خامنئي للفوز الكاسح لمحمود أحمدي نجاد مقابل رفسنجاني الذي تم خداعه ليكون مرشحا. في هذا الوقت، كان من الممكن أن يفوز رفسنجاني بدعم في ذلك اليوم لو اعترض. بدلا من ذلك، فقد أطلق بعض التأوهات البسيطة وعاد إلى عالمه الخيالي في مجلس تشخيص النظام.
وفي عام 2009، واتته فرصة ثانية ليكون الرجل الأول أو يكون في مكانة مماثلة. ومهما كانت حقيقة الأمر، كان عدد كبير من الناشطين السياسيين الإيرانيين يعتقدون أن أحمدي نجاد خسر الانتخابات الرئاسية. وتردد رفسنجاني مرة أخرى في نظام ربما يؤدي فيه أقل قدر من التردد إلى الموت السياسي. وللمرة الثانية خلال أربعة أعوام أسكته أفيون مجلس الشورى لينام للأبد.
ويوم الثلاثاء الماضي قررت الكوبرا أن تضغط أكثر.
حيث قام خامنئي في بيان مقتضب يتكون من 63 كلمة بتعيين هاشمي شاهرودي، وهو ملا من أصل عراقي، كرئيس لأحد الأجهزة الجديدة للدولة يسمى «الهيئة العليا لتسوية الخلافات وتنظيم العلاقات بين السلطات الثلاث».
وذكر خامنئي المادة 110 من الدستور كأساس قانوني للجهاز الجديد. وكان قد تم تعيين رفسنجاني بموجب نفس هذه المادة رئيسا لمجلس تشخيص مصلحة النظام. ويعني هذا الجهاز الجديد سحب البساط من تحت أقدام رفسنجاني وتركه في الهواء. ومن غير الواضح ما إذا كان سيظل لـ«القرش» مكتب وسيارة ليموزين معها سائق. ولكن من المؤكد أن الذي كان يعتبر الرجل الثاني القوي أصبح الرجل الصفر.
 

السابق
فضل الله دعا الى لقاء جامع في رمضان: لتدارس كيفية حماية لبنان
التالي
قبلان في خطبة الجمعة: على المسلمين التزام الحق