حراك شيعي في «لحظة ضبابية»(2) ملامح تجمُّع مدني في بيروت يتصدّى للشيعية السياسية …

 يبدو الجنوب اللبناني هادئاً هذه الأيام، أحمد بك الأسعد سليل العائلة الأسعدية التي حكمت الجنوب لعقود «اختفى». لا أثر أيضا للسيد علي الأمين، مفتي صور وجبل عامل المخلوع من منصبه منذ أحداث 7 مايو 2008. أما «المثقفون الشيعة» فيتوزّعون بين الشاشات التلفزيونية وصفحات الجرائد، منهم من يكتب ويجهر برأيه في معاداة لثنائية «حزب الله» وحركة «أمل» مثل الدكتور محمد عبد الحميد بيضون والدكتور محمد علي مقلّد، ومنهم من يكتب ويتحدث بخفر ويعترض بهدوء مثل السياسي محمد عبيد، ومنهم من يصمت في انتظار جلاء المشاهد المحلية والعربية مثل السيد محمد حسن الأمين.
في مواجهة هؤلاء، يمسك «حزب الله» بخيوط الطائفة من دون منازع تقريبا. الرئيس نبيه بري تتزايد حركته (حركة امل) هامشية في الشارع الشيعي لمصلحة الحزب، والمثقفون الشيعة فقدوا الوهج الذي حققوه في التلفزيونات وعلى صفحات الجرائد بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وصاروا جزءا خلفيا من مشهدي «8 و14 مارس». كل ذلك بعد جولتين من الإنتخابات النيابية في العامين 2005 و2009، الأولى تحالف فيها فريق «14 مارس» مع الثنائية الشيعية، والثانية راهن فيها «المال الإقليمي» للأكثرية السابقة على أحمد الأسعد، الذي قيل إنّه حصل على عشرات ملايين الدولارات ولم يرَ منها أهل الجنوب إلا سيارات قديمة محترقة، ثم سيارات جديدة سحبت من الكوادر بعد الانتخابات، ليختفي الأسعد مع أقلّ من ألف صوت شيعي.
ولكن في مكان ما في بيروت ومنذ ثلاثة أشهر، يجتمع عدد من المثقفين معظمهم شيعة للتباحث في كيفية تأسيس حركة أو تجمع أو حزب أو ما شابه في سبيل التصدّي لـ «لشيعية السياسية» التي تشكل «خطراً على الوطن» على ما ورد في مسودّة البيان التأسيسي التي انتهت منافشتها الأحد الفائت وأقرّت كما صيغت أصلا مع بعض التعديلات البسيطة.
معظم الحاضرين من الناشطين السياسيين والإعلاميين الشيعة، بينهم النائب السابق عن الضاحية الجنوبية صلاح الحركة، الصحافي علي الأمين، الدكتور مقلّد، مصطفى فحص نجل السيد هاني والشيوعي العتيق، الدكتور عبد الله رزق، وبعض الوجوه الشيعية الأخرى مثل الناشطة الدكتورة منى فيّاض والدكتور وجيه قانصو الكاتب والناشط الاجتماعي والسياسي، إلى جانب أسماء أخرى يصل عددها إلى نحو أربعين، منهم من حضر مرة أو مرتين ومنهم من انسحب.
أما من ينظم هذه الجلسات فاثنان: مالك مروّة نجل الصحافي الراحل كامل مروّة وصديق الشهيد سمير قصير والمشرف على جريدة «دايلي ستار»، وحارث سليمان العضو القيادي في «حركة التجدد الديموقراطي» التي يقودها النائب السابق نسيب لحّود.
الجلسات بدأت بدعوة «المعروفين» من الناشطين الشيعة، وذلك قبيل تشكيل الحكومة الجديدة وبعيد الثورات العربية، وعلى مشارف صدور القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الحريري. وشملت الدعوات بعض المثقفين المهتمين بالشأن الشيعي والقريبين من دوائر التأثير الإعلامي، كالصحافي جورج ناصيف «المسيحي اليساري»، ومستشار النائب بطرس حرب زياد الصايغ وغيرهما من المسيحيين والسنّة المهتمين بـ«المعضلة الشيعية»، على ما يصفها قانصو.

مغامرة
بدأ الحاضرون يتعرفون أكثر الواحد الى الاخر ويتلمّسون «المغامرة» الجديدة التي يتحضرون لخوضها. هم الذين خاض كثيرون منهم تجربة «اللقاء الشيعي» الذي أسّسه وترأسه السيد محمد حسن الأمين في العام 2005، واضعا فئة من الشيعة إلى جانب «قوى 14 مارس» في لحظة ذروتها، بعيدا من تظاهرة «شكرا سورية» في 8 مارس 2005.
مروة وسليمان كانا مستعجلين جدا لإنهاء مناقشة البيان التأسيسي الذي كتباه مع مقلّد، وفيه هجوم واضح و«مفرقع» على «حزب الله» وسلاح المقاومة و«الشيعية السياسية»، الامر الذي انتقده أحد الحاضرين مؤكدا أنّ «الكلام مع الشيعة لا يكون بهذه الطريقة بل يكون بالحسنى وبالتفهّم، ولا يكون بانتقاد السلاح الذي هو هوية الشيعة هذه الأيام، بل بالذهاب الى أمكنة أخرى والتصويب على عيوب المقاومة وليس على سلاحها».
قانصو أبدى ميلاً الى ضرورة التمهل وطلب «عدم الظهور إلى الإعلام قبل العام 2012 على أقلّ تقدير، وقبل دعوة عشرات من الناشطين والكتاب والمثقفين والفاعليات الشيعية الغائبة». لكن مروّة وسليمان لم يوافقا واصطدما بآخرين بينهم الأمين وعضو المكتب السياسي في «حركة اليسار الديموقراطي» محمد الشامي. وبعد جلستين فقط في عشرين يوما، تقرّر تخصيص يوم طويل لمناقشة البيان التأسيسي، مع استبعاد العناصر التي اعتبرها مروة وسليمان «مشاغبة»، حتى أنّ أحد هؤلاء علّق «إذا لم يستطعوا مناقشة زملائهم في الثنائية الشيعية، فكيف يمكنهم مناقشة الثنائية ومحاكاة جمهورها؟».
توقع عدد من المشاركين أن تفجر الخلافات الداخلية التجمع الوليد، وأبرزها الخلاف حول «سلاح حزب الله»، فهناك فريق يريد «الوضوح الثوري»، بمعنى الهجوم على السلاح وفق خطاب «14 مارس» التقليدي، بحجة أنّ «من معنا هو معنا ومن مع الحزب والحركة لن يغيّر رأيه، ونحن لا نريد سوى 20 في المئة من الشيعة الذين هم معنا»، بحسب سليمان ومعه رزق ومروة ومقلّد. لكن الشامي أجابه أنّه «يجب أن نتوجه الى الجميع وإلا لا نكون قد أحدثنا تغييرا»، والأخير جزء من الفريق الذي يدعو إلى التروّي لأنّ «المطلوب أن يستمع إلينا جمهور الثنائية لا أن يشتمنا»، ولأنّ «الهجوم لم يوصل سوى إلى توزير السيد ابرهيم شمس الدين (في حكومة سابقة) ولم ينتج تغييراً حقيقياً في القواعد»، ومن اصحاب هذا الرأي الأمين وقانصو وفحص. وينطلق المنطق الثاني من أنّ الوعي الشيعي يعبر مرحلة ضبابية لكنها مفصلية، تتجلى أولاً في تصدع النظام السوري الذي يشكّل طريق الإمداد، في الوعي الشيعي، إلى العمق الإيراني الحاضن، وثانيا في تخلخل «حزب الله» الذي تبيّن أنّه مخترق على مستويات عالية وقيادية من الاستخبارات الأميركية، وثالثا في اتهام عناصر من الحزب باغتيال رفيق الحريري، الزعيم السنّي الأشهر في العالم العربي، ما ينذر بفتنة سنية ـ شيعية لا يريدها الشيعة.
مروة اوضح لـ «الراي» ان اللقاء يندرج في إطار «حراك ما بعد الثورات العربية»، متحدثا عن «مطالب مدنية يثيرها الشيعة على مدى تاريخهم»، ومشددا على أنّه «ليس موجها ضد «أمل» و«حزب الله» بل ضد كل السياسيين على خلفية الطريقة التي يدار بها البلد».
واكد ان التجمع «لا علاقة له إطلاقا بـ 14 مارس، فنحن نتفق مع هذه القوى في أمور عدة ونختلف معها أيضا في أمور عدة، كما نتفق مع 8 مارس في الموضوع الإجتماعي ونختلف حول أسس أخرى».
وإذ اعتبر ان «ما يجمع هذه المروحة الواسعة هو المطالبة بأن تكون الدولة دولة الكفاءات»، اشار إلى أنّ «معظم هؤلاء مثقفون ولديهم خبرات، وما يجمعهم هو نظرة تحديثية وحداثية الى لبنان لقيام مجتمع مدني قوي ودولة قوية بعيدة من المحسوبيات لنصل الى الغاء الطائفية السياسية بعد وقت طويل وبعد تطمين الطوائف الأخرى».
ولفت الى ان ما يجري لا يزال «في إطار المخاض»، مبشرا بأنّ «هناك جوّا سيتوسّع نحو مزيد من المسيحيين والسنّة، لأننا نكتشف شيئا فشيئا أن هناك كثيرين من طوائف أخرى يشاركوننا الهموم نفسها».
رسالة ملتبسة
من جانبه، قال قانصو لـ «الراي» انّ «الظروف القائمة حاليا على مستوى الترتيب السياسي في البلد وعلى مستوى الانقسام القوي، تجعل المبادرة تفسر تفسيرا خاطئا وتحوّل فهم الناس لها»، مشددا على أنّها «لا تزال فاقدة للعمق الاجتماعي».
واضاف «مشكلتي انني في جلسة واحدة لم أستطع تكوين صورة كاملة عن طبيعة هذا الحراك، لكنني أصنفه في إطار أنّ هناك فئة شيعية غير منسجمة مع الواقع السياسي الشيعي والاتجاهات السياسية في «حزب الله» و«حركة أمل»، ولديها أفق ومرجعيات مختلفة ثقافيا وسياسيا واجتماعيا، وموضوع الدولة يشكل بالنسبة اليها أولوية. لكن مشكلة هذه الحركات أنّ الواقع الشيعي ضاغط جدا، وهناك صعوبة لتصير هذه التجمعات شعبية وتشكل رسالتها، ما يعني أنّ الرسالة ستكون ملتبسة في جوّ الانقسام السياسي الحادّ الموجود بين 14 و8 مارس».
وأضاف قانصو، المواكب للمسألة الشيعية منذ عقود: «بات التصنيف داخل المجتمع السياسي يقوم على خيار الفرد، الذي يفهم أنّه إما هنا وإما هناك في ظروف تحرمنا امكان التعددية، والنتيجة أن فرصة المجتمعين لاجتراح مسار خارج «حزب الله» و«أمل» صعب»، وتابع «صعب أن تصل هذه الرسالة وصعب أن يفهمها الجمهور الشيعي المرتهن لعصبية وخطاب لم يسبق لهما مثيل في تاريخنا، فالعصبية الشيعية غذتها عناصر تاريخية واهمال الدولة وضعف الانتماء إليها، ما أخذ الشيعة إلى أمكنة أخرى».
وعما اذا كان الحراك الشيعي الجديد قادراً على تحقيق اختراقات اجاب «لا أعتقد ذلك، الرسالة يمكن أن تكون ملتبسة، وفي الظرف الحالي، ظرف الخوف من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وما يحصل في سورية، ستكون الرسالة أكثر التباسا، وستفسّر على أنها لعبة اختراق خبيثة من 14 مارس بغطاء ثقافي نخبوي»، واضاف «حصلت تجارب سابقة، تجربة اللقاء الشيعي مثلا جديرة بالدراسة وأخذ العبر منها، ولكن لا أرى أنّ هناك من يعتبر، المكوّن الثقافي الشيعي لم ينفتح بعد على مشروع الدولة بمكوناتها الحقيقية بعيدا من دجل ثالوث الشعب والجيش والمقاومة. اشعر بأن الوجدان الشيعي والوعي الشيعي يفتقر إلى ثقافة الدولة ولا ينسجم مع إطارها، ففكرة انتظار الإمام المهدي مثلا تقوم على أنّ كل سلطة خارج هذا الانتظار فاقدة الشرعية، وسلطة ولاية الفقيه حلّت المعضلة بتولية فقيه بدلا من المهدي، ولكن ليس هناك تجربة دولة حقيقية كما كان الفضاء السني فضاء التكيف مع الدولة. تجمع كهذا اذا لا يستطيع الاختراق، وأشعر رغم التقائنا على فكرة واحدة هي الدولة والابتعاد من الاجندات الخارجية، بان هذه الجماعات ليست متجانسة على مستوى التفكير وطريقة التفكير، وكلّ يفهم المسألة من جانب».
وأشار قانصو إلى أمر بدا واضحا في النقاشات، فهناك من يقوم بمداخلة مستندا إلى أحاديث حسينية وأخرى للإمام علي، وهناك من يستنجد بماركس أو بمثقفين يساريين، وهناك من هو متأثر بافكار «14 مارس». ولفت ايضا إلى أمر بدا شديد التناقض بين كثيرين في الجلسات الأولية، «فمن هم خارج «أمل» و«حزب الله» غير متجانسين ومتعدّدو الأهواء، والنزعات الفردية تغلب لديهم على النزعة الجماعية». واضاف في نقد لاذع «هؤلاء نخب بلا عمق اجتماعي ولا دول تدعمهم. لابدّ من مبادرة ما، لكن توقيت المحكمة والحراك السوري سيفسّر في اتجاه آخر. غبت عن بعض الجلسات لأنّني شديد الانشغال، لكنني من حيث المبدأ مع هذا النمط من الحراك، وفي الوقت نفسه ضدّ الاستعجال، وهم مستعجلون ولا أفهم لماذا. ينبغي ألا يصدر أي شيء عنهم قبل رأس السنة، وقبل مروحة إتصالات واسعة تسبق الخروج إلى السطح».

حراك لبناني
مقلّد من جهته لا يحب أن يصف ما يجري بانه حراك شيعي، «فما نقوم به لبناني لذا يشاركنا عدد من المسيحيين والسنة، من يريد العمل للشيعة فليفعل، ولكن لا يمكنني أن أعمل داخل إطار شيعي بل وطني، لذا سمينا اللقاء «التجمع المدني اللبناني».
مقلّد الذي كانت له اليد الطولى في كتابة البيان التأسيسي، اعتبر أنّ «أفضل وسيلة لتقديم التجمع هي البيان الذي يقول إنّ البلد جرّب مشروعين، المارونية السياسية ثم السنية السياسية حين طالبت الحركة الوطنية بانتزاع صلاحيات من رئيس الجمهورية الماروني وإعطائها لرئيس الوزراء السني تحت عنوان المشاركة، وقد أقر هذا المشروع في الطائف لكنه أعيد إلى لبنان معدلا في طريقة غير ديموقراطية. اليوم هناك مشروع الشيعية السياسية، لذا قد يستمرىء البعض الكلام على تجمع شيعي لأنّ الصراع يجب أن يكون ضد الشيعية السياسية وضد كل أشكال المشاريع الطائفية».
وفي رأيه أن «المحاصصات كلها لم تنفع البلد وعلينا أن نبحث عن نظام آخر لا يقوم على المحاصصة. ليس هناك إلا نظام القانون والمواطن لذا نركز على المواطنية والعلمنة والدولة المدنية لوضع البلد على سكة التطور الديموقراطي الحقيقي».
وعن عدم التجانس الذي تحدث عنه قانصو قال مقلّد «ليس عدم تجانس، فالحاضرون يأتون من مواقع مختلفة وهم أكثر تجانسا من 14 مارس أو 8 مارس، لكنهم ليسوا حزبا بل تجمع في طور التكوين ومصدر تجانسهم هو اعتقادهم الراسخ أن لا حلّ في لبنان إلا بدولة المؤسسات».
أما صلاح الحركة فرأى أنّ ما يجري يحصل «لأوّل مرة، وهو حراك جدي داخل الطائفة لاستيعاب الأوضاع المستجدة، وخصوصا أنّها تترافق مع متغيرات كبيرة يشهدها العالم العربي». ولفت إلى «قضية المحكمة الخاصة بلبنان التي تحقق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري»، مؤكدا أن «لها حيّزا مهما من هذا الحراك لان المتهمين بالجريمة ينتمون الى الطائفة الشيعية، ولأن تاريخ الفكر الشيعي يذهب في اتجاه دفع الظلم وإحقاق العدالة».
واضاف «بالنسبة الي اعتبر أن الهدف الاساسي من اي تحرك مماثل هو هدف لجميع المواطنين يكمن في بناء دولة حديثة». ووافق قانصو على أنّ «المجموعات التي تتحرك في الساحة الشيعية غير متجانسة لأنها تأتي من خلفيات وتجارب متنوعة، ولكن إذا صدقت نيات الجميع يمكن حضّهم على الالتفاف حول موضوع بناء الدولة الحديثة التي تؤمن المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون».
وأوضح الحركة ان «هذا التجمع يسعى الى طرح طريق ثالث وليس موجها ضد أحد، ويمكن أن يكون ضد جميع الأفرقاء اللبنانيين بقدر ما يقتربون من فكرة العدالة والمساواة والدولة الحديثة أو ينأون بأنفسهم عنها».
وعن ملف سلاح «حزب الله» قال «لن يكون من الأمور اليسيرة باعتباره يتخطى الواقع الشيعي الداخلي وله مندرجات إقليمية ودولية. السلطة التي تنبثق من انتخابات حرّة ونزيهة يمكن أن تشكل الوسيلة الأفضل لإيجاد حل مناسب لهذا السلاح، ولكن في المبدأ فان مسألة الحرب والسلم جزء لا يتجزأ من حق الدولة وواجبها، والمقاومة تبقى رديفا شرط ألا تنغمس في زواريب السياسة الداخلية».

بيان تأسيسي عصبه الدفاع عن الوطن والدولة

شهدت مناقشات البيان التأسيسي لـ «المجتمع المدني اللبناني» الكثير من الجدل الى ان استقرت حول افكار تضمنها البيان كـ«مانيفست» سياسي – اجتماعي بدت مفاصله الرئيسية على النحو الآتي:
في ظل الظروف والتطورات والانتفاضات التي تعصف بالمنطقة العربية، يعاني وطننا لبنان اليوم أزمة شاملة غير مسبوقة، بعدما فقد نظامه السياسي القدرة على استمرار وظائفه الأساسية، وشلت مؤسساته الدستورية (…) ما أدى الى تشويه الحياة السياسية وضرب القيم الديموقراطية (…).
في السنوات الأخيرة، تفاقم الاستقطاب الطائفي والمذهبي وتوسع تأثير المشاعر الطائفية على الوعي الجمعي، وأصبحت الطوائف، لا بل ممثلوها والاحزاب المهيمنة عليها، ممرا الزامياً لتكوين هيكليات السلطة (…).
الاختلال الدوري لنظام المحاصصة هذا كل بضع سنوات انتج عقودا من التوتر هددت لبنان بوحدته وسلامة أرضه وشعبه ومؤسساته، تارة بفعل التجاذبات والصراعات الاقليمية، وتارة أخرى بفعل الالتباسات حول هويته وانتمائه وعلاقاته العربية والدولية، وطورا بسبب انتهاك المجال العام وسيادة الدولة (…).
كل المشاريع المذهبية والطائفية سواسية في خطرها على وحدة الوطن (…) واليوم تتكرر التجربة المريرة نفسها، تجربة استدراج الخارج والاستقواء به والدعوة الى الحاق لبنان بمشاريع وقوى اقليمية ودولية، وتحميله فوق طاقته دفاعا عن قضايا تتصل تارة بالأمة العربية وطورا بالأمة الاسلامية او بالعالم ككل (…).
مشروع الهيمنة السياسية الذي تمارسه الثنائية الحزبية الشيعية اليوم هو استعادة مكررة لمشاريع هيمنة سابقة وتجارب طائفية ومذهبية اكتوى بنارها اللبنانيون جميعا (…) وتفريط على وجه الخصوص بالمقاومة الباسلة التي تتذرع بها الثنائية الحزبية الشيعية وتستظل انجازها التاريخي فتوظفه في صالح المشاريع الاقليمية (…).
(…) الانتفاضات الشعبية العربية المتسارعة التي تشهدها الساحة العربية ترسم بداية تاريخ عربي جديد وتؤسس لمنظومة من المفاهيم والقيم السياسية والثقافية الجديدة (…) وعلى لبنان اليوم ان يستفيد من هذه التطورات ويوظفها في صالح قضية اعادة بناء الوطن والدولة وان يكون في قلب الحراك العربي الديموقراطي.

دولة الحق والقانون والمؤسسات هي الحل
من أجل ذلك، ودرءا للخطر الداهم والمتجدد الذي يهدد الوطن، تنادينا لنطلق نداء (…) نطلق عليه اسم «التجمع المدني اللبناني» ويتولى الدفاع عن مشروع الدولة في لبنان، وذلك على الأسس والمبادئ التالية:
1. الدولة هي كيان الشعب وحافظة استقراره والمؤتمنة على ارض الوطن والناظمة للحياة الاقتصادية والسياسية (…) ولبنان بحاجة ماسة اليوم الى قيام دولة مدنية حديثة فاعلة، لان تقليص دور الدولة يفتح الباب أمام الانقسام المذهبي والفتن الداخلية (…).
2. الدولة المنشودة هي التي يحترم فيها الدستور والقوانين نصا وروحا (…).
3. وهي لا تعطى لنا منة ولا يبنيها لنا أحد، وعلى القوى السياسية جميعا المشاركة في صنعها والامتناع عن القيام بما يتعارض معها كالجزر الأمنية والغيتوهات الطائفية والمناطق المغلقة وانظمة الدفاع الذاتي والدويلات داخل الدولة.
4. الدولة هذه هي الدولة المدنية السيدة على حدودها وداخل حدودها، هي دولة القانون والمؤسسات والحريات الديموقراطية والعدالة والكفاءة وتكافؤ الفرص. وقيامها يحتاج الى بذل كل الجهود للتخفيف من حدة الانقسام الحالي، والى ادانة الاغتيال السياسي ومعاقبته (…).
5. الدولة المنشودة هي التي تتجسد من خلالها الوحدة الوطنية. وهي وحدها التي تملك الحق الحصري بسن القوانين وتطبيقها، والحق الحصري برسم السياسة الخارجية واحتكار قرار الحرب والسلم وحصرية امتلاك السلاح (…) ومصلحة لبنان تقتضي الالتزام بالقرار 1701 واجبار العدو الإسرائيلي على وقف انتهاكاته المتكررة، ورسم حدود لبنان الاقتصادية البحرية، وصولا الى وقف اطلاق نار دائم وتفعيل اتفاقية الهدنة.
6. الدولة المنشودة هي الدولة الديموقراطية التي تقوم على مبادئ الحرية والعدالة والمساواة، ويحتكم المواطنون في علاقتهم بها الى القانون والى احترام الاختلاف والاعتراف بالآخر والاقرار بالمساواة معه في المواطنية والحقوق واعتماد لغة الحوار الهادئ النابذ لأي عنف في التخاطب أوفي السلوك.
7. ان قيام مثل هذه الدولة يحتاج الى ادخال اصلاحات سياسية على النظام القائم يتمثل في ثلاثة أبواب:
• الأول اصلاح التمثيل السياسي، وذلك باعتماد قانون انتخابي يأخذ بمبدأ النسبية (…).
• الثاني تحصين السلطة القضائية المؤتمنة على العدالة وحسن تطبيق القوانين، وصولا لقيام السلطة القضائية المستقلة.
• الثالث اصلاح اداري واقتصادي يجعل لبنان قادرا على مواجهة تحديات المرحلة الراهنة من العولمة ويعيده الى موقعه الرائد داخل المنظومة العربية.
8. الدولة المنشودة هي التي تكرس انتماء لبنان الى الأمة العربية والتزامه دعم قضاياها العادلة، وفي طليعتها القضية الفلسطينية (…) وقد أكدت التجربة اللبنانية ان العروبة لا تقوم الا على ثقافة الديموقراطية والاعتدال والتسامح والحوار والانفتاح وعلى رفض كل أشكال الارهاب والتطرف والأصوليات على انواعها (…).
9. (…) لبنان سيبقى في صميم النزاع العربي-الإسرائيلي الى حين استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بيد ان هذا لا ينبغي ان يتجاوز حدود الانصاف في توزع الأعباء والمكاسب من ضمن استراتيجية عربية موحدة.
10. (…) على الدولة المنشودة ان تسهر على تصحيح العلاقات اللبنانية – السورية ومراجعة الاتفاقات الثنائية المعقودة بين البلدين خلال فترة الوصاية، وعلى وجه الخصوص ازالة المربعات الأمنية اللبنانية والفلسطينية التي نشأت في ظل الوجود السوري، وترسيم الحدود اللبنانية – السورية لا سيما في مزارع شبعا، وحل قضية المفقودين والمعتقلين اللبنانيين في السجون السورية.

من هم؟
• التجمع المدني اللبناني اطار للتفاعل ولتوحيد اللبنانيين جميعاً من أجل الدفاع عن الدولة والمؤسسات.
• تيار مدني على امتداد كل لبنان ينتشر في كل الطوائف ويناضل من أجل اسقاط نظام المحاصصة.
• نلتزم ثقافة القانون التي تعني الاحتكام الى الدستور والاليات الديموقراطية واحترام الاختلاف والاعتراف بالآخر والاقرار بالمساواة معه في المواطنية والحقوق.
• نعتمد لغة الحوار الهادئ النابذ لأي عنف في التخاطب أو في السلوك وندين استعمال السلاح او التهديد به في الصراع السياسي الداخلي.
• نعمل على اطلاق سلسلة مبادرات مواطنية من اجل الدفاع عن الحيز العام للدولة والمواطنين وتشبيك مؤسسات المجتمع المدني.
لبنان الوطن هو لبنان الدولة
• الدولة هي كيان الشعب وحافظة استقراره والمؤتمنة على ارض الوطن والناظمة للحياة الاقتصادية والسياسية.
• ان الانحياز الكامل لقيام الدولة وتطويرها بدهية وطنية أسمى من الخلافات السياسية والانقسامات الاهلية.
• الدولة المدنية السيدة على حدودها وداخل حدودها، هي دولة القانون والمؤسسات والحريات الديموقراطية والعدالة والكفاءة وتكافؤ الفرص.
• الدولة المنشودة هي التي تتجسد من خلالها الوحدة الوطنية. وهي وحدها التي تملك الحق الحصري بسن القوانين وتطبيقها، والحق الحصري برسم السياسة الخارجية واحتكار قرار الحرب والسلم.
• كل المشاريع المذهبية والطائفية سواسية في خطرها على وحدة الوطن. ومخاطرها تكمن في بنية الأحزاب الطائفية ومشاريعها السياسية، كما في بنية نظام المحاصصة.
• كل وهم بخلاص فئوي تسعى اليه الجماعات اللبنانية كل بمفردها ليس مغامرة فحسب، بل هو مشروع انتحاري يدمر أصحابه قبل سواهم.

في الإصلاح السياسي والاقتصادي
• اصلاح التمثيل السياسي باعتماد قانون انتخابي يأخذ بمبدأ النسبية ويوفر اطارا صالحا لتجديد النخب السياسية، ويكسر الهيمنة الاحادية على كل طائفة من قبل نافذيها.
• تحصين السلطة القضائية المؤتمنة على العدالة وحسن تطبيق القوانين، وصولا لقيام السلطة القضائية المستقلة.
• ان اصلاح الادارة وتحديثها عبر اعتماد مبدأ الكفاءة في تعييناتها وترفيعاتها وتحريرها من قيد المحاصصة السياسية، المولدة للعجز والقصور وحشو المحاسيب والمنتجة لآلية مستمرة لإدامة الزبائنية السياسية.
• ان الاصلاح الاقتصادي المنشود يهدف الى توسيع نطاق النشاط الانتاجي وفرص العمل الى المناطق اللبنانية كافة وذلك عبر اقامة اقطاب مدنية جاذبة للاستثمار في كل منطقة تبعا لمزاياها التفاضلية، ولفك الاختناق التي تعانيه بيروت الكبرى نتيجة المركزية المفرطة للاقتصاد اللبناني.

في الدفاع عن لبنان
• لبنان قدم أفضل نموذج لمواجهة النظام العنصري الإسرائيلي، دفاعا عن أرضه وعن القضية الفلسطينية، ما شكل نموذجا يحتذى في المقاومة من أجل تحرير الأرض من دون مساومات وتسويات.
• العدالة ومقاومة الاحتلال قيمتان لاتعارض بينهما والاغتيال السياسي جريمة تستحق الادانة والعقاب كائنا من كان مرتكبها.
• ان تسليح الجيش اللبناني وتعزيز قدراته هو اولوية وطنية لحماية لبنان من التهديدات الإسرائيلية.
• ان الشرعية الدولية وسياسة التضامن العربي واحدتان من ادوات حماية لبنان والدفاع عن سيادته واستقراره.
• ان مصلحة لبنان تقتضي الالتزام بالقرار 1701 وإجبار العدو الإسرائيلي على وقف انتهاكاته المتكررة، وصولا الى وقف اطلاق نار دائم وتفعيل اتفاقية الهدنة.

لبنان والعالم العربي
• لبنان سيبقى في صميم النزاع العربي – الإسرائيلي، بيد ان هذا لا ينبغي ان يتجاوز حدود الانصاف في توزع الاعباء والمكاسب من ضمن استراتيجية عربية موحدة.
• الربيع العربي يؤسس لمنظومة من المفاهيم والقيم السياسية والثقافية الجديدة، في مواجهة منطق التطرف الديني الاصولي واستبداد الانظمة الدكتاتورية وتسلط الاجهزة الأمنية على الحياة العامة والسعي الى توارث السلطة وتعميم الفساد.
• الانتفاضات العربية تتصدى لاستباحة الدولة والمجتمع والاقتصاد والمجال العام من قبل قلة متسلطة، وترفع لواء التغيير السلمي الديموقراطي.
• العروبة لا تقوم الا على ثقافة الديموقراطية والاعتدال والتسامح والحوار والانفتاح وعلى رفض كل أشكال الارهاب والتطرف والأصوليات على انواعها. 

السابق
التعامل مع الكيان الصهيوني أسهل أم دولة يقودها دستور إسلامي!
التالي
إرهابي أم مسيحي متطرف هل هنالك من فرق؟!