حوار الطرشان

 لم يُطلق الرئيس ميشال سليمان دعوته إلى الحوار رغبة منه في إملاء الوقت الضائع، بل من واقع تحسسه بالخطر المحدق بهذا البلد، جرّاء الانقسام السياسي العميق الحاصل بين اللبنانيين والذي عكسته المناقشات التي دارت في مجلس النواب، واستمرت بعدها في جميع وسائل الإعلام بين المعارضة والموالاة، بأشكال ومواقف تصعيدية مختلفة·
الرئيس سليمان لم يغب عن باله عندما أطلق هذه الدعوة، مدى صعوبة إعادة جمع الأفرقاء حول طاولة واحدة، في ظل هذه الأجواء التصعيدية السائدة، ولا غاب عن باله بأن هناك أمورا لا بد من التوافق حولها قبل الجلوس إلى الطاولة، وأولاها على وجه التحديد الاستراتيجية الدفاعية، وسلاح حزب الله·

ذلك لأن هذين الملفين، كانا أحد العناوين وبالأحرى العنوان الرئيسي لمؤتمر الدوحة الذي جمع الفريقين المتنازعين بعد أحداث السابع من أيار وقد انتهى هذا المؤتمر إلى اتفاق الفريقين على متابعة بحثه على طاولة حوار تُعقد برئاسة رئيس الجمهورية، وفي ظل حكومة وفاق وطني، من منطلق مبدئي، يقول بحصرية السلاح، وقرار الحرب والسلم بيد الدولة وحدها دون سواها·

وبناء عليه، تم انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية بالإجماع، وتشكلت حكومة وفاق وطني، ضمت الفريقين المتخاصمين بعد الاتفاق على نسب التمثيل في الحكومة، وكان أول خطوة أقدم عليها رئيس الجمهورية بعد انتخابه وتشكيل الحكومة الوفاقية، دعوة طاولة الحوار التي تحولت فيما بعد إلى هيئة للاجتماع، وعلى جدول أعمالها بند واحد هو الاستراتيجية الدفاعية وحصرية السلاح بيد الدولة وحدها دون سواها، فماذا كانت النتيجة، وماذا حصل بعدها ولماذا توقفت أو تعطّلت أعمال هيئة الحوار، ولماذا المطلوب اليوم عودتها وعلى أي أساس، وما هو المطلوب من دعوة رئيس الجمهورية للحوار؟

الجميع يُدرك أن الاجتماعات الكثيرة التي عقدتها الهيئة، لم تُسفر عن أي نتيجة في البند الوحيد المطروح عليها، حتى أن حزب الله امتنع عن تقديم رؤيته للاستراتيجية الدفاعية، ما جعل الحوار كلما اجتمعت الهيئة يتحوّل إلى ما يشبه حوار الطرشان، ما أدى لاحقاً بقرار مفاجئ وغير مبرر على الاطلاق اتخذه حزب الله بذريعة رفض رئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري ومعه أكثرية الوزراء إحالة ملف شهود الزور إلى المجلس العدلي·

فهل كان القصد من الدعوة التي أطلقها رئيس الجمهورية العودة إلى البحث في البند الوحيد الذي تم الاتفاق عليه في الدوحة وهو الاستراتيجية الدفاعية وحصرية السلاح بيد الدولة؟ فإذا الأمر كذلك، فالمعارضة أول المرحّبين بها والساعين للوصول إليها، أما إذا كان القصد هو العودة إلى الحوار من أجل الحوار، في الوقت الذي يُعيد حزب الله التأكيد على السلاح السرمدي الأبدي، وعلى مواقفه السابقة من الاستراتيجية الدفاعية، فلا معنى ولا جدوى إذاً لأي عودة ولأي حوار·

ولا يعني هذا أن المعارضة ضد الحوار أو ضد دعوة رئيس الجمهورية إليه، لأنها في الأساس كانت وما زالت مع الدولة، ومع حصرية السلاح بيدها من خلال استراتيجية دفاعية، ومع رئيس الجمهورية في كل توجه في هذا الاتجاه، بل يعني بالتأكيد أنها مع الحوار وفق ما اتفق عليه في الدوحة، وليس الحوار من أجل الحوار· 

السابق
مع الحوار بشروط
التالي
الاحتراف الإيراني في العراق