«حزب الله» على محك… صدمتين وسط «همس» يؤشر لـ «كسر الصمت»

 يقول قريبون من «حزب الله» إنّ أمينه العام السيد حسن نصرالله منشغل هذه الأيام بملفات الفساد والعمالة في صفوف كوادر من حزبه إما تخضع لتحقيقات وإما هي موضع شبهات، ولكن من دون أن يستطيع أحد تأكيد صحّة معلومات كهذه، وخصوصا أنّ الحزب يتعاطى مع المعلومات الحسّاسة هذه الأيام «نقطة تلو نقطة».
هذا «الاعتلال» أفقد الحزب صورته الحديدية، وخصوصاً أن لا أحد يستطيع أن يعرف شيئا من الداخل إلا من هم في الداخل. الشائعات تملأ الضاحية الجنوبية وبيروت والبقاع والجنوب، وأحاديث الصالونات هذه الأيام في القرى والبلدات والمناطق ذات الأكثرية الشيعية عن «حزب الله» فقط.
باب النقاش الذي كان مقفلا منذ تأسيس الحزب قبل ربع قرن فُتح على مصراعيه، والناس العاديون يسألون أو يهاجمون أو يدافعون. هكذا، يمكن أن تسمع هذه الأيام انتقادات لا يُردّ عليها باتهام المنتقد بانه عميل أو تابع لـ «قوى 14 آذار» أو ضد المقاومة. فيبدو ان مناصري «حزب الله» باتوا يريدون أن يسمعوا ويتعرّفوا على الرأي الآخر، بعدما كانوا يواظبون على رفض الاستماع إليه.
كلّ ذلك بدأ يوم اعترف السيد نصرالله بأن كوادر من حزبه ثبت تعاملهم مع الاستخبارات الأميركية، وبعدما نُشرت معلومات عن آخرين رفيعي المستوى في الحزب أو محيطه يتعاملون مع الاستخبارات الإسرائيلية. من هنا، بات الوسط الشيعي منفتحا على الأسئلة، وإن حاول نصرالله «إطفاءها» بأجوبة محدّدة يبدو أنّها لم تشبع نهم الجائعين إلى المعلومات، وخصوصا بعد صدور القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، واتهام أربعة كوادر من الحزب بالضلوع في الجريمة.
الصحافي والمحلل السياسي قاسم قصير القريب من أجواء «حزب الله» يدعو إلى «التمييز بين موضوع العملاء والقرار الاتهامي، فالأول اوجد حالا من الاسئلة والاستفسارات سرعان ما استوعبها السيد نصرالله بكشف الأمور، ولكن بعد صدور القرار الاتهامي بدا واضحا ان هناك شعورا لدى جمهور المقاومة بالاستهداف».
ويجزم قصير لـ «الراي» بأن «لا أحد من المناصرين لديه شكوك في أن يكون حزب الله متورطا في اغتيال الحريري، وخطاب الامين العام زاد الالتفاف حول الحزب». ويضيف: «عدد طارحي الأسئلة قليل قياسا بمن يشعرون بالاستهداف، ولا أتحدث هنا عن النخب، التي يشعر بعضها بأن الوضع الشيعي يحتاج إلى إعادة نظر، بل أتحدث عن الجوّ العام الذي يشهد التفافا حول المقاومة».
ويؤكد ان «إمكان الخوف من عقوبات دولية أو ما شابه غير موجود لدى البيئة العامة، بل هناك اطمئنان، ولكن إذا حصلت مشاكل قد يتغير الوضع». ويلفت الى ان «هذا الجمهور مرّ بأكثر من حصار وحرب، وكلما شعر بأن بيئته في دائرة الاستهداف ازدادت عصبيته، لكنه في المقابل يطرح أسئلة في حالات الاسترخاء وحينها تبدأ المشاكل».
النائب والوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون يعود في حديثه لـ «الراي» إلى البدايات: «الطائفة الشيعية من الأساس لديها تقدير كبير للرئيس رفيق الحريري، إضافة إلى تركيزها على مبدأ حماية العدالة المرتبط بتاريخها والظلم الذي عاشته انطلاقا من مقتل الامام الحسين دفاعا عن حقه. ولكن هناك صدمة لأن الاتهام طاول حزب الله، ولم يكن أحد يقدّر أن الأدوات التنفيذية ستكون في الحزب نفسه. وهذه الصدمة لا تعني القبول بمبدأ التستر على الجريمة، ولا أن يقبل الجمهور بنظرية المؤامرة، فصدور القرار الاتهامي من القاضي المختص يعني أن لديه مستندات كافية للبدء بمحاكمة، وفي رأيي أنّ الطائفة لا تريد مواجهة المحكمة وليست مقتنعة بنظرية المؤامرة، طبعا ما عدا الفريق المتحزب الذي لا يمثل الأكثرية، لكن هذا الفريق نفسه سيغير نظرته عندما تبدأ المحاكمات ويرى الأدلة والمستندات».
ويضيف بيضون: «قد يأخذ كثيرون اليوم بنظرية المؤامرة وبالكلام السياسي الذي يهدف إلى تشويه سمعة المحكمة وتسييسها. ولكن حين يُقرأ القرار الاتهامي وتُعرض المستندات، لا يقف الأخ إلى جانب أخيه إذا كان ظالما، فالأدلة هي العنصر الحاسم، والتعصب ينتهي حينها».
ويتحدث عن «انتقال الطائفة الشيعية هذه الأيام من مرحلة إلى مرحلة، فالمرحلة الماضية كانت هجوما سياسيا على المحكمة ومحاولة لتشويه سمعتها لكن هذه المرحلة انتهت، فقد صرنا داخل قاعة المحكمة وسيُرد على الحجة القانونية بالحجة القانونية وإلا يتحول الامر تسترا على الجريمة».
وعنده ان «حزب الله» بدأ يخسر «قدسية» كان يدّعيها بعد حرب يوليو 2006، «يومها تحول من مقاومة الى سلطة، والسلطة تشوبها دائما اختراقات وفساد. ثمة بداية أزمة ثقة بين القيادة والقاعدة، والسبب ان الحزب انخرط في السلطة ويعيش مساوئها».
وعما إذا كانت الطائفة ستدفع الثمن مستقبلا يجيب: «الشيعة لن يدفعوا ثمن هذه الجريمة لانهم سيدينون القاتل وسيقفون ضده، والواقع انهم لا يقبلون أبدا بسلوك هؤلاء القادة الذين لم يتركوا للطائفة أي صديق أو نصير في العالم العربي كله، كما يرفضون ان يكونوا أداة إقليمية بيد اي طرف». ويضيف «هناك همس في الجنوب والضاحية والبقاع واحساس بالانعزال والتوتر، فمظاهر الفساد تزيد والاختراقات انكشفت على مستوى قيادي رفيع ما يدل على وجود قواعد متزعزعة».
يتقاطع تحليل بيضون مع كلام النائب الشيعي في «كتلة المستقبل» غازي يوسف الذي يقول لـ «الراي»: «في الشارع الكثير من الكلام، والبعض لم يستوعب أن يكون أحد من حزب الله ضالعا في اغتيال الرئيس الحريري، وأعتقد أن ما قاله نصرالله يهدف الى ابقاء الشك مزروعا عند الشيعي المتردد من طريق تشويه المحكمة».
يوافق يوسف على ان «قسما من الشيعة يتبنى كلام نصرالله وهؤلاء هم الحزبيون الرافضون المحكمة مئة في المئة، وفي المقابل هناك من يقولون إن المحكمة صادقة وأنّ ما يجري مصيبة». وعلى غرار بيضون، يعتبر ان «الرهان هو أن تبدأ المحكمة وتظهر التفاصيل، وعندها سنجد العديد من الشيعة الخائفين والحائرين في موقع آخر. خلال سنتين على أبعد تقدير، أعتقد أن الطائفة الشيعية ستنتفض وتقول لنصرالله: إلى أين تأخذ الطائفة والبلد؟ حزب الله مسيطر على الحكومة واتخذها متراساً له ضد القرارات الدولية، لكن الحكومات تتغير واذا لم ينتفض الانسان الشيعي فالنهاية ستكون صعبة لهذه الطائفة في لبنان».
لا يتوهم يوسف كثيرا لجهة القدرة على تنفيذ القرار الإتهامي: «لا أعتقد انه سينفذ، ولا وهم لدي أنّ المتهمين الأربعة سيمثلون أمام المحكمة بل سيحاكَمون غيابياً، لكن الحقيقة ستظهر». ويختم مؤكدا اطمئنانه إلى «عدم اندلاع فتنة سنية شيعية لأن الشيعي الرهينة لدى حزب الله سينتفض، وأنا شيعي وأرفض اتهامي بقتل الشهيد الحريري لأنّ القاتل ليس طائفة».
من جانبه، يعتبر الصحافي علي الأمين لـ «الراي» أن «من الصعب تحديد التداعيات المستقبلية للقرار الاتهامي إذا سلمنا جدلا بتورط حزب الله، وإذا تبين وجود علاقة بين الحزب والجريمة فإنّ الجرم يكون ارتُكب من جانب دائرة صغيرة لا علاقة للشيعة بها، وخصوصا أنّ رفيق الحريري لم يكن يوما مناهضا للشيعة او يشكل تحديا في المعنى السياسي او الاقتصادي او الاجتماعي لهذه الطائفة. رغم ذلك، حين تدفع اي قوة سياسية بحجم حزب الله ثمن جريمة كاغتيال الحريري، فان هذا سينعكس بطبيعة الحال على محيطها الاجتماعي الذي هو الطائفة الشيعية».
ويلاحظ ان «هناك شيئا من الصدمة لم يأخذ مداه بعد، ربما لأن الجمهور الشيعي ما زال تحت تأثير الانقسام الحاصل في البلد وتحت تأثير حضور حزب الله وقوته في المشهد السياسي الداخلي، لكن الاكيد ان كثيرين بدأوا يتلمسون مخاطر الخطوات التالية انطلاقا من ادراكهم أبعاد عمل المحكمة. ما يشعر به الناس حتى الآن، إذا اردنا ان نكون واقعيين، هو نوع من عدم الخوف ومن الاطمئنان الى صحة ما يقوله نصرالله، والسبب عدم وعي لطبيعة المحكمة وما يمكن ان يصدر عنها، لأنّ حركتها لا تزال في إطار التحقيق، ولكن بعد صدور الاتهامات وبدء المحاكمة العلنية سيتبين حجم القرار». ويتابع «الصدمة اذاً لم تأخذ مداها بعد، لكن ملامحها بانت وستظهر أكثر في الايام والاسابيع المقبلة، وخصوصا ان التعاون الدولي مع لبنان سيتبدل، وسيظهر ذلك في كثير من المسائل التي تتصل بالاقتصاد والعسكر والمال، وسيكون واضحا أنّ ما يجري هو نتيجة موقع حزب الله وتأثيره في هذه الحكومة».
وبعد… من الواضح ان الجمهور الشيعي يعيش «صدمتين»: صدمة كوادر «حزب الله» المتعاملين مع الاستخبارات الاميركية وصدمة القرار الاتهامي في اغتيال الحريري. لقد دخل هذا الجمهور منطقة ضبابية اذا صح التعبير، لا يمكن أحد أن يجزم إلى أين ستصل به. وتجدر الإشارة إلى أنّ بعض المثقفين والناشطين السياسيين الشيعة يستعدون منذ اشهر لتشكيل «تجمّع» ما واصدار نوع من وثيقة تأسيسية، فهل تكون هذه الورقة اذا صدرت «صدمة» ثالثة؟ 

السابق
وفاة الممثل الكوميدي محمود مبسوط المعروف بـ”فهمان”
التالي
رعد: التسامح سمة الموقف مع الشركاء في الوطن