ما الجديد في مقاربتنا السوسيولوجية للربيع العربي؟

 يتفق المحللون والكتاب والباحثون المنصفون على أن ثورات الشباب في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين، وقبلها ثوراتنا المجهضة في لبنان وايران، هذه الثورات كسرت حواجز الخوف والرعب والعزلة التي عاشها الناس طيلة عقود من القهر والذل والقمع..
تمثلت الثورة على روتين الخضوع اليومي المستدام خصوصاً في اندفاع الناس للنزول الى الشوارع والساحات العامة بدل البقاء في العزلة الفردية في المنزل أو مكان العمل أو في الحارة أو القرية.. ويأتي في طليعة وسائل الخروج العام للناس على قواعد وضوابط الاستكانة والخضوع والمهانة دور شبكات التواصل الاجتماعي عبر الانترنت والفايسبوك والتويتر وغيرها..
خرج الناس شارعاً شارعاً وزنقة زنقة وحارة حارة وبيتاً بيتاً يقضون مضاجع الجلادين ويصرخون في وجه الظلمة الفاجرين..
والقيمة الأساس لكل ما جرى ويجري في البلاد العربية تتمثل في انطلاق مارد الحرية والكرامة من قمقمه الذي حُبس فيه منذ تسلط على رقاب هذه الأمة وشعوبها ضباط انقلابات آخر الليل، فرسان الهزائم والنكسات في وجه العدو المحتل..
انطلقت الحناجر وتعالت الأصوات تنادي بحرية الرأي والتعبير..ومارس الناس هذا الحق عبر البيانات والشعارات واليافطات والمناقشات وعبر أصوات الهتافات تصرخ وتشدو بلابلها بأجمل ألحان الحرية في الشوارع والحارات وفي القرى وعلى الطرقات…
ومارس الناس الحرية في الانتظام والتنظيم وفي تشكيل التكتلات والتيارات والتحالفات..
ومارسوها في تبنيهم وهضمهم وتوطينهم لمفاهيم الديمقراطية والمساواة والمواطنة والعدالة وهي المفاهيم التي قال المستشرقون وقالت أحزاب الهزيمة والنكسة والانقلابات والاغتيالات انها مفاهيم ومعايير حديثة غربية بعيدة عن عقلية وذهنية شعوبنا القبلية الطائفية العشائرية..
وطرح الناس شعار لا للفساد وحولوه الى هم جماهيري والى أداة تحشيد وتعبئة في وجه الذين كدسوا مليارات الدولارات في بنوك الغرب مسحوبة من دماء شباب الوطن وشاباتها الذين قضوا في السجون الرهيبة أو على الحدود مع العدو..
اكتشفت شعوبنا معنى الكرامة البشرية ومعنى الحقوق المسلوبة منذ عقود ومعنى وضرورة المطالبة باستعادتها ولو بثمن الموت.. نعم طاب الموت والله طاب… وعزت الروح.. ولم تبخل الشعوب بها..
اكتشف الناس معنى المسؤولية الفردية والجمعية ومعنى المبادرة الى تحملها..وقاموا بذلك بكل اقتدار وعنفوان..
واكتشف الناس معنى الوعي واليقظة في الدفاع عن المنجزات والمكتسبات وعدم الغفلة أو التهاون في وجه المتسلقين والانتهازيين ..فحشروا الاحزاب والشخصيات السياسية في الزاوية..
ومن واقع وحقيقة حداثة وعفوية وسائل التعبير والتنظيم، وواقع وحقيقة كون المطالبة سلمية ديمقراطية جماهيرية، كانت المعركة مع الأنظمة معركة شعبية لا عنفية ولا حزبية ولا نخبوية.. وقد رفضت الجماهير كل الزعامات المسقطة على الناس فجأة أو القادمة اليهم من الخارج..
أما الجديد الرائع والخطير في آن معاً فيتمثل في ذلك الشعار البسيط الذي صار اليوم موضة العصر من المحيط الى الخليج: الشعب يريد… تلك الكلمة السحرية: الشعب يريد تؤذن بتبلور الارادة الشعبية للناس باعتبارها المقدمة الضرورية لكل اجتماع سياسي مدني يقوم على قواعد ثابتة من العدالة والمساواة ومن الحرية والكرامة … وبالتالي فإنه يؤذن بولادة الرأي العام العربي بدل الغوغاء والجموع والحشود التي تهتف لجلادها الحزب الواحد والقائد الأوحد والزعيم المعصوم…صار الرأي العام هو وحده القائد وهو وحده المعصوم..
أما المنعطف السياسي الأهم والأخطر فتمثل في طرح مطلب وشعار إقامة الدولة المدنية.. لا دولة دينية ولا دولة علمانية، لا دولة فاشية أو شيوعية أو بعثية أو قومية عربية أو سورية… الدولة المدنية.. ولنتذكر أنه كان شعار المرحومين كمال جنبلاط ومحمد مهدي شمس الدين.
الدولة المدنية هذه هي المسألة والقضية الأساس التي ستحكم الحوارات والمجادلات والسياسات للعقود القادمة… وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. 

السابق
«ثورة الأرز» .. افتضح زيفها فانهارت؟
التالي
الأزمات والتحديات ليست في إجازة