عندما يصبح «الحوار حول الحوار»… أقصى الممكن

 أغلب الظن أن الحوار حول الحوار هو أقصى ما يمكن الوصول إليه في هذه المرحلة، برغم حماسة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لإعادة لم شمل القوى السياسية.
ليس خافيا ان أزمة الثقة قد استفحلت بين اللبنانيين الى حد جعل الرئيس سعد الحريري يطالب بشهود على أي لقاء مستقبلي مع السيد حسن نصر الله، فيما جنحت كتلة المستقبل نحو اقتراح مشاركة الجامعة العربية في أي حوار موسع، ما دفع شخصية بارزة في الأكثرية إلى القول انه إذا كان يحق لأحد ان يطلب ضمانات فهو فريق 8 آذار الذي عانى الأمرّين من عدم التزام الحريري بالاتفاقات والتعهدات، بدءا من العام 2005 وحتى لحظة سقوط حكومته، والشواهد على ذلك كثيرة.
ولئن كان الرئيس ميشال سليمان أراد من خلال محاولة إحياء الحوار ان يستعيد المبادرة ويعوض عن النقص التمثيلي في الحكومة، إلا ان رد فعل قوى 14 آذار ـ الذي تراوح بين الرفض الصريح والرفض المقنّع ـ لم يكن موفقا كثيرا، إذ ان الاعتراض على الحوار هو من حيث المبدأ موقف غير شعبي، ويحتاج صاحبه الى بذل جهد كبير لتبريره وتسويقه.
ربما تخشى المعارضة الآذارية ان يشكل تجاوبها مع الدعوة الى الحوار اعترافا بالواقع السياسي المستجد وتسليما به، فيما هي تصر على النظر الى حكومة الرئيس نجيب ميقاتي والمعادلات التي أتت بها، انطلاقا من كونها تمثل تعبيرا فجا عن انقلاب غير مشروع على الرئيس سعد الحريري وحكومته وأكثريته السابقة، وبالتالي فإن فريق 14 آذار يسعى الى عدم الإقدام على أي خطوة من شأنها ان تمنح السلطة الجديدة التي تحمل، برأيه، بصمات الرئيس بشار الاسد والسيد حسن نصر الله، «شرعية مجانية».
يضاف الى ذلك، اعتقاد قوى 14 آذار ان حزب الله محاصر الآن في زاوية القرار الاتهامي المرشح لـ«التناسل» وإفراز المزيد من القرارات والاسماء المطلوبة للعدالة الدولية، ما يعني وفق هذه القراءة، ان الحزب سيواجه عاجلا أم آجلا المزيد من الضغوط والضربات التي ستضعف وضعيته السياسية والمعنوية، وبالتالي فلا مبرر لإهدائه «قارب نجاة» ومنحه براءة ذمة مبكرة ومجانية، عبر المشاركة في طاولة حوار تتناسب مع توقيته ومتطلباته، في حين ان الفرصة قد تكون متاحة في المستقبل ليأتي اليها بشروط الآخرين.
وما يزيد من قناعة فريق 14 آذار بأن التوقيت الحالي غير ملائم لمعاودة انخراطه في أي إطار حواري، شعوره بأن الوضع في سوريا ما زال مفتوحا على كل الاحتمالات، وسط استمرار المد والجزر في الشارع بين النظام ومعارضيه.، لذلك فإنه من السابق لأوانه بالنسبة الى هذا الفريق ان يحسم خياراته الداخلية، سواء في اتجاه الحوار او المواجهة، قبل ان تنقشع الرؤية في دمشق.
وإذا كان الكثيرون في المعارضة يفترضون ان المصلحة تقتضي ترقب مسار الأحداث في سوريا وانتظار المشهد الأخير من الجزء الجديد لـ«باب الحارة»، حتى يبنى على الشيء مقتضاه، فإن بين هؤلاء من لا يخفي رهانه، في السر أو العلن، على أن نظام بشار الأسد آيل إلى السقوط، وان معادلة جديدة ستنشأ في لبنان على أنقاضه، وحينها يمكن تصحيح موازين القوى الداخلية، وإلغاء مفاعيل انقلاب «حزب الله» وحلفائه.
لهذه الاعتبارات كلها، كبّلت قوى 14 آذار مبادرة رئيس الجمهورية بشروط مسبقة تدرك جيدا انها شروط تعجيزية تقلب الهرم رأسا على عقب، وتضرب مقومات مبدأ الحوار الذي يستوجب ان يكون جميع المعنيين به متساوين في الحقوق والواجبات، ولا يحتمل بطبيعته وتكوينه أي نوع من أنواع القيود.
ومن كان سلاح حزب الله هو مصدر قلق له، فعليه ان يدرك ان المحكمة الدولية التي وُلدت خارج إطار المؤسسات الدستورية، هي كذلك مصدر توجس للفريق الآخر، وهذا يستدعي تفهما للهواجس المتبادلة واستعدادا لمناقشتها، بعيدا عن هالة المقدسات وعن الاستنسابية في تحديد جدول الاعمال. وإلا فان الحوار الذي يلحظ مطالب فريق واحد، دون غيره، يتحول الى محاكمة وليس الى مصارحة، زد على ذلك أن «المستقبل» يطالب قبل التئام الحوار بأن يعلن الفريق الآخر التزامه بالمحكمة الدولية أولا، وبسقف زمني لانتهاء الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية ثانيا.
ولعل الأكثر غرابة في هذا التوقيت تحديدا دعوة المعارضة الى إشراك الجامعة العربية في الحوار، الامر الذي وجد فيه مصدر قيادي أكثري تجاهلا من جهة لواقع المنطقة المنشغلة بثوراتها، وإساءة من جهة أخرى الى رئيس الجمهورية، بما يعكس عدم الثقة بدوره وكونه ضمانة معنوية ودستورية. ويشير المصدر الى ان هذا الطرح يتعارض ايضا مع شعار السيادة والاستقلال الذي يرفعه «ثوار الارز»، ويوحي بان اللبنانيين ما زالوا قاصرين وعاجزين عن إدارة خلافاتهم ومعالجتها بأنفسهم.
أما موقف «حزب الله» الذي سارع الى ملاقاة مبادرة سليمان بإيجابية واضحة عبّر عنها السيد نصر الله بدعمه مبدأ الحوار من دون أي تحفظ، فهو يعكس ـ وفق قراءة أوساط حليفة له ـ واقعية سياسية تجاوزت ما يشعر به الحزب من مرارة متراكمة حيال سلوك الفريق الآخر الذي تماهي مع القرار الاتهامي حتى اتحد به، بعدما كانت وثائق «ويكيليكس» قد ضبطته بالجرم المشهود محرضا على المقاومة خلال حرب تموز.
ويقول مقربون من الحزب ان موقفه يندرج في سياق حرصه على البلد وسعيه الى التهدئة الداخلية وانسجامه مع خياره الاصلي المتحمس للحوار وثقته بمنطق المقاومة، مشيرين الى انه لم يكن جائزا رفض دعوة رئيس الجمهورية بأي حال من الاحوال، وهذا ما كان يجب ان تفعله المعارضة التي يجب ان تكف عن الرهان على الأوهام.
 

السابق
“كفى” نظمت معرض رسوم لنساء معنفات
التالي
لبنان متروك لحساباته بميزان قوى مختل