رسالة إلى المرشد السيد علي خامنئي

 طالعتنا صحف الـ17 من يوليو (تموز) بأخبار مفادها أنه بالنظر للأوضاع الاقتصادية الصعبة في سوريا نتيجة حركة الاحتجاج التي تتفاقم على النظام هناك منذ أكثر من أربعة أشهر، فإن الحكومة الإيرانية تفكر في دعم حليفها الرئيس بشار الأسد بنحو 6 مليارات دولار، منها مليار و200 مليون تدفع فورا، وربما تكون قد دفعت بالفعل، إنما البارز في الخبر، إلى جانب المبلغ الضخم، أن المرشد الأعلى السيد خامنئي يؤيد هذا التوجه ويحث عليه!
ولا أكتمك، أيها السيد الجليل، أنني روعت لهذه «المبادرة» الجديدة تجاه العرب (ومنهم الشعب السوري)، على الرغم من اختفاء الأوهام بشأن سياسات الجمهورية الإسلامية تجاهنا نحن العرب المسلمين منذ عام 2003. ففي ذلك العام غزت الجيوش الأميركية العراق، مصطحبة معها المعارضة العراقية المسلحة، آتية من إيران عبر المنطقة الكردية، وليس لإسقاط نظام صدام حسين وحسب، كما تبين خلال أسبوعين من الاستيلاء على بغداد، بل ولإنفاذ الاتفاق الثنائي (كما ذكر أحمد الجلبي وآخرون) القاضي بتفكيك الدولة العراقية جيشا وشرطة ومؤسسات وعمرانا، واجتثاث البعث. وقد بلغ من جذرية هذا العمل و«إتقانه» أنه بعد 8 سنوات ونيف على سيطرة أنصاركم على البلاد والعباد، وتهجير أكثر من 3 ملايين عراقي من إخوانكم في الدين، وقتل أكثر من مليون في النزاعات الطائفية.. نعم، بعد هذه السنوات الثماني العجاف، فإن أنصاركم القدامى يرجون من الأميركيين الغزاة البقاء وعدم الانسحاب، لعدم قدرة السلطات الجديدة على حفظ الأمن بالداخل، وحماية الحدود، ولا ندري ممن: منكم أو من الأتراك!
ولا شك، يا سيدي، أن الكارثة التي نزلت بالعراق لا تقل هولا عن تلك التي أنزلتها الصهيونية بفلسطين، وبالطبع لستم أنتم في إيران الإسلامية من اتخذ القرار بذلك، إنما بالله عليك ألا تتحملون قسطا وازنا من المسؤولية عما حصل بعد الاحتلال؟! ثم إن الأمر ما اقتصر على ذلك، على الرغم من هول ما حصل. ففي السنوات التالية على غزو العراق انتشرت بقع الفتنة والاضطراب في سائر ديار المشرق العربي، وبخاصة حيث يعيش الشيعة والسنة معا: من العراق وإلى لبنان والبحرين والكويت وحتى اليمن، ولا أدري أين وأين. وفي كل مرة كانت شكوانا ترتفع كان يقال إننا لسنا المقصودين (حتى عند الدخول إلى بيروت بالسلاح عام 2008!)، أو أنه لا يؤبه لنا، ولا فتنة ولا من يحزنون، وإنما نحن منتج إسرائيلي! وهكذا، وخلال أقل من عقد من الزمان، تصاعد توتر هائل بين الشيعة والسنة في العالم العربي ما عرفناه من قبل في الأزمنة الحديثة على الأقل، وبقعتاه الرئيسيتان العراق ولبنان، وهو شر مستطير، تتحمل جمهورية إيران الإسلامية في عهدكم ورئاسة الرئيس محمود أحمدي نجاد القسط الأكبر من المسؤولية عنه!
على أن هذا كله (ومرة أخرى على شره وأهواله) في جانب، وموقفكم مما يجري على الشعب السوري في جانب آخر. فقد وقف الشعب السوري (وليس الأسدين فقط) معكم منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979. كان الأسد الأب يحسب حساب الأدوار والعلائق بالولايات المتحدة في معاداته لصدام حسين، أما السوريون الذين نعرفهم (وبينهم قوميون متعصبون)، فما رأوا إلا أن صداما معتدٍ، وأن الإخوة في إيران معتدى عليهم منه. وعندما كان بعضنا يقول لعقلائهم بعد عام 2000: إن قصة مزارع شبعا هي مثل قصة مسمار جحا، وإنه لا بقاء للدولة اللبنانية مع تنظيم مسلح مستقل عنها، كانوا يجيبون صارخين: هذا صحيح، لكن هؤلاء الأبطال قاتلوا إسرائيل، فلماذا لا تقفون معهم كما وقفتم مع ياسر عرفات الذي ما كان النظام اللبناني يتحمله أيضا؟! وما انزعجوا أو توقفوا إلا عند الاستيلاء على بيروت عام 2008، لكنهم عزونا، وعزوا أنفسهم، بأن المرشد لن يقبل ذلك، وسيصحح الأمر بالتواصل الذي بدأ مع الملك عبد الله بن عبد العزيز! ولست أريد العودة إلى تفاصيل أحداث شهور عام 2010 فيما جرى بين الرئيس الأسد والسيد نصر الله بشأن لبنان وما تقرر من إفشال لخطط الملك عبد الله للإصلاح بين سوريا ولبنان، وبين حزب الله وسنة لبنان؛ فأنا أزعم يا سيدي أن هذا الانقلاب ما كان ليحدث من دون موافقة منكم، وشاهدي على ذلك أحداث السنوات القليلة الماضية. وإنما أريد بعد هذا الاستطراد الطويل العودة إلى سوريا وشعبها بالذات. فقد ثار السوريون على نظامهم الذي اعتقد الخلود بعد دخوله العقد الخامس من عمره الماجد. ومنذ أربعة أشهر هناك على الدوام مليون متظاهر وأكثر في الشارع. والغريب أنه منذ اللحظة الأولى – وبعد أن أشدتم بالثورات العربية في كل مكان – نعم منذ اللحظة الأولى اعتبر المسؤولون الإيرانيون أن هناك مؤامرة على نظام المقاومة والممانعة، والقائم بها وعليها الشعب السوري المدعوم من الأميركيين والإسرائيليين! ومنذ اللحظة الأولى تواترت الأنباء عن مساعدة قوية من جانب الحرس الثوري الإيراني وحزب الله لقوى النظام السوري الأمنية ضد الناس. وقد أنكر حزب الله الاتهام، بينما لم ينكر الإيرانيون ذلك، بل أصروا على الافتخار – أكثر من الروس – بالوقوف مع النظام الأسدي وليس إلى جانبه وحسب! فلماذا هذه التفرقة بين نظام عربي وآخر، وبين شعب عربي وآخر؟ هل لأن الرئيس بشار الأسد أكثر إسلاما من بن علي ومبارك، أم لأن الشعب السوري أقل إسلاما من شعوب مصر وتونس والبحرين؟! أبعد قرابة الألفي قتيل، وعشرات ألوف المعتقلين، والمهجرين بالداخل والخارج، تزفون إلى الشعب السوري بشرى منحكم لنظامه 6 مليارات دولار، لتمكين هذا النظام من الاستمرار في قتل شعبه؟ لقد قال لنا الشاعر المعروف أدونيس إن سبب شكه في ثورية الشعب السوري يعود إلى أن المظاهرات تخرج من المساجد، والذي نرجوه يا سيدي أن تقولوا لثوار الشعب السوري من أين تريدونهم أن يخرجوا للتظاهر حتى لا يعتبرهم صالحي أو جنتي من عملاء المخابرات الأميركية!
سيدي المرشد..
لا أخاطبك باعتبارك مرشدا أعلى للدولة الإيرانية وحسب؛ وإلا لسهل عليَّ الأمر. فقد كنا نحن وأنتم نشتم الشاهنشاه وننبزه بلقب شرطي أميركا في الخليج. إنما في النهاية ما اعتبر أن المصالح الاستراتيجية للإمبراطورية تتجاوز مسألة الجزر والخلاف على الحدود في مياه شط العرب. إني أخاطبك باعتبار الإدراك الذي أسبغه الإمام الخميني، قائد الثورة الإسلامية، على الولاية وعلى المسؤولية. لقد اعتبر نفسه وخلفاءه مسؤولين عن الإسلام وعن وحدة المسلمين. فماذا ستقول، يا سيدي، لرسول الله (صلى الله عليه وسلم): إذا سألك عن الخيار الذي اتخذته بين الشعب السوري المسلم ونظامه؟ وماذا ستقول له عندما تلقاه – بعد طول عمر إن شاء الله – عن العلاقات التي تركتها بين الشيعة والسنة على مدى العالم الإسلامي طولا وعرضا؟ وماذا ستقول لنبي الإسلام، عن العلاقات التي تركتها بين الإيرانيين من جهة، وإخوانهم العرب والترك والأكراد والباكستانيين والأفغان وشعوب آسيا الوسطى، وهذا فضلا عن المسلمين في المهاجر وأصقاع الأرض؟ لقد قال رسول الرحمة، صلوات الله وسلامه عليه: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه». والذي أخشاه يا سيدي أن يكون الأمران قد حصلا منكم تجاه الشعب السوري وتجاه كثير من الشعوب الإسلامية الأخرى. ولا ح
 

السابق
رحم الله أم رياض
التالي
شبعا: سجال بين البلدية والمزارعين حول أشغال نبع الجوز والجدوى منها