ماذا في جعبة 14 آذار لتهديد الحكومة؟

الوقت صيف. الشباب قرروا تمضية الإجازات في الخارج. والموضة هي هي. جنوب فرنسا، شواطئ إسبانيا وإيطاليا ومونتي كارلو. ولمن يحالفه الحظ، يخته الذي يعبر فيه البحار ويزور الأماكن كلها. الانطباع الأول الذي يمكن أن يرد في أذهان الناس، هو أن الجميع ليس لديهم عمل، أو هم متفرغون فعلاً لعائلاتهم وما شابه. لكن حقيقة السياسيين أنهم يرسلون زوجاتهم إلى التسوق مع بطاقات ائتمان مليئة، حتى لا تبدأ الهواتف بالرنين، ويرسلون الأولاد إلى الملاهي، حيث يبتعدون بضجيجهم. ثم يجلسون يراقبون الصبايا اللواتي يعبرن من دون إذن، وعلى طاولاتهم صنوف من المواضيع التي تمثّل أولوياتهم.
في ما خصنا. إن صنف السياسيين من اللبنانيين، ينتشرون أيضاً حيث يجب. والأغلبية منهم اليوم هي من فريق 14 آذار. والزعيم الرقم صفر (هل تتذكرون الشياطين الـ13؟) ليس مجهولاً تماماً كما في السلسلة البوليسية هذه، بل معلوم من رأسه حتى أخمص قدميه. وهو، حتى إشعار آخر، له اسم عربي، منحدر من الجزيرة العربية، تعلّم وتربّى في ما وراء البحار عند أبناء العم سام. يهوى حياتهم ومصالحهم. وهو يعلم أن أمامه مهمة كبرى في لبنان اليوم، تتمثل في كيفية استعادة هذه الساحة لأداء دور مركزي في مواجهة الجهة المقابلة، التي تمتد من غزة إلى بيروت، فالشام والعراق فإيران، مع اهتمام بمصر الجديدة. وليس باليد حيلة، بعد كل ما مر، سوى الفتنة السنية ـــــ الشيعية. أما ما يظنه الزعيم أنه الأداة ـــــ المفتاح، فهو المحكمة الدولية. مرة جديدة، يظهر حجم الصدمة التي أصابت هذا الفريق عندما أطاحت المعارضة السابقة حكومة سعد الحريري. كانوا ينتظرون حزب الله في الشارع، فإذا به يواجههم في مجلس النواب. هم يرون أنه لا يعترف بالدولة ولا بالأدوات الديموقراطية، فاذا به يلجأ إلى الدستور ويصنع أكثرية جديدة تطيح حكومة 14 آذار وتفتح الباب أمام حكومة جديدة، فيها تمثيل أكبر وأكثر اتساعاً، ولكنها تفتقر إلى فريق الغطاسين الذين يبحثون اليوم في وسائل التخريب والتهريب. سعد الحريري أقرّ، في مقابلته الأخيرة، بأنه كانت توجد ورقة للتفاوض بيد الوسيطين القطري والتركي. إلا أنه أخذ بنصيحة مستشار قال له إن عليه الإشارة إلى أنه كان مستعداً للتضحية من أجل الوطن. لكن وليد عبود، الذي يحتاج إلى الموضوعية أكثر مما يحتاج إليها برنامجه، وتنقصه بعض الجرأة التي تظهر على محياه فجأة في مواجهة ضيوف من 8 آذار، لم يسأل الحريري عن مضمون هذه الورقة، وعن نوعية مطالبه، وعمّا إن اقتصار حساباته على إبقاء موظفي فئة أولى وما دون داخل الدولة، والسعي إلى إقفال ملف شهود الزور وتعطيل القضاء السوري، هو كله ما يريده الوطن. ونشير، هنا، إلى أنه خلال المفاوضات التي جرت بين الرئيس نجيب ميقاتي والرئيس أمين الجميّل بشأن مشاركة الأخير في هذه الحكومة، حصل حوار بين الجميّل وأحد الذين أرادوا مساعدته في قراره. قال له الجميّل يومها: أصلاً سعد لا يهتم لغير مصالحه. حتى إن ما طلبه خلال المفاوضات مع القطريين والأتراك اقتصر على جماعته وعلى ما يخصه هو من دون أي أحد آخر. (ربما، بل يحق، للرئيس الجميّل نفي هذا الكلام الآن).
وليد عبود نسي أن يسأل الحريري عمّا إذا كانت مصالح لبنان تتحقق في بقاء أشرف ريفي ووسام الحسن وسعيد ميرزا في مناصبهم، بينما هو يوافق على إلغاء المحكمة الدولية. ونسي أن يسأله بلسان جمهور «ثورة الأرز» عمّا إذا كانت أحلامهم ستتحقق إن هو قرر الإقرار بشرعية السلاح مقابل الإقرار بخطته لإدارة وزارات البلاد الأساسية. كذلك نسي وليد عبود أن يسأله عما إذا كان حفظ السيادة والحرية والاستقلال يكمن في تعهد حزب الله له بمنع عودة شربل نحاس إلى الحكومة.
طبعاً، ما أحبط وليد عبود وبعض المشاهدين، أنّ الحريري لم يقدم برنامج عمل كما وعد فارس سعيد، ولم يعلن خطته للتحرك بغية إسقاط الحكومة. ربما كان كثيرون مقتنعين بأن سعد الحريري يتحكم في سفر السعوديين والخليجيين إلى لبنان في فصل الصيف، وهم لا يعرفون أن سعد أمضى شهرين في السعودية يلاطف فلاناً ويراضي الآخر، ويتودد إلى الملك ومساعديه، لمعالجة جزئية ومرحلية لمشكلة الاستدانة الكبيرة التي تواجه شركته الأم «سعودي أوجيه». لكن ما لم يتذكر وليد عبود أن يسأل الحريري عنه: هل التظاهرات التي وعد بها، هي من صنف التظاهرات نفسها التي خرجت في يوم الغضب بقيادة العلامة الجليل وسليل الصحابة محمد سلام؟ أم أنه مقتنع بأن أهل رأس بيروت سيزحفون إلى فردان للاعتصام أمام منزل رئيس الحكومة؟
ما هو مهم، الآن، الإشارة إلى أن الفريق المكسور الخاطر الذي يراهن على المحكمة (ومفاجآتها على الطريق هي أيضاً)، ينتظر خلال عطلته الصيفية أن يبلغه الزعيم الرقم صفر بخطة العمل للمرحلة المقبلة. وهي خطة تقوم على انتظار تطورات إضافية في سوريا من جهة، وعلى ضرورة رفع مستوى الاستفزاز في الشارع وغيره من جهة ثانية. وجل ما يأمله هؤلاء، تحقيق مستوى من التوتر يقود، في رأيهم، إلى مفاوضات تعيد الشاب المفجوع إلى السرايا الكبيرة. ولأن هذا لن يحصل، من المؤسف القول مبكراً إن الشياطين الـ13 (بعدما غادرهم وليد جنبلاط ليُشغَل في معركته مع آل أبو الحسن) سيصلّون ليل نهار، لحرب إسرائيلية جديدة… أبشر!

السابق
ربيع العرب ينتظر مصر
التالي
جنبلاط يدعو لتنفيذ عاجل للإصلاحات التي وعد بها الأسد