اللعبة أكبر من الحريري

يا لها من مصادفة غريبة: الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري، الصامت منذ أشهر، يقرر الكلام في 12 تموز، ذكرى مرور خمس سنوات على اندلاع الحرب التي هزمت المقاومة في نهايتها الجيش الإسرائيلي الذي يُعتبر واحداً من أقوى الجيوش في العالم.

بالطبع لم تحفز المناسبة الحريري الشاب الذي أُخرج من السلطة حديثاً، للحديث عن بطولات المقاومة وصمود مقاتليها الأبطال 33 يوماً، تصدوا خلالها للدبابات والمدرعات، وطاردوا فلول العدو بعدما قاتلوا جنوده في القرى والدساكر، وحالوا دون تحقيق هدفه: القضاء على المقاومة وتجريد «حزب الله» من سلاحه.

بل هو خصص المناسبة للكلام على «حزب الله» واتهامه بأنه يقف وراء اغتيال والده رفيق الحريري، وأن السلاح الذي قاتل به المقاومون العدو يجب ان يُنزع من المقاومة، بحيث يتحقق بالسلم ما عجزت إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة عن تحقيقه بالحرب. هذه الحرب التي كانت نقطة تحول مهمة في الواقع الاستراتيجي في المنطقة، إذ جعلت «حزب الله»، بعد انتصاره على الجيش الإسرائيلي الذي كان يعتقد، حتى تموز 2006، انه لا يُهزم ـ جعلت منه رقماً صعباً في الصراع العربي ـ

الإسرائيلي، وليس في المواجهة بين لبنان وإسرائيل فحسب. فاعتبر مذ ذاك قوة إقليمية، وليس تنظيماً «إرهابياً» مسلحاً في جنوب لبنان يمكن القضاء عليه بسهولة.
ويشهد على أهمية المقاومة والوجود المسلّح لـ«حزب الله» في الجنوب، القرار 1701 الذي صدر في 14 آب 2006 اثر توقف العمليات العسكرية في الجنوب، وانسحاب الجيش الإسرائيلي إلى ما وراء الحدود، ورفع عديد القوة الدولية هناك إلى ما يقارب 15 ألف جندي من أجل حماية إسرائيل الدولة الأقوى في المنطقة عسكرياً، من «حفنة» من المقاومين المؤمنين.

وإذ اعتبرت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان إحدى أدوات تصفية الحساب الإسرائيلي ـ الأميركي مع المقاومة في لبنان، على خلفية هزيمتهما في حرب تموز، فإن كل كلام للرئيس الحريري والفريق الذي ينتمي إليه حول المقاومة و«حزب الله» والسلاح الذي هو في حوزتهما يصب في اتجاه واحد هو ان يتحقق بالقضاء الدولي المسيّس لإسرائيل وأميركا، ما فشل هذا الثنائي في تحقيقه في حرب تموز. وإن الرئيس رفيق الحريري الذي فُجع اللبنانيون جميعهم باغتياله، قد تحول، ويا للأسف، مادة للاستغلال والانتقام، في ما وصفه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي يُعتبر في نظر عائلة الشهيد أشد المخلصين لذكراه، انها أدخلت نجله سعد في «لعبة أمم» جهنمية هي أكبر منه وممن هو أهم منه.

ومهما «تمسكن» الرئيس سعد الحريري، بعدما شكك في نقاوة نية الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، وفي صدقية الرئيس السوري بشار الأسد، وادعى انه كان مستعداً «للتضحية والعض على الجرح الشخصي»، فإنه لا يستطيع الاختباء وراء إصبعه للقول إنه في ما وافق عليه من صيغة «س ـ س» السعودية ـ السورية، ثم الصيغة التركية ـ القطرية التي أشار إليها نصر الله أخيراً، لم يكن يغامر بدم والده ودماء سائر الشهداء الذين سقطوا بعد الاغتيال، عندما وافق على معادلة البقاء في السلطة بشروط تحوي «أفضليات» إضافية بالنسبة إليه.

لقد دخل الحريري الابن في اللعبة الجهنمية مع الأميركيين في موضوع المحكمة، وأوحى للأسد ونصر الله انه مستعد للمسامحة والقبول بالصيغة المعروضة عليه، شرط اعتراف «حزب الله» بتورط عناصر قيادية منه في جريمة الاغتيال، الأمر الذي رفضه نصر الله على نحو مطلق. وهكذا بدا الحريري ساذجاً مجرد أداة لإيقاع «حزب الله» في فخ قصد به تشويه صورته عربياً وإسلامياً. وهو ناور كسباً للوقت في انتظار تحديد موعد مناسب للقرار الاتهامي بحيث يصيب «حزب الله» وسوريا معاً.
ولم يتورع عن محاولة خداع الرئيس الأسد الذي قبل المصالحة معه، واستضافه وقدم إليه فراشاً دافئاً، وأظهر له عطفاً وثقة صادقة في الزيارات الخمس التي قام بها إلى دمشق و… إلى ان كان ما كان فانكشف وسُحب البساط من تحت قدميه، بعدما جهر الأميركيون برفـــضهم أي تســوية حول المحكمة، مؤكدين ان الفيــصل هــو القرارات الاتهــامية.
لقد دفع الرئيس سعد الحريري ثمن دخوله في لعبة خداع دولية ففقد مُلكاً لم يحسن المحافظة عليه.

وسواء قُطعت للحريري بطاقة ذهاب فقط، أو بطاقتا ذهاب وإياب، فإن العودة لن تكون في نظر اللبنانيين، بظلم أبرياء، أو بعرقلة حكومة جاءت لخدمة الناس، ولتعويض الإهمال الذي لحق ببلدهم وبمصالحهم إبان «العهود الحريرية»، فضلاً عن سد مسارب إهدار المال العام.
وكم يبدو سخيفاً قول الحريري إن هدفه إسقاط حكومة لم يُعرف بعد خيرها من شرها!

السابق
العلم اللبناني يحطّ في بنت جبيل
التالي
مروان شربل: عدم وجود معلومات مؤكدة بسبب السرية التامة الموجودة في الاجراءات المتبعة