لبن وسِتْميت لبن!

 في الربع الأول من هذا القرن، وبسبب تفشي الأمية كان الشخص الذي يعرف القراءة والكتابة يعتبر ذا شأن وما يجعله يحمل لقب الشيخ ويقال عنه إنه صاحب (معرفة). وصاحب المعرفة هذه كان يستغلها في كسب معاشه وترتيب أموره من كتابة رسائل وأحجيات وتعاويذ وتدبيج كتب محبة وبغض وحبل، وفك عقدة متزوج حديثاً، وبعقد لسان الوحش عن حيوان ضائع أو ضال، وفي الصيام والصلاة عن ميت قصَّر في أدائهما أثناء حياته ففاتته سنون من هذا أو أشهر من ذاك، أو السير في حاشية أحد علماء الدين ومشاركته بما تيسر من أموال المؤمنين، أو قراءة عزاء الإمام الحسين، عدا عن رواج سوقه عند بعض الأرامل وعند النساء اللواتي في رجالهن عجز جنسي، وتزاحمهن على نيل بركاته الفوقانية والتحتانية حتى أن الأرملة كانت إذا صادفت أحد هؤلاء كانت تتأكد أن الواقعة ستقع وذلك أثناء مرافقته في طريق أو الالتقاء به في خلوة. ومرة رافقت امرأة أحد هؤلاء المشايخ وفي نفسها ما في نفسها ولكنه خيَّب أملها رغم محاولاتها المبطنة فضاق صدرها منه وقد أصبحت في آخر الطريق فسألته بانفعال وغيظ: يا شيخنا كيف يعرف الحمارة أن الحمار بدّها هاك الشغلة؟ فأجابها ببراءة: من رائحتها! فقالت له غاضبة: وجعة تاكل لحيتك شو كنّك مزكوم؟! وكان أحد أصحاب (المعرفة) من قرية حولا واسمه السيد عبدالله قاسم ينحو منحى آخر ولا يريد أن يكسب عيشه إلا من المال الحلال ومن عرق الجبين فامتهن الفلاحة والزراعة واقتنى مع ما اقتنى من حيوانات بقرة حلوباً مدرارة. ولكن لسوء حظه كان متزوجاً من امرأة صارمة لا تدعه يأكل ويلبس ويتصرف إلاَّ حسب رأيها. ومرة طبخت مجدرة وأراد هو أن يأكل على المجدرة لبناً واللبن أفاضت عليهم البقرة منه الشيء الكثير. ولكن لم يجرؤ على طلب ذلك صراحة، فقال لها ملمحاً: بدّها! فقالت له وماذا بدّها؟ فشمَّر عن ساقيه وقفز خارج باب البيت وولى هارباً وهو يقول: بدّها لبن وستميت لبن! ويقال إنه غاب عن بلده منذ تلك الساعة بضعة أشهر خوفاً من عقابها على طلبه ولم يعد إلى بيته إلا بعد أن تأكد من صدور العفو عنه.
ومن سوء حظ هذا الشيخ الطاهر الذات أن زوجته لم تمت ليشفي غليله من أكل المجدرة مع اللبن بل هو الذي انتقل إلى رحمته تعالى قبلها وبقيت حسرته في قلبه وكم حسرات في نفوس كرام!

السابق
المراسلة نصف المشاهدة
التالي
القومي نفى ما نشرته “البلاد” السعودية: افتراء ضد قوى المقاومة