لا تلوموا الصحافيين فالمسألة تجارية

ربما لو لم يملك روبيرت ميردوخ إمبراطورية إعلامية هائلة لكان قد غرق شخصيا ومؤسساتيا بسبب أزمة صحيفته، فضيحة صحيفة الفضائح «نيوز أوف ذي وورلد». قبرت الجريدة يوم الأحد الماضي بعد أن عاشت 186 عاما دفنت خلالها الكثير من الشخصيات العامة بأسلوب الفضح والتشهير.

فخصومات، وخصوم، ميردوخ لا حصر لها، بعضها سياسي ضد مواقفه وبعضها شخصي، إنما نظرا لمؤسساته لا أحد ينوي ملاحقته. قنواته لا تزال تتحكم عمليا في نصف الإعلام السياسي في الولايات المتحدة مثل «فوكس»، وفي بريطانيا عبر «سكاي»، إلى جانب سلسلة من المحطات والصحف المختلطة التي يمتلكها.

لا تقللوا من أهمية فضول العامة، وحبهم لمعرفة الأسرار، واستعدادهم لدفع الثمن كل صباح لقراءة الفضائح. وإن أردتم معرفة سر الإعلام الناجح تجاريا وشعبيا فستجدونه في الإدمان، إدمان المستهلكين على أخبار الغير، مثل النميمة المنزلية. ويستحيل في عصر المعلومات، وغلبة مفهوم الشفافية، منع النشر مهما كانت السلطة؛ محاكم أو شرطة.

الإعلام اليوم تجارة مربحة، مثل تجارة الأحذية والأدوية والزينة والحيوانات الأليفة. صحيفة يومية مثل الـ«صن» البريطانية تبيع خمسا وعشرين مليون نسخة في الأسبوع تدر على مالكيها ملايين الدولارات، من الطبيعي أن تخاطر بنشر المزيد من الغسيل القذر ما دام يرفع المبيعات ويزيد من المكاسب

المشكلة أن هذا الغول، كما سماه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، يكبر ولا يدري أحد كيف يمكن تقييده. فالقوانين، والمحاكم، ومجالس الآداب العامة فشلت في وضع حد للغول الإعلامي. وقد رفعت المحاكم الغرامات إلى ملايين الدولارات ضد الصحف المخالفة لكن أرباحها صارت تزيد عليها بملايين أكثر. والذي احتفل بدفن عجوز صحف الفضائح ينسى أنه ما دامت في العالم فضائح ستبقى صحف النميمة في المقدمة.

وإذا كان ميردوخ قد تعجل في إقفال صحيفة الفضائح الأسبوعية هذه فإنه احتفظ باليومية سيدة صحافة الفضائح البريطانية الـ«صن». وهذا ما يجعل خصومه يفكرون مرتين قبل الهجوم عليه، صحفه لا يزال لها تأثير هائل على تفكير عامة الناس وقراراتهم.

الذي يعتقد أن إغلاق صحيفة شعبية سيردع صحافة الإثارة هو مخطئ. فبعد مقتل أشهر أميرة في تاريخ بريطانيا وأكثرهن شعبية، ديانا، ظن الكثيرون أنها نهاية صحافة الإثارة، على اعتبار أن الصحافة هي التي تسببت في قتلها عندما طارد المصورون سيارتها. كانت الأصوات الغاضبة ضد الصحافيين والمصورين آنذاك تنبئ بمحاسبة صحافيي الإثارة، لكن المتهمين طأطأوا رؤوسهم للريح لبضعة أسابيع، وشاركوا في اللطم في جنازة الأميرة الراحلة، ثم عادوا إلى مهنتهم بقوة أكثر من السابق

السابق
العرب وإيران.. مرة أخرى!
التالي
فائض الحكمة