خريطة طريق لاتّهام حزب الله باغتـيال الحريري

منذ عام 2005، قبل أن تُثار مسألة اتهام حزب الله باغتيال الرئيس رفيق الحريري في التحقيقات الجنائية، كان سياسيون ودبلوماسيون يشيرون في اجتماعاتهم السرية بأصابعهم نحو حزب الله: نفّذ عمليات الاغتيالات السابقة، ويعدّ العدة لقتل من بقي على قيد الحياة!

لا مفاجآت لكل من اطّلع على وثائق ويكيليكس قبل صدور القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وقبل نشر دير شبيغل مقالها الشهير. فأصابع الاتهام كانت موجهة الى حزب الله قبل انتهاء التحقيق الجنائي. وأسهم دبلوماسيون فرنسيون ووزير العدل اللبناني السابق والمدعي العام الدولي في رسم خريطة الطريق لاستهداف الحزب قضائياً. أما الرئيس سعد الحريري، فتمسّك بربط حزب الله بتنظيم القاعدة.

نقطة البداية: «المشكلة الجوهرية»

أشارت إحدى البرقيات الدبلوماسية الصادرة عن السفارة الأميركية في باريس، بعد أشهر قليلة على اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 (البرقية الرقم 05PARIS6067 تاريخ 8 أيلول 2005) إلى توجه فرنسي إلى اعتبار حزب الله جزءاً من «المشكلة الجوهرية»، وذلك قبل بروز أصابع الاتهام لعناصر من الحزب بالضلوع في جريمة اغتيال الحريري، إذ ورد في البرقية التي ضمت محضر محادثات بين نائب وزير الخارجية الأميركي دنيال فرايد ونظيره الفرنسي جان فرانسوا تيبو: «بحسب وجهة النظر الفرنسية، يدخل لبنان مرحلة خطيرة جداً بحيث، حتى الآن، إن التقدم كان سهلاً نسبياً، والآن نحن نقترب من المشكلة الجوهرية التي تتضمّن سوريا وايران وحزب الله».
وساعد يومها نائب رئيس مجلس الوزراء السابق الياس المرّ القوى الغربية على تثبيت ذلك عبر إبلاغه نائبة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى اليزابيت ديبل، والقائم بالأعمال في السفارة الأميركية في بيروت كريستوفر موراي (البرقية المنشورة أدناه) أن حزب الله يسعى إلى اغتياله بطلب من سوريا.

ملاحقة مغنية قبل عدوان 2006

ناقش السفير الأميركي في بيروت جيفري فيلتمان خلال اجتماعه بوزير العدل اللبناني السابق شارل رزق والقاضي شكري صادر طلب وزارة العدل الأميركية تسليمها «الإرهابيين الأربعة: محمد علي حمادة وحسن عزّ الدين وعلي عطوى وعماد مغنية، المسؤولين عن خطف طائرة الـ «تي دابليو آي 847» في ثمانينات القرن الماضي» (البرقية الرقم 06BEIRUT1001 تاريخ 30 آذار 2006). «قدّم رزق الى السفير مستنداً أعدّه صادر والمدعي العام سعيد ميرزا وقال إنه لا خيار أمام وزارة العدل الا تقديم توصية إلى الحكومة اللبنانية برفض طلب الحكومة الأميركية. لكن رزق شدّد على أنه يعرض علينا الحجج القانونية قبل إرسالها الى وزارة الخارجية، راجياً إتلافها كما قال، معبّراً عن تعاطفهم العميق مع ضحايا خطف الطائرة.
وأضاف: دلّونا على كيفية التزامنا بطلبكم. وقال إنه سيؤجل إرسال الكتاب الى وزارة الخارجية، آملاً أن تعود الحكومة الأميركية اليه بأسئلة واعتراضات».

وفي نهاية محضر هذا الاجتماع أضاف السفير فيلتمان التعليق الآتي: «عمل رزق وصادر جاهدين لإثبات أنهما لا يعترضان طلب حكومة الولايات المتحدة تسليم الأشخاص، وأنهما يأخذان هذه القضية على محمل الجد. لسنا محامين لكننا نعتقد أن العقبات السياسية (الإرهابيون الأربعة هم أعضاء في حزب الله) هي أقوى من المبرّرات القضائية. ويسعى رزق الى المساعدة عبر إطلاعنا على توصيات وزارة العدل قبل إرسالها الى وزارة الخارجية لتنقلها بدورها الينا. وقبل أن تتحوّل تلك التوصيات الى موقف رسمي للحكومة اللبنانية يقضي برفض طلب التسليم، نحن نرحّب بوجهة نظر واشنطن لكيفية صدّ الحجج القانونية للحكومة اللبنانية».

وكان فيلتمان قد ناقش موضوع تسليم لبنان محمد علي حمادة وحسن عزّ الدين وعلي عطوى وعماد مغنية الى السلطات القضائية الأميركية مع رئيس مجلس الوزراء آنذاك فؤاد السنيورة (البرقية الرقم 06BEIRUT304 تاريخ 2 شباط 2006) في السرايا الحكومية في الأول من شباط. وجاء في نصّ البرقية «على الرغم من الأزمة المستمرّة حول انسحاب الوزراء الشيعة من الحكومة، أخذ النقاش بشأن طلب الحكومة الأميركية المتعلّق بالتعامل مع الفارين من العدالة محمد علي حمادة وحسن عزّ الدين وعلي عطوى وعماد مغنية أولوية على الأمور الأخرى»

وأضافت البرقية إن «رئيس الوزراء يرافقه كبير مستشاريه محمد شطح، الذي كان قد استقبل والدة روبرت ستيثيم عندما كان سفيراً في واشنطن معبراً لها عن تعاطفه معها بعد مقتل نجلها،
شرح للسفير أن الحكومة ستقوم بكل ما تستطيع للالتزام بالطلب الأميركي، لكن يجب احترام القانون اللبناني. وطلب السنيورة أن تتفهم الحكومة الأميركية الحقائق السياسية في لبنان خلال هذه المرحلة. وأفاد أنه يعتقد أن لا شيء أفضل بالنسبة إلى الرئيس بشار الأسد، والعناصر المتشدّدة في حزب الله والمجموعات الفلسطينية الرافضة، من أن تؤذي قضية حمادة العلاقات بين الولايات المتحدة وحكومة السنيورة الإصلاحية».

يذكر أن البرقية الرقم 07STATE29082 تاريخ 8 آذار 2007 الصادرة عن وزارة الخارجية الأميركية في واشنطن أشارت في ما بدا تعميماً على جميع السفارات الاميركية إلى أنه «إضافة الى الإشارة الحمراء الصادرة عن الانتربول التي يجري اعتبارها حالياً، فإن إشارتين حمراوين أخريين صدرتا بحق الإرهابي في حزب الله عماد مغنية. فهو مطلوب في الأرجنتين لتفجيره السفارة الإسرائيلية عام 1992 في بوينوس آيرس، وفي الولايات المتحدة لدوره في خطف الـ «تي دبليو آي رحلة رقم 847 عام 1985والقتل المرتبط به».

اغتيال وسام عيد: صناعة الاتهام

كشف المدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري دنيال بلمار (الذي كان يشغل يومها مركز رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة) لمسؤولين في السفارة الأميركية في بيروت في 31 كانون الثاني 2008 (برقية تنشرها «الأخبار» خلال الأيام المقبلة) معلومات عن التحقيق الذي يقوم به. فقال ملمحاً الى ضلوع حزب الله في الجريمة إن «عيد (الضابط الذي اغتيل في كانون الثاني 2008) كان معنياً بتحليل الاتصالات المرتبطة باغتيال الحريري والاغتيالات الأخرى وبأنشطة حزب الله، وقال بلمار إن الهجوم يؤدي إلى نظريتين: محاولة صدّ تقدم عمل المحكمة، أو لمنع الحكومة اللبنانية من التحقيق بشأن حزب الله. وفي الحالتين، قال بلمار، إن اغتيال عيد أظهر أن القاتلين يقومون بعملية التفاف، وعلى لجنة التحقيق الدولية أن تستجيب لهم عبر تأقلم طريقة عملها مع ذلك».

وخلال العام نفسه أسهم وزير العدل اللبناني آنذاك شارل رزق في تكريس توجيه أصابع الاتهام الدولية باتجاه حزب الله. ففي نصّ البرقية الرقم 09BEIRUT837 تاريخ 4-6-2008 ورد محضر اجتماع بين رزق والسفيرة الأميركية في بيروت ميشال سيسون قال خلاله رزق «بلمار يعيش في حصن محمي خارج بيروت، خلافاً للمدعي العام اللبناني في هذه القضية (جريمة اغتيال الحريري) سامي (المقصود سعيد) ميرزا، الذي وصلته تهديدات شخصية محدّدة من حزب الله».

أما وليد جنبلاط، فكشف للسفيرة سيسون (البرقية 08BEIRUT490 تاريخ 8-4-2008) أن «لجنة التحقيق الدولية المستقلة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري تلقت ضربة قاسية جداً». وشرح أنه «بحسب معلومات حصل عليها من مدير استخبارات قوى الأمن الداخلي العقيد وسام الحسن مساء أمس، فإن وسام عيد، الذي عمل مع الحسن، واغتيل في 25 كانون الثاني، كان قد اكتشف منذ عام ونصف عام، رابطاً بين عبد المجيد قاسم غملوش وشبكة تتألف من 17رقم هاتف خلوي، وإن رئيس لجنة التحقيق الدولية السابق سيرج براميرتس لم يتصرّف وفقاً لهذه المعلومات».

وتابع جنبلاط «في كانون الثاني 2008 بعد تولي دنيال بلمار رئاسة لجنة التحقيق، التقى عيد وقتل هذا الأخير بعد مرور أسبوع على ذلك». وأضافت سيسون هنا إشارة جاء فيها «مصادر لجنة التحقيق الدولية أكدت لنا أن عيد التقى بلمار قبل أسبوع من مقتله». وختمت الفقرة في المحضر ذاكرةً «أن اغتيال القيادي في حزب الله عماد مغنية بعد أسبوعين أدى الى اقتناع جنبلاط بأن هناك رابطاً بين غملوش ومغنية إذا كان غملوش ما زال على قيد الحياة».

الحريري يربط حزب الله بالقاعدة

وصف الرئيس سعد الحريري اجتماع جامعة الدول العربية في 24 شباط 2008 بأنه «من دون فائدة» خلال لقائه السفيرة سيسون يوم 25 شباط 2008 (البرقية الرقم 08BEIRUT302 تاريخ 26-2-2008)، لكن اللافت في كلام الحريري أمام سيسون يتعلّق بحزب الله، إذ ورد في نصّ البرقية أن «سعد قال إنه لا يعرف الى أي حدّ سيؤثر اغتيال القيادي العسكري في حزب الله عماد مغنية في العلاقات السورية الإيرانية، لكنه يعتقد أن حزب الله سيردّ بطريقة ما على اسرائيل. فحزب الله أرسل إليه إشارات بهذا المعنى، إضافة الى تصاعد نبرة الخطاب النمطي. وكشفت التصاريح الأخيرة الصادرة عن القيادة العامة الإيرانية طبيعة العلاقة المتقدمة بين إيران وحزب الله والقاعدة، التي كانت ضالعة في الهجوم على أبراج الخُبر عام 1996. وكرّر الحريري أن الإيرانيين والسوريين ضالعون بعمق في القاعدة، ثم سأل لماذا يحقّق السوريون بمن قتل مغنية، ولا يحققون في كيفية قتله على الأراضي السورية؟».

ويتابع نصّ محضر اجتماع سيسون بالحريري بذكر أن «حزب الله يدخل بيوت الناس في لبنان، ما يؤدي الى حوادث أمنية، ويجبر سعد على استخدام جميع أبناء شعبنا في تيار المستقبل للسيطرة على الصدامات. وقال سعد بعدما أظهر بعض الصور الفوتوغرافية، إن مقارّ تيار المستقبل أصيبت بـ300 رصاصة خلال حادث وقع يوم 11 شباط ولم تنقل وسائل الإعلام وقائعه. إن حزب الله يُعدّ شيئاً ما، كما حذّر سعد. وأشار الى أن السفير الإيراني ألغى اجتماعاً مقرراً مسبقاً معه قبل أسابيع قليلة، بعدما هاجم سعد ايران في أحد خطاباته. وأضاف سعد إنه سيلقي قريباً خطاباً سيستخدم فيه نفس القساوة بحقّ إيران».

السابق
بيضة عِملاقة في كوكبا
التالي
آيلاند الاسرائيلي : الخطأ هو بضرب حزب الله فقط.. لبنان كله عدو