…وأشرف ريفي يطارد حزب الله !!

أسبوع حافل. وزير الحرب الإسرائيلي يبشّر بأنّ المحكمة الدوليّة (المُنزّهة دينيّاً) ستهزّ لبنان. هيلاري كلينتون تصدر بياناً تجزم فيه بأنّ المحكمة حياديّة (وهي ترى في الصهاينة الأميركيّين جهة حياديّة للنظر في صوابيّة الموقف الأميركي من الصراع العربي الإسرائيلي). مروان حمادة يدافع عن أنطونيو كاسيزي، ويضيف أنّ خدمات الأخير للقضيّة الفلسطينيّة فاقت خدمات جورج حبش. (وحمادة هذا صاحب «إنجاز» وحيد في وزارة الاتصالات: تجميع معلومات وخرائط عن شبكة اتصالات المقاومة وتقديمها لجهة… حياديّة طبعاً). أما محمّد كبّارة وخالد ضاهر فهما ينتميان إلى عصر التنوير ـــــ الوهابي. وعقاب صقر يؤكّد لمن يقلق على غياب سعد أنّ الأخير يتابع أخبار لبنان من يخته الخاص (أو طائرته الخاصّة). يعني لبنان (وآل سعود) في القلب واليخت والطائرة الخاصة.

المؤامرة مستمرّة. الفصل الآخر من مؤامرة إسرائيل على كلّ مقاوماتها (علمانيّة كانت أو إسلاميّة) تتجلّى في القرار الاتهامي. السعي المحموم إلى إنهاء مقاومات إسرائيل تسارع بعد مقتل ياسر عرفات الذي ـــــ رغم أخطائه وخطاياه ـــــ كان يرفض التنازل المُطلق والمجّاني عن حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال. لكن السعي الإسرائيلي المحموم تكثّف بعد 2006: ها هي إسرائيل تتمتّع بأكبر درجة من تبنّي أميركا الوحشي لجرائم حربها على لبنان، على أن تتخلّص كليّاً من حزب الله. أرادت أن تكرّر ما فعلته في 1982 عندما قضت على الحركة الوطنيّة اللبنانيّة، فردّ زعيمها آنذاك باستقبال شمعون بيريز في قصره المنيف. فشلت إسرائيل في 2006.

لكنّ الخسارة الإسرائيليّة الكبيرة التي لا تعوّض لم تكن في خسارة الجنود أو العتاد فحسب، أو حتى في الخسارة المعنويّة جراء تقارير عن فرار جنود العدوّ مذعورين من أرض المعركة. لا، إنّ الخسارة الكبرى كمنت في القضاء على الخوف العربي من الجندي الإسرائيلي. هذا الخوف طبع السلوك العسكري العربي منذ 1948. كل المواجهات العربيّة مع العدوّ تأثّرت بهذا الخوف (المزروع عبر حروب نفسيّة متوالية). كلّ المواجهات المستقبليّة مع إسرائيل، من أي طرف عربي كان، ستكون مختلفة. حتى غزة المحاصرة، رغم تدنيّ المستوى القتالي لحركة حماس (ويجيد مسؤولوها العسكريّون التبجّح والمبالغة والبهورة على طريقة ياسر عرفات)، استطاعت أن تصمد أمام آلة الوحشيّة الإسرائيليّة في 2008. لن يفرّ العرب مذعورين أمام الجندي الإسرائيلي بعد اليوم (طبعاً نحن لا نتكلّم عن فهود الطريق الجديدة أو فهود قوى الأمن الداخلي). هذا العامل النفسي الهام هو الذي أقلق وليد جنبلاط (في واحدة من وثائق ويكيليكس). كان على إسرائيل السعي وراء وسائل مختلفة للنيل من مقاومة إسرائيل في لبنان. وكان رفيق الحريري يسعى بشتّى الوسائل كي يريح إسرائيل من حركة المقاومة في لبنان.

لكن الحريري فشل في المهمّة، أو لنقل إنّ مهمته انتهت قبل إنجازها. كان يقضي الليالي الطوال في حوارات مع حسن نصر الله، فيما كان يعدّ العدّة للقرار الإسرائيلي 1559. لكن مسار الصراع السياسي تتحكّم فيه عوامل لا تتوافق مع مشيئة المخطّط.

هناك، مثلاً، مفارقات في التاريخ تؤثّر على المجرى السياسي. كان يمكن وارث رفيق الحريري أن يكون ذكيّاً أو عالماً أو سياسيّاً محنكّاً. كان يمكن محمّد كبّارة أن يتمتّع بشيء من الجاذبيّة أو الكاريزما كي يصل إلى مبتغاه في تحقيق الفتنة. كان يمكن باسم السبع أن ينافس حسن نصر الله في الزعامة الشيعيّة. وكان يمكن سامي الجميّل أو نديم الجميّل أو فريد حبيب أن يعيشوا في زمن تكون لصولاتهم فيه على المنابر منفعة (لهم وللمشروع الإسرائيلي في لبنان). لكن كلّ ذلك محال. ولفريق 14 آذار ترسانة لا يُستهان بها: 1) مال سعودي وحريري وافر. 2) دعم إسرائيلي ـــــ أميركي فاعل. 3) إقبال على تأجيج الفتنة المذهبيّة بأمر سعودي وحماسة حريرية. 4) غباء إعلام الخصم وتقصيره ورداءته.

و14 آذار تكاد تنهض من كبوتها، بسبب صدور القرار الاتهامي رغم غياب سعد الحريري (ويقول مؤيّدوه ـــــ من دون خجل ـــــ إنّه غائب بسبب تقارير مجهولة أو صحافيّة عن خطط لاغتياله. أي زعيم هذا الذي يفرّ مذعوراً من بلاده لوجود مخطّطات اغتيال؟ هل يفرّ الرئيس الفرنسي أو الغاني أو الجزائري من بلاده مذعوراً، فور تلقّيه تقارير عن خطط لاغتياله؟ لو كان هذا هو السائد، لخلت معظم الدول من زعمائها). أليست المخاطرة جزءاً من الثمن الذي يدفعه (أو تدفعه حتى لا ننسى جلبيرت زوين) من يخوض غمار العمل السياسي، وخصوصاً إذا كان يدفع بمؤيّديه في حروب وصراعات واشتباكات، كما يفعل الابن المتهوّر لرفيق الحريري؟

وتسرّبت أسماء المتّهمين إلى الصحف العالميّة، وثبت أنّ كلّ التسريبات من المحكمة عبر السنوات في الصحف الصهيونيّة كانت صحيحة، فيما كان قادة 14 آذار، ولا سيما أحمد فتفت الذي يستطيع أن يهين الحقيقة باقتناع كبير ظاهر، يصرّون على أنّ من الرعونة استعجال الحكم على عدم صدقيّة المحكمة، وأنّ المحكمة تعمل بـ«سريّة تامة»، كما طفقوا يردّدون. كل ذلك تبخّر. والذين كانوا يقسمون إنّهم لن يصدروا أحكاماً قبل أن يتبيّنوا القرائن والأدلّة بتمعّن وتفحّص شديديْن، أدانوا وطالبوا بتعليق المشانق، لمجرّد أن أصدر الرجل الصهيوني الأبيض شكوكه، لا حكمه. لا حاجة إلى المحاكمة. فريق الحريري عقد أمره وعبّأ صفوفه وصفوف مرتشيه في 14 آذار.

لكن في الأجواء ما لا يبشّر. لم يحصل أن تمتّعت إسرائيل بهذا القدر من الحلفاء والأذلّاء في لبنان. صحيح أنّ ظاهرة بشير الجميّل الإجراميّة مثّلت حالة تجسّسيّة عميلة في قلب الوطن، لكنّها تقوّضت بسرعة تحت ركام مبنى في الأشرفيّة. تعمّم التعاطف مع إسرائيل في ظلّ الحريريّة وشعارات حب الحياة… تحت نعال السيطرة الإسرائيليّة. هناك من يستنبط الخطاب الإسرائيلي عينه، في الحديث عن مقاومة إسرائيل. النسخة العربيّة من «يديعوت أحرونوت»، أي نشرة «المستقبل» السلفيّة الوهابيّة، نشرت مقالة لماجد كيّالي يطالب فيها بوقف كلّ أشكال المقاومة في فلسطين المحتلّة. طالب كاتبُها الشعب الفلسطيني بالهتاف ضد إسرائيل فقط بين وقت وآخر. هو نسق النضال الحضاري عينه الذي انتهجه السنيورة، وحرّر بموجبه مزارع شبعا، وتلال كفرشوبا، وقرية الغجر (وهناك من يسرّ أن دموع السنيورة هي وحدها ما سيجلب اللواء السليب لنا). أما الخطيب الجوّال في الأمسيات الحريريّة، محمّد سلام، فقد كتب مقالاً في موقع «ناو (وإلى الأبد) حريري» جاهر فيه بتبنّيه لقضيّة ما يُسمّى «جيش لبنان الجنوبي». دافع سلام عن عقل هاشم ورأى فيه نموذجاً للتمسّك بالأرض والوطن، واعترف بأنّه يفضّله على زميله أنطوان لحد.

نعلم أنّ إسرائيل تتحفّظ في مديحها لحليفها اللبناني مخافة الإحراج. نعلم أنّ أميركا منذ اغتيال الحريري تطلب منها، كما اعترفت صحف إسرائيليّة، دوماً التحفّظ اللفظي العلني في الموضوع اللبناني، فيما يحكّ زعماء إسرائيل رؤوسهم لاجتراح وسائل لدعم السنيورة، كما علمنا من وثائق ويكيليكس. وجماعة الحريري تتجاهل كلّ الصلات الإسرائيليّة بالمحكمة، مُصرّة على أنّها مُنصفة وحياديّة، مع أنّهم يقولون إنّ مداولات المحكمة سريّة، كما يكرّرون. وحسن نصر الله كان محقّاً هذا الأسبوع: إنّ كلّ المعلومات والوثائق التي تثبت تأثيراً إسرائيليّاً وصهيونيّاً لا تهم فريق 14 آذار.

لا يكترثون. هؤلاء لو رأوا صورة حيّة لأنتونيو كاسيزي جالساً في حضن بنيامين نتانياهو، لطلعوا بتفسيرات شتّى. لقالوا إنّه كان يسرّ في أذن نتانياهو بضرورة مساعدة الشعب الفلسطيني. أو هم يتجاهلون الوقائع ليغرقوا في التفاصيل. تلقّوا كلّهم هذا الأسبوع تعميماً حريريّاً يفيد بضرورة الإشارة إلى «يو. إس. بي» كدحض للوثائق التي أثبتت تهريب أو تسريب أو إمرار أجهزة كومبيوتر المحكمة في إسرائيل. كان واضحاً أنّ مروان حمادة وغيره لم يسمعوا بالـ«يو. إس. بي» من قبل.

ومروان حمادة عاد إلى الشاشة مظفّراً (وبصماته العنتريّة ظاهرة في عناوين جريدة «النهار» المُحتضرة). مروان حمادة تصنّع البراءة الشديدة، وزعم أنّه لم يتهم حزب الله من قبل ولم يسمع بهذا الاتهام، مع أنّنا نذكر خبريّة تجهيز السيّارة المفخّخة في مرآب في الضاحية، وهي خبريّة تُعزى إليه بعد أشهر من اغتيال الحريري. وقد ذكر جنبلاط ذلك في سنوات «التخلّي» أو «الغشاوة»، ما عدنا نذكر. لعلّ حمادة تبيّن نَفساً شيعيّاً في طلاء السيّارة. لكن هل يستطيع حمادة، الذي حمل صوراً وخرائط عن شبكة اتصالات مُعدّة فقط للمعارك مع العدوّ الإسرائيلي إلى عواصم عربيّة وغربيّة، أن يُفتي في أمر يتعلّق بالمواجهة مع إسرائيل، أو في موضوع السياسة الخارجيّة بصورة عامّة؟ هل أبقى لنفسه صدقيّة في السياسة الخارجيّة وفي المواجهة مع إسرائيل؟

(وهناك من لا يجرؤ على تذكير حمادة وآخرين في لبنان بهذه الحقيقة: إنّ التعرّض لمحاولة اغتيال لا يجعل المرء بطلاً، وإلا فإنّ أنطوان لحد يستحقّ البطولة لما تعرّض له من محاولات اغتيال. لا تجتمع البطولة مع إلياس المرّ، مثلاً). وأكّد حمادة أنّ رئيس محكمة الحريري أنتونيو كاسيزي بريء من تهمة الصهيونيّة (وهي أتت باعتراف زميل صهيوني له، في مؤتمر وثيق الصلة بالأجهزة الاستخباريّة والعسكريّة الإسرائيليّة) لأنّه… مسيحي.

هكذا ردّ مروان حمادة التهمة. لا يمكن أن يكون الصهيوني مسيحياً، وفق نظريّة حمادة، مع أنّ لبنان أسهم بعدد وافر من الصهاينة من كلّ الأديان. لم يسمع مروان حمادة بصهاينة مسيحيّين، أو صهاينة مسلمين أو دروز. إنّ التنطّح للدفاع عن المحكمة يفضح نيات مبيّتة. يركّزون على ما يرصدونه من أخطاء في سرديّة نصر الله مع التجاهل التام لمشهد غيرهارد ليمان وهو يتلقّى الرشوة.

أما عن التسريبات وعن وثائق ويكيليكس التي أظهرت مسؤولي المحكمة مجرّد موظّفين لدى السفارة الأميركيّة (كما أظهر مكتب ممثّل الأمين العام للأمم المتحدة مجرّد مخبرين لدى الحكومتيْن الأميركيّة والإسرائيليّة)، فكلّ ذلك لا أهميّة له لأنّه يعوق عمل المؤامرة الإسرائيليّة. ثم، لماذا تخضع خطب حسن نصر الله لتمحيص وتدقيق من جنود 14 آذار، مع أنّ واحداً منهم لا يتطرّق البتّة إلى خطب معادية للبنان ومُهدِّدة له من قادة العدوّ؟ لماذا لا يكلّف أحد من هؤلاء نفسه الردّ على تهديدات العدوّ؟ ثم يهاجمون من يطلق تهم التخوين؟

التعليقات الفوريّة على تسريب الأسماء كانت لافتة. جيزيل خوري دعت إلى «التفكير العميق» (لمجرّد تسريب أربعة أسماء) ثم قالت على الهواء إنّه لا أحد فعل للقضيّة الفلسطينيّة مثلما فعلت هي (هنا، حار المرء في أمره (وأمرها). هل كانت جيزيل خوري تتحدّث عن عملها في الإعلام القوّاتي خدمةً للقضيّة الفلسطينيّة؟ أم أنّها تعدّ ترويجها المواظِب لمحمد دحلان والنظاميْن السعودي والمصري في زمن مبارك قسطاً تؤدّيه لشعب فلسطين؟) ونهاد المشنوق عاد مُستأسداً من الرياض. وهو دوماً يعود من السعوديّة بشحنة وهّابية إضافيّة، ووعي مُتجدِّد للخطر السوري وخطر حزب الله. نذكر ما كتبه المشنوق من مدائح بعد حرب تمّوز، لا قبلها. وأذكر أنّ المشنوق، في المرّة الوحيدة التي التقيته بها في العام الماضي، أمضى وقتاً يحاول إقناعي بأنّني أظلم رستم غزالة، وأنّه ليس سيّئاً كما يُقال عنه. نتذكّر هنا ما نُقِل عن الأصمعي في تعريف المروءة.

جماعة 14 آذار يصرّون بغضب على ضرورة أن تلتزم الحكومة الاتفاقات الدوليّة (وهم لا يعنون بذلك القرار 425 الذي على علّاته يُلزم إسرائيل بالانسحاب من كامل الأراضي اللبنانيّة، ولا يعنون إلتزام لبنان بقرارات دوليّة تمنع التمييز والاضطهاد والاتجار بالبشر. لا، كلّ هذه الأمور لا تهم 14 آذار. ما يهم عائلة الحريري هو القرارات التي تمثّل نقطة التقاطع بينهم وبين إسرائيل، وعلى طريقة حسني مبارك، التطابق هو الذي يكسبهم محبّة واشنطن. الطرفة أنّ الفريق الذي يلخّص برنامجه بصياح وزعيق عن السيادة، يرى أن واجب الحكومة اللبنانيّة ليس الالتزام بالقوانين اللبنانيّة، بقدر ما هو الارتهان لقرارات دوليّة من تأليف إسرائيل (هل هناك من يظن أو تظن أنّ القرار 1559 أُعدَّ في يخت لرفيق الحريري؟ إسرائيل هي التي وضعت نص القرار، وقد أدخل عليه رفيق الحريري والصهاينة العرب ما ارتأوه من تعديلات في الصياغة فقط).

ونازك الحريري لم تكتف بقرار المحكمة. أعلنت أنّ هناك محكمة إلهيّة، هي «أشدّ عقاباً من أي محكمة». لا ندري إذا كانت المحكمة الإلهيّة ستستعين بسعيد ميرزا. ولا ندري إذا كان المال الحريري سيؤثّر على المحكمة الإلهيّة. فايز قزّي كان أكثر صراحة من الآخرين. قال (وقد تحدّث بالنيابة عن كل شعب لبنان): «نحن مجتمع ينحو نحو السلم مع إسرائيل». هذه هي الخلاصة. ليس هناك أبشع من نماذج مثل فايز قزّي: هؤلاء الذين كانوا في صفّ الحركة الوطنيّة اللبنانيّة عندما كانت مسلّحة، ثم عاد هؤلاء إلى صفّ الحركات الطائفيّة الحادّة في زمن الطائفيّة. تعلم انّ كان تاريخ هؤلاء كاذباً: كان قزّي من العلمانيّين القريبين من حزب البعث، ثم انتقل إلى صف أقصى اليمين الطائفي. وكل ذلك برشاقة وعفويّة وبراءة. وحتى الصامت، بهاء الحريري، أدلى بدلوه. وبعدما تبرّع بمبلغ من المال للـ«أتلانتك كاونسل»، أصدر تحليلات عن الوضع العربي جاء فيها أنّ صدقيّة أميركا تزداد في العالم العربي رغم الوضع الفلسطيني. كم نُكب لبنان بهذه العائلة، من صغارها حتى كبارها والحاشية.

وبيان اجتماع البريستول جعل من قضيّة المحكمة قضيّة القضايا. إسرائيل لم تتوقّف عن إصدار تهديداتها ضدّ لبنان بصورة أسبوعيّة، لكن كلمة إسرائيل لا تأتي في بيانات 14 آذار، إلا من باب رفع العتب. والدفاع عن إسرائيل وتبرئة إسرائيل ـــــ حتى من جرائم حربها في 2006 ـــــ دخلا في صلب أدبيّات 14 آذار. وليس التباهي بالتهديدات الإسرائيليّة ضدّ لبنان وقفاً على موقع فارس خشّان الإلكتروني. وكلّما تقدّم حسن نصر الله باتهام ضد إسرائيل، تقوم قيامة 14 آذار ويتجاهلون الأدلّة. لكن الغرض الإسرائيلي لحركة الحريريّة في لبنان لا يتستّر البتّة: فالتشديد على ضرورة نزع سلاح أي مقاومة ضدّ إسرائيل يرد بمناسبة وغير مناسبة. والحزب لا يعرف الردّ:

على العكس، إنّ حزب الله هو أسوأ من يدافع عن سلاح المقاومة، وإن كان أبرع من يحافظ عليه. هناك من يجب أن يسأل 14 آذار: إنّ أساس سلاح المقاومة ضد إسرائيل يكمن في صورايخ الحزب، أما ما يُسمّى سلاح المقاومة «في الداخل» (وكأنّ العدوّ الإسرائيلي غائب عن الداخل، فيما وصل عميل إسرائيلي مُتهم إلى منصب نائب رئيس أركان الجيش اللبناني، أي ثالث أعلى منصب في قيادة الجيش اللبناني)، فهو لا يحتاج إلا إلى الأسلحة الخفيفة، التي يقرّ الجميع بتوافرها بين اللبنانيّين (طبعاً، إنّ حمم تيار المستقبل في طرابلس تشير إلى ما هو أفتك من الأسلحة الخفيفة). فترسانة الصواريخ لا قيمة لها في الصراع الداخلي ولا دور. أي أنّ 14 آذار لا تستطيع، مهما حاولت، أن تفصح عن سبب مطالبتها الحقيقي بنزع السلاح الثقيل الذي لا يُستعمل إلا ضد العدو الإسرائيلي. هنا، لا يبقى من الأمر إلا المنطقي: أنّ 14 آذار تطالب بنزع ترسانة حزب الله فقط لخدمة إسرائيل، وتنفيذاً لمخطّط أكبر بكثير من العائلة الحريريّة التي نكبت لبنان.

لكن المشروع المنوط بـ14 آذار يفوق قدرة 14 آذار. كان من المطلوب بعد فشل إسرائيل (الراعي الإقليمي الحقيقي لـ14 آذار) في عدوان تمّوز أن تحقّق 14 آذار، تحت غطاء الشركات الأمنيّة، هزيمة حزب الله تحت قيادة قائد الميليشيا الحريريّة، سليم دياب. وكانت النتيجة أكثر من مخيّبة للآمال. وشكا سعود الفيصل لحاكم عربي أداء ميليشيات الحريري رغم إنفاق الحكومة السعوديّة على ثلاث وجبات ساخنة يوميّاً للمقاتلين. فرّوا مذعورين، ربما لأنّ محمد كبّارة لم يكن في الميدان يومها.
اليوم، ترسم المؤامرة دوراً كبيراً جدّاً لـ14 آذار. مراسل «النهار» في نيويورك علي بردى لوّح بإنشاء قوّة عسكريّة دوليّة في حال تمنُّع لبنان عن تنفيذ أوامر الرجل الصهيوني الأبيض.

هل يظنّ بردى أنّ الأمم المتحدة ستُنشئ قوّة عسكريّة أقوى من تلك القوّة العدوّة التي شنت عدوان تمّوز في 2006؟ لكن من الممكن أن يقرّر مجلس الأمن إنشاء قوّة عسكريّة من جنود إيرلنديّين وتايلنديّين، بقيادة أشرف ريفي. عندها، يحلو التسمّر أمام الشاشة لمتابعة بث حيّ لقوّات أشرف ريفي المجوقلة وهي تطارد قوّات حزب الله في شوارع الضاحية. لا شك في أنّ هناك عقلاً متطوّراً يوكل إلى الأطراف الداخليين المضطربين مهمّات لا طاقة لسعد الحريري على استيعابها. لكن أشرف ريفي كفوء: إنّه عضو في مجلس إدارة جامعة الأمير نايف للتعذيب والتنكيل والقهر.

لكن حزب الله تأخّر في حربه على المحكمة بضع سنوات. راهن الحزب دوماً على أنّ تيّار الحريري لن يدفع بمشروع الفتنة المذهبيّة إلى الآخر. راهن الحزب على أنّ حسن نيّته نحو النظام السعودي، سيُقابله النظام السعودي بحسن نيّة مقابلة. الحزب وافق على المحكمة الدوليّة ظنّاً منه أنّ هناك ذرّة من العدالة الدوليّة.

مروان حمادة يطمئِن: يقول إنّ العدالة الدوليّة ستتفرّغ لمقاضاة إسرائيل على جرائمها، حالما تقضي على مقاومة إسرائيل في المنطقة العربيّة. مُطمئِن كلام مروان حمادة، مع أنّ مداولاته أثناء حرب تموز في وثائق ويكيليكس أظهرته حريصاً على أمن إسرائيل، لا على أمن لبنان أو المقاومة. ونجيب ميقاتي (الوسطي) يترأس حكومة لحماية المقاومة. لكن أصحاب المليارات العرب لا قدرة لهم على رفض المشيئة السعوديّة والأميركيّة، ومتى كان أصحاب المليارات من داعمي المقاومة؟

لبنان يخوض غمار أزمة ستطول. الصهيونيّة تخوض معركة النَّفَس الطويل للدفاع عن كيان لا حياة له بيننا. والحكومات العربيّة المُستبدّة تعلم أنّ إسرائيل هي خير معين لها ضد شعوبها. والحكم السعودي مرتبط بحلف استراتيجي مع إسرائيل. الحريريّة؟ سفارة في لبنان لهذا الحلف الجهنمي.

السابق
“شبّاك”: احتفال لندني بربيع الثقافة العربية
التالي
الى غسان كنفاني 2011