هل صيدا مدينة سياحية أم لا !؟

صيدا مدينة قديمة جدا، فيها تنوع في الاثار من عصور مختلفة مما جعلها مقصدا للسياح والمهتمين. ولكن هل جعل منها ذلك مدينة سياحية؟ وهل يقتصر التطوير على الحجر ام يشمل البشر؟

يروي احد اصحاب المقاهي الواقعة على الكورنيش البحري للمدينة:" تعودنا منذ فترة على وقوف باصات سياحية عائدة الى الجنوب، حيث يرتاح الشباب ويتناولون المرطبات والقهوة، وجرت العادة ان يرقصوا الدبكة ويغنون الاغاني الشعبية، لكن بعد فترة، اتجه نحوهم بعض من "أصحاب الذقون" وطلبوا منهم الامتناع عن الرقص ومغادرة المنطقة، كما علمت بعد ذلك، إنهم باتوا ينتظرون مثل تلك الباصات عند نهر الأولي وينصحونهم بعدم التوقف في صيدا، سألتهم عن أسباب تصرفاتهم، أجابوا انهم يريدون المحافظة على تقاليد المدينة وعاداتها وأنهم لن يسمحوا بمثل هذه التصرفات تحصل في هذه المدينة " المسلمة".

يعود صاحب المقهى ليروي قصة الفتاتين اللتين حاولتا السباحة بملابس البحر، فتعرضتا للإهانة والطرد من بعض الأشخاص. ليسأل: "أهكذا يريدون تطوير السياحة في البلد؟ اهكذا يطورون الخدمات السياحية ويتحدثون عن الآخر ويدعونه لزيارة المدينة؟

كزبر: "لا للافتراء على التيار الاسلامي"
يرفض عضو المجلس البلدي كامل كزبر هذه الروايات ويقول: "هذا افتراء على التيارات الإسلامية في المدينة. لم يقف التيار الاسلامي في وجه اي مشروع تحسيني او سياحي في صيدا، وهذا التيار انشأ اكبر مشروع في صيدا (4B) في الوقت الذي نشهد غياب وجود أي مسبح مثلا".

ويضيف كزبر :" ان التيار الاسلامي مع التنمية البيئية، الاجتماعية، الرياضية والتراثية. لقد شاركنا في معارض تراثية لبنانية – فلسطينية. وان ما يعيق السياحة هو المشاكل التي تزايدت مؤخرا في البلد القديمة بين الشباب الذي يتعاطون المخدرات، وخصوصا ان البلد القديمة تحولت الى ملاذ آمن لهم ولممارساتهم المسيئة للمدينة".
يعود كزبر للقول :" صيدا مدينة سياحية مئة بالمئة فهي من اقدم المدن على ساحل البحر الابيض المتوسط، لها موقع مميز على البحر وفيها الكثير من المواقع التاريخية والآثار. لكن للأسف نشعر ان الدولة تهمل هذه المناطق الاثرية. مثلا لا يوجد مكتب لوزارة السياحة، ولا مرشدين سياحيين وان الاعتماد الاساس على المبادرات الاهلية والفردية، فيما اعادة تأهيل "البلد" القديمة جاءت بلفتة كريمة من مؤسسات اهلية وبالتعاون مع البلدية لاعادة وجه المدينة التراثي والسياحي".

السياحة الملتزمة

ويؤكد كزبر وقوفه الى جانب السياحة الملتزمة عادات وتقاليد المدينة. " انا ضد السياحة المتفلتة، عندما ننظر الى المناطق السياحية الاساسية في لبنان وما يجري فيها من تعرض لمشاعر الناس واحاسيسها، نؤكد ان مدينة صيدا ترفض هذه العادات، فصيدا مدينة محافظة وملتزمة، لديها قيم يحترمها كل الصيداويين، لذلك فإن معظم المطاعم لا يقدم خمرا على موائده ليس لأنهم يواجهون تهديدا او ضغوطا، بل هو جو المدينة العام ولا ننكر وجود بعض المطاعم الذي يقدم خمرا ولا يتعرض لأي ضغط او تهديد".

وعن الحوادث التي يتحدث عنها البعض حول ممارسات افراد من التيار الاسلامي يوضح كزبر :" اعترضنا على المهرجان الذي كان سيقام في الملعب البلدي بسبب مشاركة فرقة السامبا للرقص المثير، اما حول لباس البحر، فقد طلب الشباب من الفتيات ان لا يستخدمن لباس البحر بالحسنى، لكن الفتيات رفضن ذلك وما حصل معهن ان بعض العمال تحرش بهن. اما عن منع تناول الخمور على الشاطئ فقد راجعنا القانون ووجدنا فيه موادا تمنع تناول الخمور في الاماكن العامة".

ويشير كزبر الى اهمية تحسن الوضع الامني كشرط اساس لتحسين السياحة في المدينة " واننا بصدد وضع خطط تفصيلية للحركة السياحية في المدينة".
ويختم كزبر قائلا :" تنشط البلدية بالتعاون مع جمعيات كشفية في بيروت، البقاع والشمال لدعوة روابط اهلية وعائلية لزيارة صيدا، كما طلبنا من الشبكة المدرسية اقتراح عدد من الطلاب الثانويين لتدريبهم على الارشاد السياحي، كما نتعاون مع دائرة الاوقاف الاسلامية ومطرانية الروم الكاثوليك لتطوير السياحة الدينية التي تسعى للتعريف بالمؤسسات الدينية الاثرية القائمة".

شريتح :" التناحر السياسي عامل سلبي "
ويرى عضو المجلس البلدي في صيدا المهندس محمود شريتح ان كل مقومات السياحة موجودة في المدينة " في صيدا شاطئ رملي جميل، آثار غنية، والبلد القديمة اكبر مدينة قديمة مسكونة واثرية في لبنان وهي تحوي قلعتان اثريتان برية وبحرية".

ويضيف شريتح :" لكن التناحر السياسي يشكل عاملا سلبيا في تطور المدينة السياحي وهذه مسؤولية كل القوى الموجودة على الارض، كما ان وجود تيار اسلامي محافظ يعيق تطور الدور السياحي للمدينة".

والحل عند شريتح يدور حول التعاون على وضع خطة سياحية ترضي الجميع، وهذه الخطة تقوم على تنظيم نشاط سياحي متنوع، بناء فنادق تقدم خدمات سياحية ممتازة، تنظيم مهرجانات دولية اسوة بالمدن الاخرى. وعند سؤال شريتح عن المهرجانات الدولية، يعتقد " ان اللجنة موجودة ويجب تفعيلها بطريقة افضل لعلها تلعب دورا مميزا في تطوير السياحة".

دور البلدية
ويشير شريتح الى دور "البلدية" موضحا :" ان للبلدية دورا اساسيا وهي تساهم وتدعم اي نشاط سياحي، والآن نعمل على فكرة وضع خطة سياحية وتطوير نشاط شهر رمضان ليكون للبلدية دور اكبر". ويطرح شريتح جملة من الاعمال التي تقوم بها البلدية لتطوير السياحة :" لقد نظفنا شاطئ القملة وجددنا الرمل عليه، والبلدية طرحت مشروع بناء فندق مكان فندق صيدون القديم عبر شركة مساهمة ودعونا عددا من رجال الاعمال الصيداويين للمساهمة في هذا المشروع".

ويضيف شريتح :" نحن في طور تحضير مشروع الحديقة العامة الواقعة تحت الجامع العمري الكبير وكلفة المشروع مؤمنة عبر وزارة البيئة ( 100 مليون ل.ل.)

صيدا ليست مدينة سياحية

تنفي المسؤولة في الحركة الاجتماعية سلمى السعودي ان تكون صيدا مدينة سياحية، "فوجود الكورنيش وشاطئ البحر ونشاط رمضان لا يعني ان المدينة سياحية. للسياحة مقومات يجب توفرها للسائح كي يرى اشياء تختلف عن الموجودة في بلاده، فالاهتمام بالفنادق الفخمة والابنية الشاهقة لا يجذب السائح، عندهم ما هو افخم بكثير، المطلوب تنظيم البلد القديمة وتنظيفها وتقديم الآثار بطريقة تجذب السائح".

وتضيف السعودي :" يجب ان تكون مدينة استقطاب للجميع، مثلا هناك الحمامات العمومية، كيف نعرضها للسائح وكيف نقيم مؤسسات لبيع المطرزات، المناشف، الصابون والعطور العربية بالقرب منها. وفي المقاهي تقديم المشروبات التراثية في المدينة مثل : ليموناضة، جلاب، تمر هندي، عرق السوس … بديلا عن المشروبات الغازية. وفي المطاعم تقديم الاكل التراثي الشرقي ".

وتزيد :" تشهد المدينة فورة في فتح المقاهي ولكنها تفتقد الى التخطيط والى تنمية محيطها، عدا عن مستوى الخدمة المتدني، عمال المقاهي بدون خبرة والادوات المستخدمة في المقاهي متخلفة، كذلك الاسراع بتأهيل خان الرز والقشلة القديمة وتحويلها الى سوق للحرفيين".

وتوضح السعودي :" الى جانب كل ذلك فان الامن ضروري جدا في المدينة وما تشهده البلد القديمة مؤخرا من وجود مجموعات شللية تتعاطى المخدرات، كذلك تدخل البعض بالاعتداء على الحريات الشخصية من خلال منع المشروبات او ارتداء لباس البحر، كل ذلك يمنع تطور المدينة السياحي".

وتقترح السعودي اقفال السوق التجاري ( شارع الاوقاف) وان يقتصر على المشاة واقامة مقاهي رصيف على جانبيه، كذلك تشجيع الحرف التراثية وتنظيم معارض لها. " كل ذلك ممكن ان يؤسس لمدينة سياحية بامتياز".

دقور :" اين السياحة؟"

ولاسباب اخرى يوافق الناشط الاجتماعي عبد القادر دقور منى السعودي، لعدم النظر الى صيدا كمدينة سياحية. اذ يقول :" صيدا ليست مدينة سياحية لاسباب محلية وعامة. اولا غياب المبادرات الفردية او الجماعية لاقامة فنادق ومنتجعات سياحية في المدينة التي تضم شاطئا جميلا ومعالم اثرية متنوعة. ثانيا، الخلاف السياسي القديم والمتجدد والتجاذبات ما بين الاطراف كافة ما يؤدي الى توتير مستمر ينعكس حالة امنية متردية في الاحياء والمناطق وهذه يتحمل مسؤوليتها جميع التيارات دينية كانت ام سياسية.

ثالثا، غياب سياسة سياحية للدولة اللبنانية واضحة المعالم او وجود تخطيط او توجيه. ويعود ذلك للنظام السياسي البعيد عن كل انواع التخطيط والتوجيه في المجالات الخدماتية والانمائية والتطويرية كافة بسبب تخبط آليات عمل النظام والتجديد لنفسه ضمن نفس الشروط بالاضافة الى التعرض للحريات الشخصية الفردية".

الشريف :" صيدا مركز سياحي بامتياز "

ويعتقد رئيس جمعية تجار صيدا علي الشريف ان عوامل كثيرة تجعل من صيدا مركزا سياحيا بامتياز، اذ انها تنعم بالاستقرار والهدوء بفضل ارادة ابنائها وفعالياتها وشبكة الطرق الحديثة التي تجعل الوصول اليها سهلا .
ويقول :" صيدا عاصمة الجنوب تجمع عراقة التاريخ وحضاراته وتطور العصور من خلال موقعها الجغرافي على شاطئ البحر الابيض المتوسط، وهي منفتحة على محيطها وفي الوقت نفسه محافظة على هويتها وارثها التراثي والثقافي على مر الزمان والتي تختزن معام تاريخية واثرية مهمة جدا.

وصيدا شهدت تطورا ملحوظا منذ الثمانينات في بيئتها فحافظت على ارثها الماضي وعملت على الحاضر، لذلك نراها في تحرك دائم من خلال النشاطات المحلية اقتصاديا واجتماعيا وسياحيا، وهي تعمل جاهدة لتطوير المرافق السياحية والاثرية التي تختزنها بغية زيادة الحركة الوافدة الى المدينة والمؤثرة ايجابيا على وضع المدينة الاقتصادي".

ويضيف الشريف :" ان المدينة تقوم بحركة متجددة ودائمة من خلال نوابها ورؤساء الوزراء من ابناء المدينة بالاضافة الى فعالياتها الاقتصادية والاجتماعية على الرغم من الاحداث التي تعصف بالوطن من وقت الى آخر، لكنها تعود الى حركة العمران لتبقى مواكبة لتطور الحياة فهي تقع على شاطئ صار نظيفا الآن كما كان في بداية الستينات من القرن الماضي.

ان مدينة صيدا تنعم اليوم بالاضافة الى ارثها الحضاري والتاريخي وآثارها بما تم من انجازات للبنى التحتية والفوقية وشبكات الاتصال ومراكز الخدمات على اختلاف انواعها من صحية وتربوية وتراثية لمناطق اثرية بدءا من خان الافرنج الى قلعة صيدا البحرية، الى مصبنة عودة، قصر دبانة، مدرسة عائشة ام الامؤمنين في صيدا القديمة، كنيسة الروم، آثار البوابة الفوقا حيث سيتم انشاء المتحف الوطني لآثار وتراث المدينة، بالاضافة الى مواقع اثرية اخرى يجري ترميمها الآن".
ويرى الشريف :" ان المدينة تنعم اليوم بشبكة جيدة من المقاهي والمطاعم التي تستقبل زوارها وخاصة في اشهر الصيف وشهر رمضان المبارك حيث تستقبل الزوار ليلا وحتى ساعات الصباح تقدم المأكولات الشعبية والتراثية للمدينة بأنسب الاسعار.

الا انه ولا شك لا تزال المدينة بحاجة الى فندق يغطي جزءا مهما من السياحة في المدينة بالاضافة الى صالات تكون مجهزة لاقامة الحفلات والسهرات، اضافة الى اقامة الحديقتين العامتين اللتين اعلن عنهما ونأمل ان نراهما في القريب العاجل لما لهما من تأثير على حياة المدينة".

فهل يقتصر تحويل صيدا الى مدينة سياحية عبر توفير بعض الشروط في التجهيزات والابنية والنشاط المتنوع، ام يتعدى ذلك الى تطوير البنى الاجتماعية الثقافية وسيادة ثقافة احترام الآخر وثقافته وقبوله من دون فرض القيم الخاصة عليه، لتعود صيدا مدينة الانفتاح والتنوع لتفتح الابواب امام تطورها السياحي، ام تبقى اسيرة التمنيات والاحلام المفقودة ؟

السابق
علماء صور ومنطقتها يرفضون التعاون مع المفتي الجديد
التالي
هل تتحوّل حماه الى بنغازي سوريا ؟