لن يكون هناك تفريط بدماء الشهداء

أخيراً، وطأ رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي السراي الحكومي بشكلٍ رسمي، متأبطاً بيانه الوزاري و>في جيبه> 68 كلمة "ثقة متوقعة" قيلت له في المجلس النيابي· بعد أشهر التأليف الخمس وقطع الحبل السري للبيان الوزاري وولادة الثقة القيصرية، كان لصباح الجمعة 8 تموز 2011 <طعمٌ> آخر في حياة الرجل الذي قرّر أن يتقيّد بـ <الموضة الثابتة> التي لا تتغيرّ إذ أكد لدى دخوله السراي على <أننا قبل وبعد نبقى نحن ولا نتغيّر>·

عند الساعة التاسعة من صباح أمس، بدت السراي الحكومية تماماً كـالقشلة(أي الثكنة) وهي التسمية التي عرف بها عند إنشائه في العام 1840 حينما كان مقراً للأجهزة العسكرية إبان عهد العثمانيين، فثلة من حرس سرية رئاسة الحكومة تنتظر إشارة رئيسها إيماءً ببدء مهامها، عناصر من قوى الأمن الداخلي تحمل آلاتها الموسيقية، بالإضافة إلى حرس السراي، ثم يبدأ موظفو السراي بالتوافد إلى الباحة مصطفين على شمال ويسار السجادة الحمراء المفروشة أرضاً· عند الساعة التاسعة والعشرون دقيقة، يومئ الجميع بأنه حاضر لاستقبال دولته الذي يدخل بسيارته الخاصة إلى الباحة الخارجية حيث يلاقيه أمين عام مجلس الوزراء سهيل بوجي ليعرّفه إلى الموظفين وهو الذي عرفهم جيداً في العام 2005 وفي أيام <ما قبل الثقة>·

وفي أول موقفٍ له بعد نيل حكومته الثقة، شدّد ميقاتي على <أن يده ممدودة الى الجميع، في الموالاة والمعارضة، من أجل السعي الى تحقيق ما يتمناه اللبنانيون لوطنهم من أمن وإستقرار وأمان، وما يريدونه، وعن حق، لتوفير حاجاتهم اليومية والحد من المعاناة التي يعيشونها في الشأنين الاقتصادي والاجتماعي وتعويض ما فاتهم خلال الاشهر الفائتة، داعياً <الجميع الى التعاون وأن نكون يدا واحدة لخدمة وطننا، والتعويض عن الفرص الكثيرة التي أضعناها بالعمل المكثف لما فيه خير المواطن وحقه في الرفاهية والراحة والعيش الكريم>·

موظفو الرئاسة

وأشار ميقاتي خلال استقباله موظفي رئاسة مجلس الوزراء إلى أن <مناقشات جلسات الثقة اظهرت تركيزا على الشأن السياسي، في حين أن الشأن الاجتماعي لا يقل أهمية عن الشؤون السياسية التي تتطلب حوارا بين اللبنانيين وتوافقا، قد يأخذان وقتا، لذلك لا بد من النظر في ما يريده اللبنانيون، من المياه والكهرباء والطرق والاتصالات، والمدارس والجامعات>، داعياً إلى <البدء بورش العمل في الوزارات لتقديم حلول عملية تدرسها الحكومة، وتتخذ في شأنها القرارات الحاسمة· واذا تطلب الامر إصدار تشريعات، فإن الحكومة ستتوجه الى مجلس النواب وهي ستلقى منه كل دعم وتعاون، وفق ما أكده مرارا دولة رئيس المجلس نبيه بري>·

وأكد أن <الاهتمام بالادارة وانتاجيتها أولوية، بدءا بملء الشواغر بالكفاءات المطلوبة بعيدا عن أي كيدية أو انتقام، كما التزمنا امام اللبنانيين وممثليهم، وصولا الى تفعيل دور أجهزة الرقابة>، واعداً بـ <إيلاء الشأن الاقتصادي عناية كبرى وانني واثق من أن تجاوب المعنيين سيكون مضمونا في الموالاة والمعارضة، لاننا معا في مركب واحد>·

أضاف ميقاتي: <تنتظرنا اليوم مرحلة جديدة من العمل، والمواقف التي سمعناها في مجلس النواب والتي نتابعها عبر وسائل الاعلام، عكست توجهات علينا أن نأخذ منها ما يفيدنا ويخدم لبنان واللبنانيين، معبرّاً عن ترحيبه <بكل معارضة بناءة وموضوعية، لا بل أكثر فاني أدعو الى تعاون بين الموالين والمعارضين لمصلحة الوطن>·

وجدّد ميقاتي قوله بأن <حكومتنا لن تكون حكومة تحد ولا حكومة مواجهة عبثية لا مع الداخل ولا مع الخارج بل هدفها مصلحة لبنان وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه وكرامته، وراحة اللبنانيين، وأمنهم واستقرارهم وعيشهم الكريم، وهي ستواجه فقط كل من يقف في طريق تحقيق هذه الاهداف التي يجمع اللبنانيون عليها>، مؤكداً على أن <يده ممدودة الى الجميع، في المعارضة قبل الموالاة، من أجل طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة من التعاون، كل في موقعه، من أجل منعة لبنان وهناء اللبنانيين>·

كما استقبل ميقاتي وفدا من قيادة الجيش برئاسة العميد الركن مروان شدياق الذي وجه إليه الدعوة لحضور إحتفال عيد الجيش في الأول من شهر آب المقبل· كذلك أدى ميقاتي صلاة الجمعة في مسجد السلام في منطقة فردان، حيث أم المصلين مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد راغب قباني·

العشاء التكريمي

وكان الرئيس ميقاتي أقام مساء أمس الأول في السراي الكبير، عشاء تكريميا لاتحاد المحامين العرب في مناسبة إفتتاح دورته الأولى في مقر نقابة المحامين في طرابلس، في حضور وزراء ونواب ورئيس إتحاد المحامين العرب نقيب المحامين في مصر حمدي خليفة، ونقباء وشخصيات، فأكد ميقاتي على أن <احقاق الحق والعدالة ومحاسبة المجرمين والمخططين والمنفذين هو مطلب لبناني اجماعي>، لافتاً إلى وجود <محكمة دولية خاصة ستنظر في ملف الجريمة (اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري) وسط متابعة لبنانية لئلا تخرج هذه المحكمة عن مسارها>، ومشدداً على أنه <لن يكون هناك اي تفريط بدماء الشهداء، لن يكون هناك اي تراجع عن تحقيق العدالة، سنحفظ استقرارنا ومسيرة سلمنا الاهلي، وسنحرص على أفضل علاقة مع المجتمع الدولي>·

وتخلّل العشاء كلمة لنقيب المحامين في طرابلس بسام الداية الذي لفت إلى <أننا نعيش مرحلة شعرت فيها باستمرار أن إيمان هذا الرجل (ميقاتي) هو دائما بوحدة لبنان، وبأن الحوار هو السبيل الوحيد لحل أية معضلة تعترض اللبنانيين، فهو يؤمن، كما نحن، أن القواسم المشتركة التي تجمعهم أكثر بكثير من التي تفرقهم>، مشيراً إلى أن <طرابلس تحفظ لدولته ولمعالي الوزراء مدى سعيهم لصيانتها والابتعاد عن كل أذى عنها>·

بدوره، تطرق ميقاتي إلى الوضع السياسي في العالم العربي فقال: <تواجه أمتنا العربية اليوم، تحديات خطيرة تهدد اسس وجودها،إذ يكثر الحديث عن تغييرات ديموغرافية وجغرافية قد تطاول عالمنا العربي، وتبدلات في التحالفات يرى البعض انها في غير السياق المنطقي لتسلسل الاحداث>، متوجهين إلى المحامين بالقول :>لذا أنتم مدعوون لتكونوا الصوت القانوني الهادر، فتتوكلوا نيابة عن الامة العربية في الدفاع عن الحق والكرامة، وكشف كل المحاولات الخارجية لتفريق الصف واضعافه، وكي يكون الصوت عاليا، يجب ان يكون موحدا، فما الذي يمنع ان تكونوا نواة العمل الوحدوي المشترك من خلال القواسم المشتركة النبيلة التي تلتقون حولها في دفاعكم عن القضايا المحقة للعرب من جهة، وفي مقدمها قضية فلسطين، وعن امال الشعوب المنتفضة والتي تبحث عن قاعدة صلبة تبني عليها التغيير المنشود·

واعتبر ميقاتي <إن التحرك الذي ينطلق من <الربيع العربي> لا يجب أن ينسي القائمين عليه أننا أمة تواجه اطماع عدو اسرائيلي يتلطى خلف اقنعة كثيرة تخفي هويته الحقيقية، هوية القمع والظلم والبطش وصراع الحضارات والهروب من القوانين الدولية والانسانية واللجوء الى القوة>·

ولفت إلى ان <لبنان هو النموذج العربي الحي لتضافر الارادة الوطنية الجامعة التي حررت الارض من الاحتلال الاسرائيلي وحفظت السيادة وصانت الاستقلال>، مشدداً على أن <هذه الانجازات هي نتيجة طبيعية للموقف الواحد والمتضامن الذي يبدو اليوم مستهدفا من خلال جملة مخططات ستواجهها حكومتنا بعزم أكيد وصلابة لا تهون، وتصميم على جمع كلمة اللبنانيين ومنع تشرذمهم وضياعهم

>· واضاف: <إن التحديات التي اثرتموها في مؤتمركم ، كان لبنان مسرح مواجهة لها· وانتصر: فهو حول الطائفية من سبب للخلاف، الى نقطة التقاء في وطن تعددت فيه الطوائف وصارت مصدر غنى وليس مبعث نقمة· إن التقسيم الذي حذرتم من مخططات لفرضه، تجاوزه لبنان في موقف جامع في ميثاق الوفاق الوطني في الطائف رفع فيه لاءات ثلاث: لا تجزئة، لا تقسيم، ولا توطين>·

وأكد على أن <التدخل الخارجي الذي تتخوفون من تداعياته، تمكن لبنان من الحد من تأثيره من خلال التشديد على الارادة الوطنية الواحدة التي أنتجت في مرات عدة، قرارا وطنيا مستقلا>، معتبراً أن <كل هذه الثمار نضجت بفضل اعتماد لبنان على سلاح الحق والارادة والعزم، وهو السلاح نفسه الذي تتمتعون به في مواجهة كل قضية تتولون الدفاع عنها>·

أضاف: <قد أريد للبنان، يوم اغتيل الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، أن تنهار وحدته، ويتقاتل ابناؤه من جديد، الا ان اللبنانيين واجهوا هذا المخطط الاجرامي، بالمزيد من التضامن، والتمسك بأن احقاق الحق والعدالة ومحاسبة المجرمين والمخططين والمنفذين هو مطلب لبناني اجماعي>· وقد تضامن المجتمع الدولي مع سعي لبنان لمعرفة الحقيقة، فكانت قرارات دولية يلتزمها لبنان، وكانت محكمة دولية خاصة ستنظر في ملف الجريمة وسط متابعة لبنانية لئلا تخرج هذه المحكمة عن مسارها>·

وتابع: <واليوم مع صدور القرار الاتهامي، فاننا نجدد التأكيد على الآتي: لن يكون هناك اي تفريط بدماء الشهداء، لن يكون هناك اي تراجع عن تحقيق العدالة، سنحفظ استقرارنا ومسيرة سلمنا الاهلي، وسنحرص على أفضل علاقة مع المجتمع الدولي>·

وختم ميقاتي بالتأكيد على أن <لبنان سيبقى نصيرا للقضايا العربية المحقة، ومدافعا عن العدالة والحق والكرامة، وامينا على دور مميز سيلعبه في محيطه والعالم، وستشهدون في الاتي من الايام تحقيق انجازات يتشارك اللبنانيون فيها ولن تميز بين موال ومعارض، لان الحكومة التي لي شرف رئاستها، ستعمل لكل لبنان ولجميع اللبنانيين، وستثبت ان لا مكان فيها لحقد او كيدية او انتقام>·

السابق
إنجاز مشروع تعبيد طريق شبعا الرئيسي
التالي
ماذا يفعل السفير الاميركي في حماة?