المسألة ليست سنّة وشيعة

 شكراً للسيد حسن نصرالله اذ طمأن اللبنانيين الى ان فتنة سنيّة – شيعية لن تقع. وهو تطمين يتفضل به القادر على حسم أي فتنة لمصلحته – عسكرياً – لكنه قرر ضمناً ان يعفو عن خصمه. لكن الأمر لا يتعلق بسنّة وشيعة. فهناك مسيحيون متضررون بالاغتيالات وينتظرون الحقيقة والعدالة. الامر يتعلق بلبنان واللبنانيين، ولا يبدو ان نصرالله يأبه به. المسألة مسألة اغتيال. ومسألة مجرمين قتلة. ولم يقل نصرالله ولا مرة، في أي من طلعاته المتلفزة، ان "حزب الله" لم يساهم اطلاقاً في اغتيال رفيق الحريري ورفاقه، ولا في اي اغتيال آخر بل اهتم فقط بزعزعة صدقية المحكمة الدولية والتحقيق الدولي ليصمهما بالتسيس، وبالموقف المسبق المتحامل على "المقاومة".
بات المتهمون معروفين، ولم تعلن الاتهامات بعد. المتهمون هم بعض اولئك الذين امكن التقاط آثارهم في مسرح الجريمة في زحمة المشاركين فيها. والمتوقع ان يكون القرار الاتهامي واضحاً ومستنداً الى ادلة دامغة والا فانه سيكون صدمة موجعة للمراهنين على عدالة تأتي من هذه المحكمة. لا يمكن تسفيه كل ما جاء به الامين العام لـ"حزب الله" من بحث في سير المحققين او رئيس المحكمة، لكن هذه الحجج تأتي من جهة باتت متهمة. واذا جاءت الاتهامات هشّة ومتجنية عندئذ تصبح المحكمة نفسها موضع اتهام.
اراد نصرالله ان يصور الصراع بأنه بين المحكمة و"حزب الله"، او بينها وبين "المقاومة"، باعتبار ان المحكمة واقعة تحت الهيمنة الاميركية والاسرائيلية، وبالتالي يجب اسقاطها او على الاقل اسقاط صدقيتها. لكن مشكلة نصرالله هي، اولا واخيرا، مع الداخل، مع اللبنانيين. فكيف سيعالج هذا الجرح التاريخي الذي حفره وحزبه عميقاً داخل المجتمع؟ هل يعالجه بالقول ان احداً لن يستطيع تنفيذ مذكرات التوقيف حتى ولو بعد ثلاثمئة سنة؟ ام يعالجه بالترهيب، ام بالاستناد الى الفزّاعة السورية – الايرانية، أم بالقمصان السود، أم برعونات ميشال عون؟… صحيح ان نصرالله لم يفاجىء أحداً بموقفه المكرر من المحكمة الدولية، لكنه فاجأ الجميع باختصاره المشكلة الداخلية. هل يجب تذكيره بان الذين اغتيلوا، ولا سيما رفيق الحريري، لم يكونوا معادين لـ"المقاومة".
في جلسة نقاش عفوية لمداخلة نصرالله، لاحظ خليجيون ومغاربة انه تحدث كما لو انه الحاكم الفعلي للبنان، فلا رئيس جمهورية ولا رئيس حكومة، وحتى عندما اراد ان يدعم موقف نجيب ميقاتي، زاد في مواراته تحت عباءته. يحق له طبعاً ان يبذل كل جهد ليدرأ الخطر عن "المقاومة"، لكن لا يحق له ان يصادر الحكومة والحكم برهبة السلاح، ولا يستطيع بالتأكيد اقناع احد بالسكوت على الاغتيالات.
سياسة الإنكار لن تفيد كل الوقت وان افادت بعض الوقت. 

السابق
جوبيه: ننتظر من الحكومة أن تتيح للمحكمة القيام بدورها
التالي
هل تكون قرارات حكومة اللون الواحد وسطية؟