حماه … ميدان التحرير العربي

في "جمعة إرحل" صارت مدينة حماه بأسرها "ميدان التحرير"، ولم يعد خافيا ان مئات الآلاف من ابناء المدينة، ويمثلون نسبة عالية جدا تصل الى ما يفوق 70 في المئة من سكانها المقيمين، خرجوا ليقولوا كلمة واحدة للنظام في سوريا : "إرحل".

هذه هي سمة الثورة في سوريا، فما ان يغيب الامن والمخابرات وقطعات الجيش الموالية حتى يظهر حجم المعارضة المتنوعة للنظام. فالحل الامني العنيف والدموي الذي اعتمد حتى الآن نحج وفشل. نجح في الحد من خروج مظاهرات ضخمة شبيهة بتلك التي شهدتها حماه يوم الجمعة الفائت تكشف مدى الحالة الثائرة على النظام شعبيا. وفي المقابل فشلت في وأد الثورة، بل فاقمتها بأن رد الشعب على القتل المنهجي بمزيد من الاصرار والتصميم على اكمال مسار اسقاط النظام، وتعميق ازمته التي يعكسها انحصار "مشروعه" بالحل الدموي، مما افقده كل شرعية فعلية في الشارع. وسوف يفرض على العالم، المتباطئ في دعم الثورة، اجندة مختلفة مع ارتفاع حصيلة القتلى، وقد بلغت الى اليوم اكثر من ألف وخمسمئة مواطن.

لقد أثبت الشعب السوري قدرة كبيرة لا نظير لها في التحمل، وفي مواجهته بأساليب سلمية اعتى آلة امنية ستالينية في المشرق العربي. وفي المقابل يتبدى يوما بعد يوم ان النظام في سوريا غير قابل للاصلاح، وان الرئيس بشار الاسد يقود عملية امنية بإمتياز يغلفها بكلام ووعود بالاصلاح. والهدف قمع الثورة التي قامت في وقت كان الاسد الابن يفتخر بكون سوريا "عصية" على الثورة!

و من "جمعة" الى "جمعة" تكبر كرة الثورة في سوريا، وتنضم فئات جديدة من المجتمع السوري الى المناخ الثوري، بعضها مجاهرة، وبعضها الآخر بشكل غير ظاهر للعلن. ومن جمعة الى جمعة يكتشف السوريون ان ما يعتبر "نعمة" الاستقرار ما كانت سوى غطاء لتحكم عائلة وقلة متنفذة بحياة ملايين السوريين، وحشرهم في سجن كبير كان اسمه سوريا، وها هو يوشك ان يسقط مع تحرر الشعب من اغلال الخوف، وتجرئه على منازلة النظام مباشرة في شوارع المدن والبلدات والقرى. ومع مرور الايام لن يعود النظام بقادر على حشد الجيش والقوى المخابراتية على انواعها لمواجهة ملايين السوريين المصممين على البقاء في الشارع حتى سقوط النظام.

لقد سقطت شرعية النظام في الشارع. اسقطتها دماء اريقت على مذبح الحرية والكرامة. وخلال مدة وجيزة سيكون للعامل الاقتصادي اقوى الاثر على المعادلة. فمع الوقت ستجف موارد النظام الرسمي، وسيرتفع الضغط على مصالح طبقة كبار التجار ورجال الاعمال المتحالفين معه، الامر الذي سيدفع بهم الى الهروب من سفينة غارقة ولا امل بنجاتها. إننا في لبنان مدعوون الى التبصر في ما يحصل في سوريا. انها ثورة شعب على الاستبداد بأسوأ مظاهره وتجلياته. فإذا كان في لبنان من يتشدق بنصرة المظلومين في العالم، فأحرى به ان ينصر من يُذبحون، وهم اطفال ونساء ورجال، لمجرد انهم يطالبون بالحرية والكرامة، لا ان يكون نصير من ستستضيفهم قاعات المحاكم الدولية، في اكثر من قضية، ولو بعد حين.

السابق
بدء الدورة القرآنية الثالثة في صيدا
التالي
حزب الله اشاد بمواقف شيخ الازهر التي عبرت عن رؤية سديدة