اللبنانيون الى صناديق الاقتراع قبل الأوان!

ما ان تنتهي مناقشة البيان الوزاري وتنال حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ثقة مجلس النواب، حتى تعود القوى السياسية الموالية منها والمعارضة الى التموضع في مواقعها وساحاتها، استعدادا لنزاع سياسي كبير مرجّح ان تشهده البلاد في المرحلة المقبلة، وتدور رحاه على كل المستويات حتى سنة 2013 موعد استحقاق الانتخابات النيابية.

ويؤكد كثيرون من أهل السياسة ان معركة الانتخابات النيابية قد بدأت فعليا، وأن كل المعارك او الاشتباكات السياسية التي بدأت قبيل جلسة الثقة، واستمرت خلالها، وستستمر بعدها بين فريقي الموالاة والمعارضة، هي انتخابية بامتياز، مهما تنوعت عناوينها السياسية وأسبابها والمسببات، وغاية كل منهما كسب تأييد الشارع لخياراته والشعارات، بغية الفوز بالأكثرية النيابية سنة 2013، وتاليا توَلّي السلطة في ذلك الحين. فإلى المعركة المنتظرة حول قانون الانتخاب العتيد الذي ستجرى على أساسه الانتخابات المقبلة، ستدور معارك اخرى بين فريقي 8 و14 آذار. وستخوض الموالاة معركتها تحت عنوان "مساوىء" سلطة الحكومات السابقة لآل الحريري و14 آذار، فيما المعارضة ستتخذ من المحكمة الدولية وقرارها الاتهامي الأخير في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري عنوانا لمعركتها على قاعدة مواجهة "القتلة"، بعدما اتهمت المحكمة أربعة قياديين جهاديين من حزب الله بالجريمة. لكن الشارع لن يكون لدى أيّ من الفريقين وسيلة من الوسائل التي ستستعمل في هذه المواجهة، خصوصا في ظل التشنج الطائفي والمذهبي السائد، وكذلك في ظل التطورات التي تشهدها الساحة العربية، والتي تلقي بظلالها على الساحة اللبنانية.

وإذا كان واضحا ان خطة الموالاة للتعاطي مع المرحلة الجديدة تكمن في ما تضمّنه البيان الوزاري للحكومة، مضافا إليه ما لدى بعض أطرافها من "مواد خاصّة" لم يأت البيان على ذكرها، فإن خطة المعارضة تكمن في ما تضمنه "نداء البريستول" الأخير، والذي يتصدره بند "إسقاط الحكومة"، مشفوعا بتحركات محلية وعربية ودولية ستقوم بها، وتعتقد انها قد تساعدها للوصول الى هذا الهدف.

لكن بعض السياسيين المحايدين يرون ان لدى الفريقين موقفا سياسيا وليس خطة، وخصوصا فريق المعارضة، حيث ينقل هؤلاء السياسيون عن "عُقلاء" في هذا الفريق اعترافهم بذلك، والسبب يكمن في أن مستوى الآراء في صفوفه متعدد ومتنوع وليس موحدا، فضلا عن ان لدى أركانه إحساسا جديّا بأن جمهور المعارضة معها، ولكنه لا يحبّذ النزول الى الشارع في هذه المرحلة، نظرا الى ما يمكن ان ينتج عن ذلك من تخريب للحياة، فضلا عن أن استعمال الجمهور يتطلب إمكانات وآليات مكلفة وليست متاحة الآن. ولذا، فإن أقصى ما يمكن للمعارضة ان تفعله في هذا الصدد هو إبقاء الموقف على جهوزيته، وخوض "معركة نقدية" متاحة من أجل كسب القانون الانتخابي العتيد ونتيجة الانتخابات العتيدة، لأن البعثرة في الشارع قد لا تُربِح في الاستحقاق الانتخابي، فضلا عن انه استخدام لسلاح تبدو الموالاة أقوى فيه من المعارضة.

ويشير هؤلاء العقلاء الى ان قوى المعارضة كانت قبل اسبوعين تراهن بقوة على أن التغيير في سوريا حاصل لا محال وسيصبّ في مصلحتها، ولكن هذا الأمر بات الآن موضع شك في ضوء تراجع الملاحقة الاميركية والاوروبية للنظام السوري من جهة، وانخفاض سقف الموقف التركي منه، وعودة الحوار بين أنقرة ودمشق من جهة ثانية.

وفي المقابل، فإن فريق الموالاة ليس في وارد النزول الى الشارع، لأنه لا يرى مصلحة له في ذلك، بعدما ألّف حكومة تمثل كل القوى المنضوية تحت لوائه، وهذه الحكومة لا يمكن ان تتحرك في الشارع ضد نفسها، لأن جُلّ همّها هو تخفيض صوتها والتأكيد للرأي العام المحلي والعربي والدولي انها "واسعة التمثيل"، وأنها لا تريد أي انقسام داخلي، حتى ولو نزلت المعارضة الى الشارع.

وفي ضوء هذه المعطيات، يتبدّى ان حكومة ميقاتي التي ترفع المعارضة شعار إسقاطها تحت عناوين عدة، أبرزها القرار الاتهامي والمحكمة، وستضغط عليها من باب مطالبتها بالتعاون مع المحكمة الدولية لتنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عنها، سيطول عمرها حتى انتخابات 2013.

وسيكون وضع قانون الانتخاب الجديد من أولى أولويّاتها، بالإضافة الى إجراء الانتخابات النيابية، من دون إغفال الملفات المتصلة بالأوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية التي يعانيها اللبنانيون.

السابق
كيف ستترجم الحكومة شعار كلنا للوطن وللعمل؟
التالي
براعة السيّد…وقِحَةُ المتأمركين وفجورهم