مَن يُسقط مَن: الحكومة أم المحكمة؟

هوامش اللعبة باتت محصورة، ولا مكان للتسويات "على الطريقة اللبنانية"، فالجميع يلعب "صولد". والمرحلة هي مرحلة "حياة أو موت" في الشرق الأوسط وأنظمته كلها، وفي لبنان أيضا، وهكذا في الصراع الدائر اليوم ما بين الحكومة والمحكمة، لا مجال للتسوية، إحداهما ستتمكّن من إسقاط الأخرى. وقد لا يكون الوقت طويلا لذلك.

القرار الاتهامي أنهى المرحلة الرمادية": فريق 14 آذار استعاد ثقته التي كادت تهتز بالعدالة الدولية، وتأكد له أن "لا صفقة على حساب الحقيقة". وفريق 8 آذار بدأ يتلمس أن الأدوات التي استخدمها حتى اليوم لإسقاط المحكمة لم تعد كافية، لا التشكيك في صدقية لجنة التحقيق والقضاة، ولا تغيير الأكثرية وتولّي زمام السلطتين التنفيذية والتشريعية معا.

لعبة الأوراق المكشوفة

كل الأوراق مكشوفة… وملعوبة مرة واثنتين وأكثر. وقد دقّت ساعة الحقيقة وربما تكون المواجهة الدائرة اليوم محدودة زمنيا بأسابيع أو أشهر… لكنّها لن تنتهي إلا بانتصار خيار على آخر. ويربط فريق 8 آذار عرض القوة الذي يقدمه بتوازن المحاور والأنظمة في الشرق الأوسط. لذلك ثمة استهدافات متناقضة للمعركة لدى الطرفين، وحسمها سيكون كفيلا بتحديد خيارات لبنان ودوره وموقعه، وتاليا مصيره.

القرار الاتهامي بدأ عملية تعرية، ليس لملابسات اغتيال الحريري فقط، بل للواقع السياسي الداخلي أيضا الذي تغطيه ورقة التين. وعندما تنكشف العورات، يصبح الجميع وجها لوجه مع الحقيقة، فأين يمكن لأي كان أن يختبىء منها؟

وبدءا من الجولة الدائرة اليوم في المجلس النيابي، ستكون المنازلة صعبة. ولن تستطيع 14 آذار إسقاط الحكومة بالضربة القاضية أي بحجب الثقة. لكنها تراهن على إسقاطها بالنقاط، يوما بعد آخر. وهي لا ترى أن ذلك بعيد المنال. وفي كلمة أوضح، هي لم تعد ترى أنّ الحكومة قادرة على مواجهة متطلّبات المرحلة المقبلة، الصعبة على كل المستويات.

عوامل السقوط

وتحدّد 14 آذار عوامل السقوط المحتملة للحكومة داخليا وخارجيا بالآتي:

1 – لن تصمد التعابير المبهمة التي اختبأت وراءها الحكومة في مواجهة القرار الاتهامي في جزئه الأول الصادر حديثا والأجزاء المنتظرة على التوالي. وقد أحدث هذا القرار زلزالا على رغم أن مضمونه بقي طيّ الكتمان، وأنه لم يذكر سوى أربعة أسماء لعناصر حزبية. فكيف ستواجه الحكومة ما سينشر لاحقا من مضامين للقرار في دفعاته المتتالية؟ وكيف ستتمكّن مكوناتها من الحفاظ على وحدة الموقف إزاء مذكّرات التوقيف التي قد تزداد حساسية، الواحدة تلو الأخرى؟ وكيف ستوفّق بين التزامات بعضهم دوليا ومطالبة فريق 8 آذار بتعطيل المحكمة نهائيا، وسيكون هناك محكّ التوافق على سحب القضاة أو عدمه، ووقف التمويل أو عدمه، وتسهيل سائر الإجراءات الإدارية والدبلوماسية والأمنية والقضائية التي تتطلّبها المحكمة تباعا أو عرقلتها.

2 – في نظر 14 آذار جاء القرار بتأليف الحكومة بطلب إقليمي عاجل، تحت وطأة الصدور الوشيك للقرار الاتهامي، وسيكون مصيرها مرهونا بالملف الإقليمي الذي يشهد تطورات متسارعة وغير معروفة الأفق. فالبحث عن الحقيقة لملابسات المرحلة الممتدة من العام 2004 (محاولة اغتيال مروان حماده) وحتى اليوم، وفقا لـ14 آذار يواكب السعي إلى إخراج لبنان من النظام العربي القديم إلى "الربيع العربي" الواعد بمفهوم جديد للحياة السياسية.

3 – تراهن 14 آذار على استرداد "نبض الشارع" وخصوصا بعد تجربة 13 آذار الفائت، وما أظهرته من تماسك مع قواعدها. وبذلك ستثبت للرأي العام أنّ هذه القواعد ما زالت عند منطلقاتها المبدئية، وأن القوى التي خرجت من 14 آذار أو استفادت من أصوات جماهيرها للوصول إلى المواقع التي تعتليها لا تحظى بمباركة هذه الجماهير.

أي رأس؟

سنوات خلت كانت فيها 14 آذار في موقع الدفاع، على رغم امتلاكها المبادرة لأنها كانت أكثرية في السلطة، وهي تنازلت وأخطأت وانزلقت إلى حدود السماح بتبدّل الأكثرية وفقدان السلطة أيا تكن المبررات والظروف. وهي اليوم وفق مصادر 14 آذار تستعيد روح المبادرة، وتنتقل مجدّدا إلى الهجوم، على رغم كونها خارج السلطة.

في المقابل، يتشبّث فريق 8 آذار بالحكومة كجسم قادر على الاحتماء به وأداة لمواجهة مستتبعات المرحلة المقبلة، وهو لذلك يخوض المعركة مفتوحة على مصراعيها، ومن دون حدود. فلا مجال اليوم لإهمال أي ورقة في اليد.

رأس المحكمة يقابل رأس الحكومة. وفي الميدان انتظار لانقشاع الغبار… ليس طويلا على الأرجح!

 

السابق
السفير: نصر الله: العدالة شرط الاستقرار … ولا للمقايضة بينهما
التالي
من الأكثر: السنة أم الشيعة؟