امتيازات الطوائف وخطوطها الحمر

غريب أمر القابضين على امتيازات الطوائف في لبنان، ففيما يتناتشون السلطة ويؤججون كل ما من شأنه تكريس الانقسام بين فئات الشعب خدمة لهذه الامتيازات، يتفقون على قطع الطرق التي تؤدي الى إرساء الأسس لدولة مدنية. يصب في هذه الجهود إعلان دار الفتوى معارضتها مشروع قانون يرمي الى حماية النساء من العنف الأسري، معتبرة انه يتسبب بـ"تفكيك الأسرة كما في الغرب". يندرج في الإطار عينه إعلان نائب الامين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم رفضه الزواج المدني، كونه ليس بعيداً عن الحرص على حماية المجتمع اللبناني من المؤامرة الغربية المستمرة. الله يديم الوفاق.
لا بأس بالرجوع الى الدستور للتمسك بالحقوق الطائفية والحؤول دون خسارة هذه الحقوق والتصرف بها، احياناً بما يناقض الدين، كرمى للنفوذ. بناء عليه، لا بأس برفض مشروع قانون ينص على اجراءات تتيح حماية المرأة التي تقع ضحية العنف على يد زوجها أو أيٍّ من أفراد عائلتها، ويجعل تدخل الشرطة الزاميا إذا قدّمت المعتدى عليها شكوى. الشرطة في هذا المجال كافرة وفاسقة وتنتهك حقوق الأسرة، كأنها قادمة من الاستكبار العالمي وليست من هذا البلد، وتشكل خطراً على الاستقرار النفسي للأطفال اذا ما استوجب الامر دعوتهم الى الشهادة بما حصل في منازلهم. ذلك ان الشهادة أشد فتكاً بالطفل من معايشته الاعتداء او الاغتصاب او خضوعه له.
هذا لعمري ديدن لبناني بامتياز. دائماً يتم ربط تقييد العدالة بالاستقرار. تخويف على طول الخط انطلاقاً من البعبع الطائفي. الأنكى ان المتشدقين بالعلمانية لا يجرؤون على انتقاد رافض هذه العلمانية اذا كانوا في خندقه السياسي، ليشنّوا أعنف هجوم على من صدف انه في القاطع الآخر اذا ما لعب لعبته الطائفية. ولا يتوانون عن الشماتة وتعيير جماعة بعينها انطلاقاً من الزلة التي سجّلوها على هذا الآخر. غنيّ عن التذكير ان العلمانية تُنتعل في لبنان معظم الاحيان، ومن أكثر الطائفيين حدة. فهي احيانا لزوم الشغل، لذا يسعى بعض الباحثين عن دور الى امتطاء موجة إسقاط النظام الطائفي والدفاع عن حقوق المرأة في حين ينخر عظامهم فيروس الطائفية الحاقدة والجوع العتيق الى سلوكيات منفرة اذا لاح أمامهم ذيل فستان أو فاح عطر امرأة. المهزلة أن هؤلاء يكتفون من النضال بالبحث عن عدسة تلتقط تمثيلهم الدور. هم غالباً جبناء عندما يتعلق الامر بانتقاد المرجعيات الطائفية التي يسعون خلف رضاها بعد ان تمسح الارض بهم. السبب حلمهم الأوحد بنفوذ ومنصب، ومرحبا كرامة. يبقى الرهان على إلغاء تحكم الطائفية بمفاصل حياتنا، بدءاً بالنساء وانتهاء بالبنية السياسية الفاسدة، حلماً مستحيلاً. ليس علينا الا ان نصدّق ان الحرص على الدين والاسرة، هو الطريق الأوحد للقابضين على امتيازات الطوائف لحماية المجتمع والاسرة والمرأة والطفل وكل من تشاؤون.
مشروع القانون الذي وضع بناء على اقتراح جمعيات نسائية ومحامين واطباء شرعيين، وحظي بموافقة مجلس الوزراء في العام 2010 ويدرس حاليا في البرلمان، لا لزوم له، لأنه يحول دون قيام الوالد بواجباته لجهة تربية بناته اذا ما خرجت احداهن مع الـ"بوي فرند"، كما قال خطيب احد المساجد. ولا لزوم للرهان على دور البرلمان الاستنسابي حيال ديكتاتورية النظام الطائفي الخائف على امتيازاته. فالطبيعي في قاموس أدعياء الحضارة والثقافة عندنا، إعلان غير ما يضمرون. ذلك ان تجارب غالبيتهم تدل على انهم يعتبرون النساء ناقصات العقل.
زواج المتعة حلال والزواج المدني حرام. لا عجب في ذلك لأن الدخول الى المدنية يعني إعدام النظام الطائفي. وكلنا نعرف كيف تمّت القوطبة على التحرك الذي لم يكد يبصر النور حتى تم تفخيخه من خلال "مندسين" معروفة انتماءاتهم الطائفية. لكن البهدلة تبقى في تضمين أي بيان وزاري سابق ولاحق، فقرة عن تعزيز وضع المرأة االمفروض عليها التواري خلف زوجها وقبول متعة هذا الزوج. على فكرة، البيان الوزاري للحكومة الحالية، الخالية من النساء، خصص فقرة لتعزيز وضع المرأة. بالطبع من دون المساس بالخطوط الحمر لامتيازات الطوائف. – النهار-

السابق
الديموقراطية ليست شرطاً لازماً لتحقيق التنمية
التالي
مسيحي ينام في المسجد