النهار: أربع نقاط أساسية في رفض المعارضة لبند المحكمة الدولية

في اطار الاعتراض الذي قدمه وزراء على كلمة في البند المتعلق بالمحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، والذي هدف الى اظهار وجود اكثر من وجهة نظر في صوغ الموقف من هذا الموضوع يبرز سؤال يتصل بما اذا كان هذا الموقف يعطي المعارضة ورقة قوية تدل في الدرجة الاولى على عدم الموضوعية والتوازن في ما اعتمد، وكذلك بالنسبة الى الخارج الذي يشكل الموقف الوارد حول المحكمة في البيان احد المعايير لرد فعله في التعامل مع الحكومة. فكيف سيكون البيان في الميزان المحلي والميزان الخارجي؟
ليس خافياً ان المعارضة التي ابدت ملاحظات قوية على البند المتعلق بالمحكمة ستتركز مداخلات نوابها في جلسات مناقشة البيان الوزاري على الثغرة المتمثلة بهذه النقطة اضافة الى نقاط اخرى اساسية. فالبند المتعلق بالمحكمة تضمن وفق مصادر المعارضة كلاما مبهما و"حمّال أوجه" في افضل الظروف، لكنه سيئ في الطريقة التي ادرج بها على ما تقول هذه المصادر لكون العبارة الوحيدة عن المحكمة تضمنت جملة نقاط سلبية. يورد البند الرقم 14 "ان الحكومة انطلاقا من احترامها القرارات الدولية، تؤكد حرصها على جلاء الحقيقة وتبيانها في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وستتابع مسار المحكمة الخاصة بلبنان التي انشئت مبدئيا لإحقاق الحق والعدالة بعيدا عن اي تسييس او انتقام وبما لا ينعكس سلبا على استقرار لبنان ووحدته وسلمه الاهلي". وتسجل المعارضة تحفظاتها على اساس أن احترام القرارات الدولية لا يعني التزامها ولا التعاون معها، في حين افاد البند نفسه في بيان الحكومة السابقة تأكيد الحكومة في احترامها للشرعية الدولية ولما اتفق عليه في الحوار الوطني "التزامها التعاون مع المحكمة الخاصة بلبنان التي قامت بموجب قرار مجلس الامن الدولي 1757 لتبيان الحقيقة…". فالاحترام يعني انه يمكن ان تحترم القرارات لكن لا تلتزمها ولا تتعاون معها. كما ان الاشارة الى المحكمة وضعت في اطار "المتابعة" وهذا ما يفعله المراقبون او الصحافيون وفق ما تقول هذه المصادر وليس الحكومة، اضافة الى ان كلمة "مبدئياً" تعني ان الباب مفتوح امام الحكومة لتتبنى مقولة "حزب الله" في شأن تسييس المحكمة بعد أن تم توافق الجميع عليها على طاولة الحوار، وذلك من اجل تبرير عدم التعاون. كما ان ربط المحكمة بالاستقرار يوحي أن اي اضطراب امني هو الباب المفتوح لعدم التزام المحكمة بذريعة ان العدالة تتسبب بزعزعة الاستقرار. وهذا يعني ان الطريقة التي ذكرت بها المحكمة هي اضعف بكثير من عدم ذكرها على الاطلاق، كما تقول المصادر، فضلا عن ان منطق السلاح يغلب من حيث ان رسالة كل من الرئيس نجيب ميقاتي والنائب وليد جنبلاط اللذين استشهدا بكلام للرئيس الشهيد رفيق الحريري تمت قراءتها من زاوية وجوب غض النظر عن ملاحقة متهمين حرصا على الاستقرار، وذلك بدلا من التوجه الى الطرف المعني لاقناعه بضرورة اللجوء الى العدالة وتسليم المتهمين دفنا للاحقاد وحرصا على السلم الاهلي، علما انه سبق ان قدمت عروض للمصالحة من الرئيس سعد الحريري رفضها المعنيون بالاتهام.
النقطة الاخرى التي ستجد مجالا للتحفظ الكبير ايضا تتصل بالمآخذ على اسقاط البيان الوزاري التوازن بين مكونات الوطن في اللغة والمضمون. فعدا اسقاط التزام المحكمة، تسجل المعارضة الاشارة الضبابية الى "المرجعية الحصرية للدولة" كاطار استخدمته الحكومة السابقة لثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة". فهناك اشكال حقيقي وفق ما تقول المصادر المعنية حول اطاحة الحكومة حصرية مرجعية الدولة و"حصر السلطة الامنية والعسكرية بيد الدولة بما يشكل ضمانا للحفاظ على صيغة العيش المشترك". اضافة الى تحول سلاح "حزب الله" نقطة خلافية اذ ان اسقاط الحزب لاتفاق الدوحة يفترض ان يسقط الصيغ التي افرزها ومنها هذه المعادلة، فضلا عن ان البند الذي خلا من "حصرية مرجعية الدولة" يحمل التباسا من خلال قلب المعادلة الأمنية اي ان "لا بديل من وحدة الدولة وسلطتها ومرجعيتها لأن في ذلك ما يضمن المحافظة على لبنان، وهي مهمة تتولاها القوى العسكرية والامنية ولا يشاركها فيها اي سلاح غير سلاحها الشرعي".
يفتح هذان البندان المجال واسعا امام انتقادات قاسية ستجد طريقها في مناقشة البيان الوزاري، اضافة الى استياء سيتم التعبير عنه بطريقة او بأخرى ويتناول رئيس الحكومة ومسؤوليته وفق ما تقول مصادر المعارضة عن "عدم التوازن الوطني" الذي سيؤدي الى شرخ كبير. فالخلل يكمن، كما تقول هذه المصادر، في اعتبار ان الرئيس ميقاتي سهل الانتقال من توازن داخلي ارساه اتفاق الدوحة ووصل الى مرحلة التوازن السلبي حتى من خلال حكومة تصريف الاعمال وانتهى بنقل التوازن السلبي الى عدم توازن بناء على تجربة تأليف الحكومة وتجربة البيان الوزاري اللتين اظهرتا اين يكمن الوزن الممسك بالحكومة.
يفيد هذا الواقع بان قوى 8 آذار التي عملت من اللحظة الاولى لتأليف حكومة الرئيس سعد الحريري على اشغاله بضرورة البحث عن حل للقرار الاتهامي من دون ان تسمح للحكومة بالقيام باي عمل يذكر، وصولا الى تعطيل مجلس الوزراء بذريعة الشهود الزور ثم اطاحة الحكومة، باتت اليوم امام تحد مشابه في انقلاب الادوار اذ ان "حزب الله" بات مسؤولا من خلال امساكه بالقرار السياسي في الحكومة عن ايجاد لازمة تحدث شرخا كبيرا في البلاد باعتبار ان الكرة في ملعبه وإن كان في حماية حكومة من حلفائه.
اما في موقف الخارج من البيان الوزاري باعتباره احد المعايير للتعامل الدولي مع الحكومة الموضوعة تحت المجهر بسبب موضوع المحكمة وبسبب من سيطرة الحزب على قرارها فضلا عن الخوف على القرار 1701، فان مصادر معنية تعتقد ان المخاوف الخارجية من عدم الاستقرار واحتمال انعكاسه على وضع القوة الدولية في الجنوب فضلا عن التطورات في المنطقة تجعل هامش الاهتمام الكلي بالوضع في لبنان ضيقا جدا. وتاليا ستبقى اللغة الديبلوماسية ضبابية الى حد كبير وتؤجل اتخاذ موقف حاسم على قاعدة انتظار الأفعال وليس الاقوال وحدها، والبناء على موقف رئيس الحكومة وتعهداته اكثر من اي شيء آخر، باعتبار ان كل الديبلوماسيين حصلوا على تطمينات منه في موضوع المحكمة. وتاليا ستكون تعهداته هي المحك للحكم على الامور إضافة الى اداء الحكومة.

السابق
نقد الثورات العربية وتجاوزها… نحو بقاء الاستبداد
التالي
بري للنهار:أثبت الشارع الشيعي عمق انضباطه والتزامه تعليمات قياداته السياسية والدينية