حذار الدب القطبي!

-مرحبا “بيبي” يا لها مناسبة سعيدة! أخبرني عن سبب حظوتي بشرف هذا
الاتصال؟
-هلاّ ألغيت البند في البيان المتوقع صدوره هذه الليلة عن مجموعة الثماني ويطالب “إسرائيل” بالتفاوض من أجل السلام إنطلاقا من حدود ما قبل 5 حزيران 1967؟
لا تقلق! اعتبر القضية منتهية.

يروى أن الحديث جرى على هذا النحو بين رئيس الوزراء “الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ونظيره الكندي ستيفن هاربر عشية صدور البيان الختامي لمجموعة الثماني الذي عقد في فرنسا في الخامس والعشرين من أيار المنصرم، وتؤكده أيضاً صحيفة “هآرتس”.
فبعدما كانت دول المجموعة قد اتفقت على مسودة بيان يدعو “إسرائيل” الى الشروع في محادثات سلام إنطلاقا من حدود ما قبل 5 حزيران 1967 ، تعقيبا على تصريح الرئيس الأميركي باراك أوباما المعلن في التاسع عشر من الشهر نفسه بهذا الخصوص، نجح رئيس الوزراء الكندي في إجهاض هذا الجهد متذرعاً بأنه فيما تطالب المسودة “إسرائيل” بالقيام بعمل محدد لا تتوجه الى الفلسطينيين بأي نداء، ما “يتناقض مع مبدأ “عدم الانحياز” بحسب ادعاء هاربر. والواضح أن تعليل هاربر رفضه لهذا البند من المسودة يقع في خانة الهراء السياسي، فمنذ تبوئه السلطة عام 2006 ما انفك يدافع عن “إسرائيل” وكل أفعالها ويحارب العرب والمسلمين بسبب أو من دون سبب. فلم يقتصر إنحياز هاربر الفاضح لـ”إسرائيل” على الأزمات التي تعرضنا لها في المنطقة فحسب، عندما وصف الهجوم البربري “الإسرائيلي” على لبنان خلال حرب تموز بـ “الرد الواعي” أو عندما ألقى باللوم على أهل غزة خلال الهجوم “الإسرائيلي الوحشي على القطاع عام 2008، بل تعداه إلى التمييز العنصري ضد الجالية العربية في كندا نفسها، فلم يوفر الاتحاد العربي الكندي من عنصريته عندما سحب التمويل الحكومي لمدرستين كان يديرهما الإتحاد، إحداهما لتعليم اللغة الإنكليزية للقادمين الجدد والأخرى لتدريبهم على إيجاد فرص عمل جديدة بسبب “ تعاطف الإتحاد مع منظمتي حماس وحزب الله الإرهابيتين”، كما صرّح وزير هاربر العنصري جايسون كيني. وها هاربر الآن يعمل على إصدار قوانين جديدة تصنف أي إنتقاد لـ”إسرائيل” و لو كان سياسياً في خانة جرائم معاداة السامية التي يعاقب عليها القانون.

فعلى هامش الاتحاد البرلماني الدولي لمحاربة معاداة السامية وهي منظمة صهيونية بكل ما للكلمة من معنى أنشأ هاربر لجنة برلمانية تضم ممثلين عن معظم الأحزاب الكندية لإصدار توصيات للبرلمان الكندي في هذا الشأن. الجدير ذكره أن جميع الأحزاب الكندية ما عدا حزب “بلوك كيبيكوا” أو الاتحاد الكيبيكي تشارك في هذه اللجنة المشبوهة. فالاتحاد الكيبيبكي الذي عانى ما عانى من قهر الاستعمار البريطاني لقرنين نأى بنفسه عن المشاركة في منظمة إمبريالية كهذه. أما الحزب الإشتراكي الذي يسمى “الحزب الديمقراطي الجديد” الذي يدعي صداقة العرب فهو يشارك في هذه اللجنة، فرغم مواقفه الكلامية المحض المتعاطفة مع القضية الفلسطينية في بعض الأحيان، يضم في صفوفه وكوادره الكثير من الصهاينة ممن يدعون التقدمية في كل القضايا ما عدا قضية فلسطين. ومعاداة العرب لدى “التقدميين” في كندا لا تقتصر على الديمقراطيين الجدد فحسب بل تتعداهم الى بعض مؤسسات المجتمع المدني التي تقف ضدنا في القضايا المصيرية بذريعة محاربة “معاداة السامية” أو الدفاع عن “حقوق الإنسان” مزودة آلة هاربر الإعلامية بالوقود اللازم لتشويه صورتنا، كما يحدث الآن بالنسبة إلى الوضع في سورية مثلاً.

إنحياز هاربر الفاضح إلى “إسرائيل” تفوق على الولايات المتحدة وكل الدول الغربيه وكل من سبقه من رؤساء وزراء كندا في التفاني لهذا الكيان ما أوقع المحللين السياسيين في كندا في حيرة من أمرهم حول الأسباب التي تدفعه إلى ذلك، خاصة أنه صرح مراراً بأنه سيدافع مستميتاً عن مصلحة “إسرائيل” ولو كان ذلك على حساب مصلحة الشعب الكندي! ألم يضحِّ هاربر بمقعد في مجلس الأمن عندما خسرت كندا العديد من أصوات دول الجمعية العامة بسبب انحيازها لـ”إسرائيل”؟ ألم يعترف هو شخصياً بذلك عندما قال “ سواء كلفني الأمر مقعداً في محلس الأمن أو آخر في الفرنكوفونية الدولية سوف أستمر في الدفاع عن “إسرائيل” ما دمت رئيسا للوزاء و مهما كان الثمن”؟ الصحافية ليزيان غانيون من صحيفة “غلوب أند مايل” الواسعة الانتشار حاولت جاهدة تحليل هذه الظاهرة في أحد مقالاتها لكنها لم تتوصل الى نتيجة، خاصة أنها وجدت أن مواقف هاربر تتعارض مع مصلحته السياسية بوضوح، فعدد الناخبين العرب يفوق عدد الناخبين اليهود في كندا كلها ومرشحا حزب المحافظين الذي ينتمي إليه هاربر لم يوفقا في المناطق اليهودية في مدينة مونتريال مثلاً رغم إستماتته في الدفاع عن “إسرائيل” في كل محفل ومناسبة. أما صحيفة “فانكوفر صن” فنشرت مقالا للمدوّن “موري دوبن” يصف فيها تصرف هاربر بالنسبة إلى “إسرائيل” بالخلل العقلي.

شاءت الظروف الداخلية ومنها فضائح الفساد في الحزب الليرالي أن يرتقي ستيفن هاربر سلم السياسة ليتبوأ سدة رئاسة الوزراء في دولة تمثل قوة إقتصادية كبرى مثل كندا، لكنه لم يكن وفياً لشرعة الحقوق والحريات الكندية بل أيد كيانا عنصريا يفتك بالأطفال والنساء يومياً، وحارب وهمش جزءاً كبيراً من شعبه من أصول عربية وإسلامية، ولم يكن وفياً لمنصبه أيضا فتصرف كعميل لدولة أجنبية أكثر منه كرئيس وزراء منتخب . فلربما بقي حنينه دوماً لوظيفته الأولى كساعي بريد في شركة “إمبيريال” أويل إذ لا يزال إلى اليوم يعتمر قبعة الطاعة ويوصل رسائل “إسرائيل” أينما حل في هذا العالم.

ملاحظة: في مقالي السابق “فيسوك والوجه الآخر” وردت ترجمة غير دقيقة لمصطلح “فيسبوك” من الأنكليزية إلى العربية، فالترجمة الصحيحة هي “كتاب الوجوه” وليس “كتاب الوجه” كما ورد، فاقتضى التوضيح.

السابق
منتخب لبنان يستفيق من غيبوبته بعد 485 يوماً
التالي
هذا الرجل خطير