مايكل دبغي لم يحقّق حلم.. العودة

 توقف قلب الجراح الأميركي اللبناني المرجعيوني مايكل دبغي عن مئة عام في 11 تموز الماضي، ومايكل دبغي اسم يعرفه الملايين من البشر في كل أنحاء العالم، فهو كما قيل عنه رائد الطب الجراحي الذي أجرى أكثر من 65000 عملية قلب.
ولد مايكل دبغي عام1908 في ليك تشارلز، ولاية لويزيانا، وحصل على شهادة الطب من جامعة تولين في نيو أورلينز التي أكمل فيها سنة الامتياز، وتابع دراسته العليا متخصصا في الجراحة في جامعة ستراسبورج فرنسا، واستكملها في جامعة هايديلبيرج، ألمانيا، وعمل في عدة مستشفيات أوروبية وأميركية. يجيد الانكليزية، الألمانية، العربية والفرنسية.

دبغي وَمرجعيون
كتب عن دبغي الكثير الكثير، ولكن هناك بعض من مشاهد حياته وسيرتها وخاصة حبه للبنان وجنوبه وبلدته مرجعيون ما يجب الاضاءة عليه، ولذلك زارت "شؤون جنوبية" مدينة مرجعيون وكان لها لقاء خاص بابن عم دبغي موريس دبغي، مدير كلية مرجعيون، الذي عرف مايكل عن قرب وكان له لقاءات عديدة معه وزيارات متبادلة. الذي يقول "مايكل دبغي زار مرجعيون عام 1920 وكان عمره حينها 12 عاماً حيث أمضى عدة أشهر مع ذويه وتحسس مرجعيون وتعلق بها".
ويتذكر موريس دبغي أن " البروفوسير مايكل دبغي قدم الى لبنان في أواخر الستينات لحضور مؤتمر طبي في فندق البستان، وعندما حان موعد الفطور لحق به المرضى فامتنع عن الفطور وبدأ يعالج مرضاه حتى الظهر، وكان يقول: "قلوب الناس أهم من راحتي". وعن تعلقه بأقربائه ورفاقه يقول موريس "في العام 1997 قدم مايكل الى لبنان وأول ما سألني عن كبار السن من أقربائه وأصدقائه، فقلت له لم يبق منهم الاّ شخص اسمه جريس الحداد، وهو رفيق اللعب في الصغر، فقصد منزله في بيروت واستذكر معه الأيام الماضية. وقرر وقتها الذهاب الى مرجعيون رغم الاحتلال، فرتبنا له ذلك لكن الوضع الأمني ساء وقتها ما أعاق ذهابه".

مراتع الطفولة
ويتابع "عام 2005 قال لي أنا ذاهب الى مرجعيون لامضاء يوم واحد من دون علم وسائل الاعلام، وقتها كان مع زوجته وابنته، وعلمت أن يوم قدومه الى مرجعيون هو يوم عيد ميلاده ال 97، وأثناء ذهابنا الى الجنوب توجهنا الى محلات الباب، لبيع الحلوى وقتها قال له صاحب المحل ، لقد بدأت بعملي في محل صغير جداً وها أنا حققت نجاحات كبيرة، فرد عليه قائلاً أنا قاصد اليوم بيتي الصغير جداً في بلدتي مرجعيون، وبعد أن احتفلنا بعيد ميلاده في مرجعيون بقي واقفا طوال اليوم يسلم على أبناء البلدة الزائرين، وأصر الذهاب الى منزل ذويه وقصد ساحة البلدة القديمة التي كان يلعب فيها وقصد منزل أهل أمه والكنيسة الكاثوليكية التي كان يصلي بها اضافة الى المستشفى وكلية مرجعيون، وقلت له وقتها أننا نقوم بمكتبة تحمل اسمه هدفها نشر تراث مرجعيون".

65000 ملف للقلوب
ويذكر موريس دبغي أنه زاره في العام الماضي الى أميركا بعد انجاز عملية جراحية له ، كان عمره وقتها 98 عاماً ، لكن رغم ذلك كان يقصد المستشفى كل يوم للعمل وهو مقعد على كرسيه، وقال لي أن لديه قرص مدمج مسجل عليه 65 ألف ملف لعمليات جراحية قام بها بيديه، اضافة الى ما يقاربها من عمليات أنجزت تحت إشرافه. ومنذ نحو الشهرين أي قبل وفاته بقليل " وعدنا بزيارة الى المكتبة في مرجعيون وقال لي أراك قريباً، وكنت وقتها في نية الاحتفال بعيد ميلاده ال 100 في بلدته أيضاً". ومما يذكره موريس أن "مايكل كان مثقفاً كثيراً اضافة الى علوم الطب فقد قال لي أنه قرأ عشرات الكتب عن الدين الاسلامي، وكان في باحة منزله في هيوستن تاكسس قد زرع البندورة والباذنجان والكثير من المزروعات الجبلية، وكان له اهتمام خاص بالشعر وقد خصص جوائز في أميركا لأفضل من يكتبون الشعر في المدارس الثانوية، ومن صفاته أنه كان مرحاً ويمزح كثيراً ، وكان يظهر اعجابه بقدرة وتفوق اللبنانيين فقد قال لي مرة ، زرت العالم كله وفي كل بلد أقصده أجد العديد من اللبنانيين المميزين جداً".

طبيب الفقراء
يقول عنه الدكتور سام زاخم مستشار الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان: "لايتكلم دبغي إلا لماما، لكنه متوقذ الذهن، حاضر دائما، متواضع، يسافر ويعالج الفقراء قبل الأغنياء، اذكر عندما شاهدت مقابلته على قناة (سي بي اس) واخبرته، ابتسم، ثم أخفى عينيه عني!".
واكتسب الدكتور دبغي على مر السنين شهرة واسعة في جميع أنحاء العالم. وكان مستشارا لجميع رؤساء الجمهورية الأميركيين خلال السنوات الخمسين الماضية، وكذلك لرؤساء دول آخرين من سائر أنحاء العالم. كما ساهم في إنشاء (المكتبة الطبية الوطنية) في أميركا، والتي تتضمن أهم المراجع والوثائق الطبية وأكثرها دقة وأكاديمية.
داني الأمين

من اختراعاته تطوير مضخة دائرية للاستخدام في الجهاز الذي يقوم بعمل القلب والرئتين أثناء العمليات الجراحية عام 1932، وقد منح جائزة الاستحقاق العظمى لتطويره الوحدات الطبية المتنقلة وقاد حركة للمطالبة بإنشاء المكتبة الوطنية. ومن ثم تطويره آلة تستخدم في جراحة شرايين القلب. وقام عام 1953 بأول جراحة لفتح شريان مسدود وعام 1956 بأول عملية جراحية لإصلاح ثقب في القلب.وعام 1963قام بأول عملية جراحية عن طريق الاتصال التلفزيوني.وعام 1964 قام بأول عملية جراحية لتغيير الشرايين التاجية. وعام 1966 هو أول من زرع قلبا اصطناعيا بنجاح، وعام 1968 بأول عملية من سلسلة من 12 جراحة لزرع قلب غير اصطناعي وعين عميدا لمعهد بايلور للطب وعام 1969 منح ميدالية الحرية بامتياز وعام 1977 نشر كتابه " القلب الحي" وعام 1978 انشأ مركز مايكل دبغي للدراسات والأبحاث في الطب الإحيائي وعام 1984 نشر كتابه " تغذية القلب الحي" ثم انشأ عام 1985 مركز دبغي لأمراض القلب وعام 87 منح جائزة العلوم الطبية الوطنية وعام 93 منح دكتوراه فخرية من جامعة موسكو وعام 96 أدرج اسمه بين مشاهير العاملين في الطب.. قال له الرئيس الأميركي نيكسون أثناء تكريمه عام 1973 في البيت الأبيض: "أميركا مدينة لك، دعني أحضنك نيابة عن الملايين"، حينها هطلت دموع مايكل النادرة التي علق عليها الأسبوع الماضي المذيع الأميركي لاري كينج خلال الحديث عن بيروت قائلًا: "تمنيت أن دموعه سقطت بين كفي، لأمسح بها قلبي المضطرب وأشفى. إن دبغي تعريف دقيق للاستقامة والعبقرية".
 

السابق
هجرة وهجير ومعركة الشاعر أحمد سعد
التالي
عادل صباح يترك النبطية وحيداً