أميركا والإصلاح السياسي

إذا صنفنا دول العالم على أساس النظم السياسية ومفهوم القانون والمواطنة والحريات، فقد نجد الدول العربية في أدنى سلم التصنيف.
إذا صنفناها على أساس ثقافة العصر والاقتراب من ثورة المعلوماتية والتكنولوجية الحيوية، فسنجدها في وضع بائس تجترّ ثقافة القرون الوسطى.
إذا صنفناها على أساس الاستقلال والتحرر من التبعية وسيادة الأمة على نفسها، فنجد أن الاستعمار المباشر زال من الكرة الأرضية باستثناء الدول العربية، حيث الاغتصاب الصهيوني بسياسته العنصرية والعدوانية وحيث الاحتلال الأميركي المباشر وقواعده العسكرية يخنقان العديد من المجتمعات العربية.

تدرك أميركا حاجة الشعوب العربية الى الاصلاح، وتدرك في الوقت عينه تعارض مصالحها والمصالح الصهيونية مع هذا الاصلاح.
أي استفتاء لرأي الشعوب العربية يظهر اتجاهاً ساحقاً يعبرعن كره السياسة الأميركية والوجود الصهيوني.

إذا كانت الأنظمة العربية في غالبيتها الساحقة تسير في الركب الأميركي مذعنة ودافعة جزية الحفاظ على عروشها، فإن الشعوب العربية هي في موقع آخر يعاكس سياسة هذه الأنظمة ويتحين الفرص لمواجهة سياسات العدوان الأميركي – الصهيوني.
إذا ما أتيح لهذه الشعوب أن تعبر عن رأيها بصراحة من خلال دولة ديمقراطية حقيقية فأول وأكبر المتضررين هو أميركا وربيبتها.
لإجهاض أي اصلاح حقيقي ينتج عن ثورة شعبية، عملت أميركا ولا تزال تعمل على:

– استبدال بعض الدكتاتوريين مع الإبقاء على أنظمتهم وإجراء بعض التحسينات عليها.
– تدجين أي ثورة قد ينتج منها مواقف معادية لها وللوجود الصهيوني.
– العمل على زرع الفتنة بأشكالها المذهبية والطائفية والاتنية والمناطقية كلها.

لقد جرى تدريب مجموعات من الشباب العربي من قبل جمعيات أميركية، على كيفية التنظيم والتواصل من خلال التقنيات الحديثة: انترنيت – فايسبوك – تويتر – أجهزة خلوي متطورة – وغيرها. مجموعات لا تربطها ايديولوجيا أو فكر سياسي محدد ولا تجمعها قيادة موحدة ولا أطر تنظيمية خاصة، وترفع شعارات الحرية والديمقراطية واسقاط النظام، من دون أي وضوح في برامجها السياسية والاقتصادية وخصوصاً مواقفها من القضايا القومية الكبرى.

كان لهذه المجموعات اضافة الى الفضائيات دور بارز في الثورات والاحتجاجات الشعبية. يضاف الى ذلك عوامل عدّة مثل البطالة والفقر والتفاوت الاجتماعي الكبير، اضافة الى تعميم الشعور بالمهانة من قبل أنظمة مستبدة عند غالبية الشعب.
لم تكن أميركا في موقف محايد من هذه الثورات بل كانت تعمل بجهود كبيرة لدفعها حيث يجب ولجمها أو منعها في بعض الأحيان والأماكن، لتستفيد منها بما يحقق مشاريعها في تفتيت وتقسيم المنطقة العربية وتثبيت هيمنتها عليها بما يؤمن استمرار تفوقها ومنع ظهور قوى منافسة عالمياً.

خلال الحرب الباردة استغلت أميركا المشاعر الدينية فدعمت العديد من التنظيمات الدينية في مواجهة المد الشيوعي والمخططات السوفياتية.
واليوم تستغل أميركا المشاعر المذهبية وتعمل على دفعها الى أبعد الحدود لخلق الفتن المذهبية في أماكن والفتن الطائفية والاتنية في أماكن أخرى. وتتدخل بقوة في الثورات العربية لا لتحقيق اصلاحات سياسية يتطلع اليها الشعب، بل للحفاظ على مصالحها هي.
لا مصلحة لأميركا بأي إصلاح سياسي في الدول العربية.

لا مانع لديها من ديمقراطيات على مستوى المدينة والطائفة والعشيرة. ولكنها ستحارب أي ديمقراطية لدولة عصرية على مستوى الأمة والوطن.
من بنى سياسته الاستعمارية طيلة تاريخه في دعم الدكتاتوريات ومحاربة القوى الديمقراطية والثورية المناهضة لها، لا يمكن أن يتحول من ناهب خيرات الشعوب الى جمعية خيرية.
الديمقراطية وحقوق الإنسان هما حل داخلي يؤمّن استقرار المجتمع والدولة، ولكن لا علاقة لها بقضايا الحقوق والمصالح القومية التي لا تثبت في معترك الصراع بين الأمم الا بفعل القوة الذاتية، القوة المادية والقوة الروحية.
من يراهن على ديمقراطية بالاتكال على الدعم الأميركي هو ساذج وجاهل إن لم يكن عميلاً وخائناً.

يجب أن يكون رهاننا على الديمقراطية رهاناً داخلياً، ينبع من حاجة الشعب لها، ويجب أن ندرك أن الديمقراطية لا تتوافق أبداً مع أشكال العصبيات المحلية: دينية – طائفية – مذهبية – عرقية – مناطقية.
يجب أن تبنى الديمقراطية على قاعدة وحدة الوطن ووحدة الأمة من دون أي تمييز بين أفراد الأمة. ولا يجوز أن يكون الخلاف السياسي بين الأحزاب على الثوابت الوطنية والقومية.
ولا يجوز السماح بقيام أحزاب تعمل على تقسيم الأمة أو تثير نعرات دينية ومذهبية أو عرقية.

الخلاف المقبول هو الخلاف في الوسائل والبرامج العملية التي توصل الى تحقيق الأهداف الاستراتيجية الكبرى، في اطار حرية الصراع الفكري المفتوح أمام الجميع من دون احتكارات خاصة أو عامة.

السابق
حزب الله: لا تعليق حتى إشعار آخر
التالي
الجيش واليونيفل ينتشران تخوفاً من تداعيات القرار