لقاء المعارضين في دمشق ومشروع الإصلاح السياسي

نجحت قوى معارضة وطنية وديموقراطية في سوريا في امتحان الجدارة، وقدّمت عبر مؤتمرها الطارئ، يوم أمس الأول، الاثنين، نموذجاً راقياً لحركة الاعتراض على سلوك النظام بدافع الحرص على الوطن ودولته وحقوق الإنسان فيه وعنوانها الحرية.

تخفّف ذلك النفر من المثقفين وأهل الرأي من مرارات التجارب الشخصية مع الأجهزة الأمنية، وفيهم الكثير ممّن اعتُقلوا لغير ما سبب، وفيهم مَن سجنوا شهوراً وأحياناً سنوات لغير ذنب ارتكبوه غير التمسك بحقهم في أن يقولوا رأيهم، ودائماً بدافع الحرص على كرامة وطنهم وحقوق مواطنيه، وبالتالي كرامة دولتهم، ولو رأى بعض أهل النظام في الإصلاح خطراً داهماً لا بد من مواجهته بالقوة المطلقة.

تخفّفوا من ذلك كله، وجلسوا في قاعة مزدحم داخلها بالمهتمين، ومزدحم خارجها برجال الأمن والمواطنين المتلهفين إلى ما يطمئنهم إلى يومهم وغدهم، وانطلقوا يطرحون أوجاع وطنهم ويناقشون السبل والوسائل الكفيلة بتوفير مخرج صحي من الأزمة الدموية التي تفاقمت بحيث تجاوز خطرها النظام إلى الدولة وأهل الحكم إلى الوطن.

كانوا يعرفون أن «الأمن» في كل مكان، وإن فاجأهم اهتمام الإعلام الرسمي وازدحام الكاميرات تتخاطف صورهم، والصحافيون يطلبون نسخاً من كلماتهم… ففي البلاد التي تعيش أوضاعاً طبيعية يعتبر مثل ذلك اللقاء خبراً عادياً، بالكاد يحظى بمساحة للنشر في الصحف أو نشرات الأخبار المحلية.. أما وسوريا تعيش حالة اضطراب دموي يتهددها في ما يتجاوز استقرارها إلى ثوابتها الوطنية المؤكدة وحدة مجتمعها ودولتها، فإن مثل هذا اللقاء يكتسب قيمة إضافية لأنه يعكس تحوّلاً مهماً ومزدوجاً: في مفهوم النظام لحق المعارضة في رفع صوتها بالاعتراض على الخطأ الذي تفاقم فأنذر بتهديد سلامة الوطن، وفي تأكيد المعارضة على حقها البديهي في طلب الإصلاح واستعجال خطوات التنفيذ.

كانت التطورات المتلاحقة التي صبغت وجه سوريا بالدمّ قد أسقطت المفهوم البوليسي الذي يعتمد قاعدة مفادها أن المعارضة خيانة، أو هي دعوة إلى الفتنة أو ـ بالحد الأدنى ـ خروج على النظام يستوجب التأديب.

وجاء هذا التلاقي الذي اتخذ شكل المؤتمر ليؤكد ما ليس بحاجة إلى توكيد من أن المعارضة ـ فضلاً عن أنها حق ديموقراطي بديهي ـ هي في صميم العمل الوطني، وهي تعزز الوحدة الوطنية ولا تهدّدها، وتفضح دعاة الفتنة والانفصاليين والطوائفيين والعنصريين وتكشفهم وتسفّه منطقهم التحريضي المعادي للديموقراطية وكرامة الوطن وسلامة دولته.

كذلك تأكد المؤكّد من أن التسليم بوطنية المعارضة التي عنوانها المطالبة بإصلاح جدي وشامل يبدأ من تحرير الدولة والمجتمع من «الحزب القائد» يوفر للنظام فرصة التخلص من أثقال تخوّفه من الإقدام على الإصلاح الذي بات شرط حياة له.

تلك مرحلة مضت وانقضت، وقد كلفت البلاد وشعبها الكثير الكثير، وآن أن تُعاد صياغة الدولة بمؤسساتها، وأن يُتاح للمجتمع أن يعبّر عن ذاته وأن يسعى لتحقيق مطامحه بغير قيود تُفرض عليه وكأنه قاصر بحاجة إلى وصاية دائمة وإلى ترشيد على مدار الساعة.

لقد أكد السياق الدموي للأحداث التي هزت سوريا وضربت استقرارها وأساءت إلى صورتها التي كانت تقدمها كقلعة وطيدة الأركان ثابتة على مواقفها في موقعها المميّز، أن النظام قد شاخ وأن أجهزته قد أصابها التكلّس وأن الصمت المفروض قد باعد بين الشعب وبين القيادة… وأن كثيراً من القوى التي لا تريد الخير لسوريا، دولة وشعباً، قد نفذت من تلك الثغرة فقلبت الاعتراض إلى تمرّد، وقلبت طلب الإصلاح إلى مواجهة عبثية بالسلاح ذهب ضحيتها مئات الضحايا الأبرياء وكبّدت البلاد خسائر فادحة يصعب تعويضها إلا بمزيد من التعب والعرق والصبر على الشح في الرزق في ظل انطفاء أسطورة الاستثمار الخيري.
هي خطوة أولى على طريق طويلة جداً وحافلة بالصعاب والمطبات، خصوصاً مع استمرار الاضطراب في أحوال الأمن، وتواصل تظاهرات الاحتجاج
.
لكن هذه الخطوة يمكن أن ترشد اللقاء التشاوري المكلف بالإعداد لمؤتمر الحوار الوطني المقرر عقده في العاشر من تموز المقبل.
لقد وضع لقاء السميراميس الإطار العريض للمطالب وحدد العناوين الثابتة للإصلاح، ورسم إلى حد ما الطريق إلى تنفيذها.
والمهم تسريع الخطوات التنفيذية وصولاً إلى ما طرحه الرئيس بشار الأسد في خطابه الأخير حول الدستور الجديد والانتخابات والقوانين الجديدة المتصلة بإنشاء الأحزاب وبالإعلام ومكافحة الفساد.

هي خطوة أولى..

لكن أهميتها أنها تؤسس لمرحلة جديدة في الحياة السياسية لسوريا، لا سيما أنها من خارج «المؤسسة الرسمية»، ولم تصدر بقرار، ولم يتم إقرار بنودها بالتزكية مرفقة بالتصفيق الحاد والهتافات التي تضيّع أساس الموضوع.
فلنأمل أن تتوالى الخطوات على طريق إعادة البناء المنشودة.

السابق
الأنوار: مشروع تكتل داخل الحكومة يحذر من مخاطر المواجهة مع المجتمع الدولي
التالي
فرنجية-عون:سباق صامت نحو بعبدا!