فضل الله:المناورات الصهيونية تتطلب الاستعداد لمواجهة أي عدوان والإدارات الغربية لا تريد لسوريا أن تتلتقط أنفاسها لتحرك عجلة الإصلاح في الواقع،

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

"لا تزال الشعوب العربية تتابع حركتها، بعدما كسرت قيود الظلم والخوف، وانتفضت على حكامها الذين أذلوا هذه الشعوب، وتواطأوا لعقود مع قوى الاستكبار العالمي في تأييد سيطرتهم واستئثارهم، معتمدة على طاقات أجيالها المبدعة في إعادة رسم مسار أوطانها، بما يعيد إلى هذه الأوطان وهذه الشعوب ما افتقدته لسنوات طوال. في هذا الوقت، تتابع قوى الغرب بعامة، والأميركية منها في شكل خاص، رسم سياسات ماكرة تريد من خلالها الالتفاف على إنجازات هذه الثورات، لإعادة دمجها في مشاريعها الاستيعابية للمنطقة. وتقوم هذه السياسات على إيهام الشعوب العربية بأن الغرب هو نصير هذه الحركات الشعبية، وأنه حريص على إنجازاتها، وأنه يريد المساعدة على تطوير الحياة الديموقراطية في هذه الدول، بينما هو لا يسعى إلا لتأكيد مصالحه وإطباقه على المنطقة".

اضاف:" إننا نؤكد على الشعوب العربية، أن تكون واعية لكل ما يجري من حولها، وألا تسمح للتدخل الأميركي والأوروبي الذي يلبس عباءة مجلس الأمن تارة، وعباءة الحلف الأطلسي تارة أخرى، أن يحقق أهدافه، بعدما رسم خريطة جديدة للمنطقة على شاكلة مصالحه وغاياته الجيوسياسية. إننا في الوقت الذي نقدر لشعوبنا الثائرة والساعية إلى التغيير طموحاتها وآمالها، بعد كل هذه الآلام التي تحملتها لعقود مضت، نؤكد عليها أن تعمل لقطع دابر التدخل الخارجي من جهة، وقطع دابر الفتنة في الداخل من جهة ثانية، لأن الفتنة السياسية والمذهبية هي السلاح الأمضى الذي تعمل محاور الاستكبار للدخول من خلاله إلى كل الساحات الشعبية والجماهيرية، لقلب الطاولة على الطموحات العفوية والطبيعية لشعوبنا، وللعبث بالمنطقة كلها".

وتابع:" آن لشعوبنا أن تعي أن أميركا والغرب لا يريدون إلا الهيمنة على دولنا وثرواتنا، وأن أولى أولوياتهم هي مصالحهم وحفظ الكيان الصهيوني وتفوقه، وأنهم لأجل ذلك مستعدون أن يمزقوا خريطة المنطقة من جديد، لضمان تفوق هذا الكيان على الدول العربية والإسلامية مجتمعة".

اضاف:" ومن هذه الزاوية، نطل على الوضع في سوريا، لنلاحظ أن الإدارات الغربية لا تريد لهذا البلد العربي والإسلامي أن يلتقط أنفاسه ليحرك عجلة الإصلاح في الواقع، بل تسعى لكي يبقى في دائرة الاستهداف وتحت وابل الضغوط. ولذلك، فإننا في الوقت الذي نستشعر خطورة الموقف فيما هي الخطة الغربية الساعية لإثارة الضغوط خدمة للعدو، نؤكد على القيادة السورية أن تستعجل حركة الإصلاح الميداني، حماية لواقعها وشعبها، ودرءا لكل الخطط والمؤامرات الخارجية".

واوضح :" في هذا السياق، نشعر بالقلق حيال ما يحصل من توتر حدودي بين سوريا وتركيا، بالنظر إلى الخلفيات الدولية التي تختفي وراء تحريك هذه المسألة، لأننا نرى أن التصعيد الناشئ منها، يحمل في طياته العديد من المخاطر والنتائج السلبية..
إننا ندعو جميع المعنيين في هذا الملف، وخصوصا القيادات في البلدين، إلى العمل على احتواء هذه الأزمة، بما يرأب الصدع، ويقطع الطريق على الخطة الغربية الهادفة إلى تحريك القوة العربية والإسلامية بعيدا عن مصلحة بلداننا وشعوبنا".

وتحدث عن الوضع في البحرين وقال:"اما في البحرين، فكنا قد استشعرنا خيرا فيما دعت إليه السلطات لجهة الحوار مع المعارضة، وشجعنا كل هذه الخطوات التي اعتقدنا أنها تطل بالبلد على مرحلة جديدة، وأنها السبيل الوحيد للتعاون وحل المشاكل في البحرين، ولكننا فوجئنا بالخطوات الأخيرة القاسية التي استهدفت عددا من قادة المعارضة تحت عناوين واهية، ونحن نرى في ذلك محاولة جديدة لقطع الطريق على كل مساعي الحل، وسعيا جديدا لتعطيل الحوار الذي كنا نأمل أن ينطلق من قواعد صلبة ومتينة تحمي الواقع البحريني وتصون البلد. اننا نؤكد على السلطات في البحرين، أن تعيد النظر في قراراتها وإجراءاتها الأخيرة، وأن تنطلق في خط المسؤولية الوطنية، وفي الانفتاح على شعبها، بما يحصن الواقع البحريني كله، وينطلق بالبلد إلى شاطئ الأمان بعد كل ما حدث في الشهور والأسابيع الأخيرة".

ولفت الى "اننا لا نزال نراهن على خروج البحرين من هذه المحنة الصعبة، ونريد لهذا البلد العزيز الطيب بأهله وشعبه، أن يعود قويا ومتينا وصلبا بوحدة أبنائه وكل تنوعاته".وكلما اقترب موعد إنهاء وجود الاحتلال الأميركي في العراق، تزداد التفجيرات فيه، ما يترك علامات استفهام حول هدف هذه التفجيرات، هل هي للضغط على القوى السياسية في العراق للقبول بالتمديد للاحتلال، أو هو عبث بالساحات الداخلية لإشغال الواقع العربي، وإراحة كيان العدو، أو الأمر يهدف إلى الاثنين معا".

ودعا "الشعب العراقي إلى التكاتف والتوحد في هذه المرحلة، للتصدي لكل التحديات التي تواجهه وستواجهه. فليست المرحلة مرحلة التنافس على الواقع وتقاسم الحصص. بل إن مصلحة العراق تقتضي تقويته من داخله، وحمايته من كل التحديات التي تواجهه.ونحن نثق بأن تكاتف العراقيين بكل تنوعاتهم السياسية، يساهم في جعل العراق قويا وقادرا على حل مشاكله الداخلية ومع محيطه. والصمود في مواجهة تحديات الاحتلال".

اضاف:" في الوقت نفسه، نلاحظ أن استمرار الكيان الصهيوني في مناوراته العسكرية التي طاولت في الآونة الأخيرة كل قطاعات المجتمع الصهيوني، يشير إلى أن العدو يبيت نوايا عدوانية جديدة، وقد لا تقتصر هذه المرة على لبنان فحسب، بل قد تطاول دولا أخرى، ما يعني أن التعامل مع هذه السياسات الصهيونية بات يتطلب المزيد من الاستعداد لمواجهة أي عدوان، لذلك نرى من الضروري فتح قنوات التواصل العربي لتنسيق المواقف، بحيث تكون الاستعدادات بمستوى المرحلة، وكي نحبط أي حماقة صهيونية جديدة تجاه شعوبنا التي تستكمل الآن إنجاز تحررها من الهيمنة الأميركية والصهيونية المقنعة. ونحن هنا نتساءل: لماذا لا تتحرك الحكومات العربية لتضع لنفسها الخطط، وتقوم بالاستعدادات نفسها التي يقوم بها الكيان الصهيوني الذي يدرس كل التفاصيل، حتى اجتماع حكومته".

وتطرق الى الوضع في لبنان وقال:"اما لبنان، فإنه يستعد لفصل سياسي جديد تدخل فيه الحكومة إلى ميدان العمل، في وقت يتواصل القلق لدى اللبنانيين من الدخول في متاهات، وإن الأولوية التي يريدها المواطن من هذه الحكومة، هي الأمن وحل الأزمة الاقتصادية والمعيشية، لأن الأزمة الاقتصادية التي يرزح تحتها الشعب اللبناني قد تقوده إلى حال من اليأس من كل الواقع السياسي الذي يمعن في السجال الدائر بين قواه المتنافسة.. لذا، ندعو جميع القوى السياسية من داخل الحكم ومن خارجه، إلى العمل، كل بما يتوافر له من إمكانات، لدرء المخاطر الكبرى التي تنتظر لبنان.. وإن تحصين البلد أمام العواصف التي ينتظر أن تهب عليه من أكثر من مكان، يتطلب الارتفاع إلى مستوى المسؤولية التاريخية التي تظهر لبنان قويا متماسكا بوحدته أمام هذه التحديات".

اضاف:"إن لبنان يحتاج إلى رجال كبار لا يلتهون بالصغائر، فالوطن أهم من الجميع.إن لسان حال الناس يقول للجميع الذين يتحدثون عن بطاقات سفر لهذا أو ذاك برجعة أو بغير رجعة: اقطعوا بطاقات سفر باتجاه واحد للأزمة الاقتصادية والسياسية، وتخففوا من أثقال السجال التي أرهقتكم وأرهقت مواطنيكم، وتسابقوا في خدمة الناس المستضعفين والمحرومين، الذين يستصرخون ضمائركم وإنسانيتكم، بأن تعيدوا تحريك عجلة البلد في كل المجالات.. إننا لن نكون كالكثيرين الذين يتحدثون عن عجائب ستحصل من هذه الحكومة، ولن تحصل هذه العجائب، فنحن نعرف حجم الصعوبات التي تعاني منها الحكومة في ظل الظروف الداخلية والخارجية، ولكن هذا لا يعني إلا العمل أكثر من أجل تجاوز كل هذه الظروف الصعبة.. ونحن على ثقة بأن اللبنانيين يملكون الحيوية والإبداع للخروج من كل هذا الواقع، المهم أن يقرر اللبنانيون أنهم يريدون بناء دولتهم والنهوض بها، وعدم البقاء رهينة الآخرين".

وختم:" آن للبنانيين أن يروا دولة تلبي طموحاتهم، ولكن هذه الدولة لن تقوم على قاعدة: قم لأجلس مكانك، بل على قاعدة: قم وتعال لأتعاون معك، أنا من موقعي وأنت من موقعك، لنسير بالبلد إلى الأمام".

السابق
المسؤول التنظيمي لامل: الحكومة تسير اليوم في حقل الغام محلي، اقليمي ودولي
التالي
حبيش:المحاسبة لا تكون بالخطاب المتشنج