“ديموقراطية” من فوق!

مئة يوم وسوريا تنتفض. حراك وشعار ينتشر: «الشعب يريد إسقاط النظام». تحت وطأة الاحتجاج، أقدمت السلطة، ولو متأخرة، على وضع حزمة من الإصلاحات. أبلغها، إمكانية تعديل الدستور، لا مادة من مواده. قد يقال: هذا مستحيل. وقد، أخرى تقول، هذا ممكن، إذا توفرت إرادات، لا إرادة، وإذا شاركت في ذلك، أطياف سورية، معارضة للسلطة، ومدافعة عنها.

بعد مئة يوم، من الدماء والقمع والقتل والتهجير، لدى السوريين حقائق جديدة وأسئلة مستجدة. وأمام المعارضة تساؤل حسابي: ما هي كلفة التحول الديموقراطي؟ التغيير بأي ثمن؟ بالحوار أم بالدماء؟
إسراع المعارضة، وأكثرها في الخارج، إلى رفض ما قدمته السلطة، هو بالتحديد، رفض لما تطالب به المعارضة: تعديل الدستور، قانون انتخاب جديد، قانون أحزاب حديث، قانون إعلام حر، استقلال القضاء، لا سلطة فوق سلطة القانون، الخ… إن هذا الرفض، يعني ان الشعار، لم يعد إسقاط النظام فقط، وهو يسقط بعد تطبيق الاصلاحات، بل يتخطاه إلى إسقاط بشار الأسد تحديداً، أي إسقاط السلطة برمتها.

فما كلفة مثل هذا الشعار؟ ما حجم القوى؟ سقط زين العابدين بن علي، عندما تخلى عنه الجميع، ووقف الجيش على الحياد. سقط حسني مبارك عندما تخلى عنه الجميع، ووقف الجيش إلى جانب ميدان التحرير، فحمى الثورة، وأخذ موقع المرجعية المؤقتة في المرحلة الانتقالية. لم يسقط القذافي، برغم الأوهام الجميلة. لأن قواته الأمنية والعسكرية صامدة في وجه الثوار، وقوات حلف الأطلسي. ولم يسقط علي عبد الله صالح بعد، لأن له من يدافع عن سلطته. ولم يسقط حاكم البحرين الفعلي، رئيس الوزراء، لأن قوات درع الجزيرة، العربية والأميركية، حمته.

أليست هذه دروس جديدة، من واقع التحول العربي إلى الديموقراطية؟ النظام في سوريا يسهل إسقاطه، لأنه مطلب أهل السلطة راهنا، ومطلب جماهير المعارضة. أما إسقاط السلطة، فشأن آخر.

وقد تصدق السلطة في دمشق، وتجد ان خلاصها، ليس بالحسم الأمني، بل بالحسم الإصلاحي، أي، قد تذهب في تنفيذ حزمة الاصلاحات إلى خواتيمها، قبل نهاية العام. قد تصدق وتنجح في بلوغ مسودات مشاريع لتعديل الدستور، وتعود المرجعية فيه للشعب، وليس للحزب. قد يؤكد على صيانة الحريات وتداول السلطة في مواعيدها المحتومة، بلا تجديد أو فترات سماح. قد تنجح في إطلاق مسيرة العمل الحزبي (المشروع المقدم يحمل بصمات فكر منفتح على الديموقراطية، وممتنع على العصبيات الدينية والطائفية والأتنية والعشائرية والمناطقية) وقد تتجرأ على وضع قانون انتخاب يعبر عن قوى المجتمع، بشفافية وعدالة. قد تجازف وتضع قانونا عصرياً وحراً للاعلام. قد تتقيّد بالقانون وتفرض منطق دولة القانون على نفسها وعلى الآخرين. فيتوقف الاحتجاز والاعتقال. وقد تكرّس، استقلال القضاء، فلا يستفحل بطش ولا يحاسب رأي ولا يسطو أمن على حياة الناس، ولا تسرق طغمة مالية عائلية أموال الشعب. ماذا لو حدث ذلك؟

قد لا يحدث. لأن السلطة ستقوم بإصلاحات لا تلغي فيها نفسها. وتأتي التعديلات على صورتها، وعلى ضوء حاجتها لإسكات الاعتراض. وقد وقد… انما، لماذا لا تجازف المعارضة وتذهب إلى الحوار، لتصنع ديموقراطية من تحت، تشبه الشعب، فتمنع ديموقراطية من فوق، تشبه السلطة وتتوافق مع استمرارها.
إن تغيير رأس السلطة، بعيد المنال.

لقد سلم وليد المعلم الرسالة. حمل باليمنى وعود الاصلاح، وباليسرى، قبضة المواجهة. قال، إن شئتموها معركة، فنحن لها، وإن شئتموها، حواراً، فأهلاً وسهلاً. عندها، سنشهد «ديموقراطية» من فوق، ودماءً من تحت.

السابق
“شفتك بعيني” ولم أصدّق الكليب
التالي
مهرّجون في شوارع بيروت لولا فسحة… الضحك!