المحكمة الدوليّة: الحرب القادمة… قادمة!

محكومة بسقف زمنيّ يدنو يوما بعد يوم من رؤوس أعضائها تستمرّ لجنة صياغة البيان الوزاري في قذف لغم بند المحكمة الدوليّة من جلسة إلى جلسة، مستهلكة الوقت في مناقشة شؤون وشجون الوزارات التي لا تكون حصّتها الصغيرة في البيان الوزاري في نهاية المطاف إلّا تكرارا مملّا لما ورد في البيانات الوزاريّة السابقة من وعود -لم تصدق يوما- في العمل على حلّ كلّ الأزمات، ابتداء من أزمة السير، وليس انتهاءً بأزمة البطالة.

لكن، ولأنّ الشهر إذا "عشّر أبشر"، أي شارف على نهايته كما يقول المثل الشعبي، فإنّ مرور عشرة أيّام على تأليف الحكومة يعني أنّ الوزراء العتيدين، وبِرمشة عين، سيجدون أنّ مهلة الثلاثين يوما التي يمنحها الدستور لهم قد بلغت خواتيمها، لذلك فإنّ سياسة "قف كرة اليوم" لن تصلح بطبيعة الحال إلى ما لا نهاية.

يدرك رئيس الحكومة نجيب ميقاتي هذا الأمر، ومع ذلك فأنّه وهو الذي أثبت في تجربة التأليف أنّه يملك برودة أعصاب سياسيّة لا يملكها "جرّاح بريطاني" (على رأي الراحلة سعاد حسني) يبدو حريصا على الاستفادة من كلّ ثانية يمنحها له الدستور قبل إنجاز صياغة البيان، وتحديدا البند المتعلق بالمحكمة.

بأيّ حال، فإنّ الأمر المحسوم الوحيد حتى الساعة بهذا الشأن، هو أنّ البيان الوزاري المرتقب سيأخذ في عين الاعتبار لاءات المعارضة والأكثرية، فلن يتضمّن التزاما واضحا بالتعاون مع المحكمة الدوليّة، ولا إعلانا قاطعا عن رفض التعاون معها، وبالتالي، فإنّه لن يكون هناك ذكر لإلغاء البروتوكول الموقّع بينها وبين الحكومة اللبنانيّة، ولا لسحب القضاة اللبنانيين من فريق عملها).

وبحسب ما ينقل وزراء مشاركون في لجنة صياغة البيان، فإنّ المسوّدة الموضوعة بين أيدي أعضاء اللجنة لا تتضمّن حتى الساعة أيّ فقرة تشير إلى موضوع المحكمة الدوليّة، عِلما أنّ هذا الأمر قد يستمرّ حتى بعد تحوّل المسوّدة إلى بيان نهائي، خصوصا إذا ما انتصرت وجهة النظر التي يبدو حزب الله متحمّسا لها، والقائلة بأن تكون هناك عبارة عامّة تتحدّث عن احترام لبنان للقرارات الدوليّة، على أن يصار لاحقا وفي أوّل جلسة للحكومة بعد نيلها الثقة، الإعلان عن إحالة موضوع المحكمة الدوليّة إلى مجلس النوّاب لمناقشته بين الكتل السياسيّة، وهو ما يعني وضع الكرة في ملعب السلطة التشريعية. لكن هذا الأمر يبدو مثار اعتراض حتى الساعة لدى ميقاتي الذي يعتقد أنّ طرحا من هذا النوع سيتسبّب بجدل دستوري كبير وبحرج سياسي أكبر له على الأقل، لذلك فإنّ البديل عن هذا التوجّه قد يكون إعلان الحكومة عن إحالة الموضوع إلى طاولة الحوار لمناقشته مجدّدا بين أقطاب هذه الطاولة، عِلما أنّ ميقاتي وحزب الله يعرفان سلفا أنّ كلا الفكرتين ستُرفضان من قِبل قوى الرابع عشر من آذار، وتحديدا تيّار المستقبل، خصوصا وأنّ موضوع المحكمة سبق وأقِرّ في أقلّ من عشر دقائق في أولى جلسات طاولة الحوار، أواخر العام 2005.

أيّا يكن، فالحرب القادمة قادمة، وعلى الرغم من أنّ ميقاتي يجاهد لتحييد نفسه، ولو نسبيّا عنها، فإنّ الانقسام العامودي الذي تتجه إليه البلاد والذي يذكّر بما كانت عليه الأمور عام 2005 لن يترك على الأرجح للوسطيّة والوسطيين مكانا.

قادمة هي الحرب -السياسيّة على الأقل- وطرفاها اثنان لا ثالث لهما: من هم داخل السلطة، ومن هم خارجها.

وكما المعارضون الجدد، ستكون الأكثريّة الجديدة بحاجة لكلّ نائب ووزير استعدادا للمواجهة.

لهذا، ربّما قد يعيد الأكثريّون حساباتهم فيقسمون وزارة الخارجية والمغتربين إلى قسمين كرمى لعيون المير.

فيأخذ هو النصف الثاني ويبقى لعدنان منصور النصف الأول.

إن حدث ذلك، فإنّ الرئيس نبيه برّي يكون قد ضحّى لحلفائه وحلفاء حلفائه لا بوزير، بل "بوزير ونص".

السابق
مـاذا بعـد “لقـاء الثعـلبـيـن” في عيـن التـيـنـة؟
التالي
الرسالة الإسرائيلية المزدوجة