إطــلاق حملــة “ألــف” لمناهضــة التعذيــب

استغلت الجمعية اللبنانية للتعليم والتدريب «Alef» مناسبة اليوم العالمي لمناهضة التعذيب في 26 حزيران، لتطلق حملتها الإعلانية بعنوان: «عذابك مش راحة». وارتكزت الحملة على تقريرين أعدّتهما بين العامين 2010 و2011، يعالج الأول «تطوّر وضع حالات التعذيب ونمطه في لبنان 2008-2010»، بينما يسلّط الثاني الضوء على «السياقات الاجتماعية والسياسية والثقافية للعنف وتأثيرها في قبول التعذيب في لبنان». وقد برهنا، بحسب الجمعية، أن «العنف ظاهرة مترسّخة في المجتمع اللبناني، وأن ممارسات مثل التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية هي عامةً ممارسات يُسامح عليها كوسيلة عقاب طبيعية للمجرمين المحتملين».

قدّمت «Alef» في تقريرها الأول الذي أعدته في تشرين الأول من العام الماضي، ملخصاً لنمط التعذيب حتى العام 2008، حيث وجدت أن قانون العقوبات اللبناني، وتحديداً المادة 401 منه (تتناول موضوع التعذيب وسوء المعاملة)، يحوي ثغرات تتعارض واتفاقية مناهضة التعذيب.. خصوصاً مع افتقار المادة المذكورة إلى الأحكام اللازمة لحظر التعذيب ومعاقبة مرتكبيه لا سيما خلال إجراءات المحاكمة. وقد وجدت الجمعية أن «مراكز الاحتجاز والسجون هي الأماكن حيث ممارسة التعذيب والمعاملة المهينة الاكثر شيوعاً في لبنان».

وفي رصدها للمتغيرات التي شهدتها الساحة اللبنانية منذ العام 2008 وحتى العام 2010، سجّلت «Alef» تطورات مختلفة، اولها تصديق الحكومة اللبنانية على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالموضوع، لا سيما البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب «OPTCAT». وبموجب هذا البروتوكول، يسمح للجنة الفرعية لمنع التعذيب (SPT)، وهي هيئة دولية، بالقيام بزيارات منتظمة إلى السجون اللبنانية (حتى حزيران 2010 كانت قد قامت بتسع زيارات من دون الإعلان عن نتائج تلك الزيارات). كما تلتزم الدولة اللبنانية بإنشاء آلية وقائية وطنية (NPM) مهمتها أيضاً رصد السجون وزيارتها. غير أن لبنان لم يف بالتزاماته منتهكاً بذلك المادة 17 من البروتوكول الاختياري، التي تفرض عليه إنشاء هيئة وطنية مستقلة واحدة أو أكثر في غضون سنة على توقيع البروتوكول. وقد وجد نفسه أمام مشروعي قانون تجري مناقشتهما راهناً، يميل الأول إلى إنشاء لجنة لتنفيذ الآلية مستقلة عن أي سلطة رسمية أو هيئة حقوق الإنسان، في حين يحول الثاني الآلية الوقائية الوطنية إلى جزء من المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان.

إلى ذلك، رصد التقرير تطور وضع حالات التعذيب، أي الفئات المستضعفة منذ حزيران 2008، فوجد أن مدمني المخدرات وتجارها ما زالوا يخضعون للتعذيب وسوء المعاملة في مراكز الاحتجاز. وسجّل التقرير موقفاً شجاعاً للقاضي زياد مكنى في البقاع، الذي أحال قضيتين إلى النيابة العامة في البقاع للتحقيق في مزاعم التعذيب التي ارتكبها محققو مكتب مكافحة المخدرات، ورفض إقرار المعلومات التي انتزعت تحت التعذيب أو الاستفادة منها.

ومازال العمال الأجانب غير الموثقين وطالبو اللجوء واللاجئون، يعانون من الاحتجاز التعسفي المطول. فيما بقيت حادثة الأوزاعي التي تعرّض فيها الأمن العام للجالية السودانية غير مكشوفة ورهن بتحقيق داخلي. وما زال القانون لا يحمي مثليي ومثليات الجنس من ضروب المعاملة القاسية والتعذيب سواء خارج السجون ام داخلها.

ويكشف التقرير الثاني الذي أعدته «Alef» كيف تتجلى مظاهر العنف في لبنان، على مختلف الأصعدة السياسية والاجتماعية والثقافية. ويخلص إلى أن الموقف المتساهل تجاه العنف وخطاب الكراهية، يساعد مرتكبي التعذيب على الإفلات من العقاب.. فضلاً عن ضعف سيادة القانون وضعف إنفاذ القانون والمحسوبية والفساد.

في الشق السياسي، يعتبر التقرير أن معظم الأحزاب السياسية في لبنان هي من الإيديولوجيات العنيفة التي تمجد استخدام القوة لتحقيق أهداف سياسية وتعتبر الموت من أجل القضية مقدساً، كما حافظت على مستوى عال من التسلّح. ومن الأرقام التي عرضها، حصول لبنان خلال العام 2009 على 90،9 نقطة على 120، بحسب مؤشر الدول الفاشلة، محتلاً المرتبة 34 بين الدول. وفي استطلاع الجمعية، تؤكد نسبة 23،13 في المئة من المستطلعين وجود عنف سياسي في لبنان، وقد ذكرت نسبة 26،27 في المئة منهم أنها تعرف شخصاً واحداً على الأقل قد تعرّض للضرب من قبل الأجهزة الامنية الرسمية. فيما تعتبر نسبة 94،94 في المئة أن العنف مشكلة خطيرة في لبنان ويجب اعتباره جريمة في نظر القانون.

ووجد التقرير أن العنف الجسدي ما زال قائماً في المدارس بسبب التقصير في تطبيق القرار الصادر عن وزارة التربية والتعليم العالي الذي يحظر هذه الأنواع من العنف. تماماً كما ان ضرب الأطفال امر شائع وتلجأ إليه نسبة 21،2 في المئة من الأهل، بينما تستعين نسبة 14،77 في المئة بالصراخ والتهديد. ومن بين المستطلعين، سجلت فقط نسبة 14،66 في المئة من الأهل ممن يرفضون أن يضرب ولدهم في المدرسة ويبادرون إلى الادعاء على المدرسة أو المعلمين.

وفي الشق الاجتماعي أيضاً، يعتبر المستطلعون انهم يتعرضون للعنف في لبنان في أثناء القيادة، مؤكدين ان القيادة هي عمل عنيف جداً في لبنان.

أما على الصعيد الثقافي فرصدت الجمعية ممارسات مختلفة للبنانيين، لجهة التمييز والعدوانية لا سيما تجاه الآخر، ومنها تجاه ذوي البشرة الداكنة أو العمال المنزليين، كما تجاه ذوي الميول الجنسية المختلفة… وهي أمور يعززها الإعلام اللبناني الذي يعكس تلك المظاهر في مختلف برامجه.

يذكر أن لـ«Alef» تقريرا ثالثا ترصد فيه «التأخر في تقديم التقارير» أمام لجان الأمم المتحدة. وستشمل حملتها لمناهضة التعذيب لوحات إعلانية على مختلف الطرق بين 22 و28 الجاري، وإعلان تلفزيوني تبثه آخر حزيران، بالإضافة إلى فيلم قصير يعرض نهاية شهر أيلول المقبل.

السابق
الانباء: مصادر في المعارضة: دعوة سليمان للحوار.. مردودة مع الشكر
التالي
تحجيم إيران دون قتال!