أمثالك في الدنيا قليل

قلةّ نادرة من الدعاة من يحظى بمحبة تلاميذه جميعاً… وهكذا كنت يا شيخي.
والأقل من يحظى بتقدير وإعجاب أقرانه وزملائه.. وهكذا كنت يا أبتِ.
فمن ذا الذي يحظى مع كل هذا، بتقدير أساتذته بل وحتى أعدائه ومن خالفه الرأي؟
هذا هو أنت يا أبتِ.
الأخلاق الرفيعة السامية لا تتجزّأ ولا تتبدّل، ولا زلت أذكر يوم ترشّحت للانتخابات النيابية عام 1996 بناء على طلب وإجماع من الأخوة في «الجماعة الإسلامية»، لم يكن همّك المقعد النيابي، لم تسمح بشطب أي اسم من اللائحة التي اتفقت معها… قلت يومها: نحن لا نخسر وفاءنا ومصداقيتنا ولو خسرنا المقعد النيابي.
ولا زلت أذكر أيضا لقاءك مع نائب الرئيس السوري عندما طلب منك ازاحة بعض الأسماء ورفضت رفضا قاطعا مهما كلف الثمن.
هدفك واضح: رضى ربك
وجاءت النتائج وكان اسمك الأكثر شطباً. عرفوك فخافوك .. فكيف قابلتَ النتيجة؟
هل حزنت؟ لا أبدا والله…
لن أنسى ابتسامة العز والرضى وقلت يومها: ربحنا عهدنا.. هذا خلُقنا.
أمثالك في الدنيا قليل يا أبي، فإذا كانت تلك أخلاقك مع الغريب فكيف كنت مع القريب؟ في بيتك… مع أهلك أقرب الناس إليك؟ حيث لا تكلف ولا تصنع. السلوك نفسه والخلق عينه، فسلاماً لروحك الطاهرة يا أبتِ..
حين كنتَ فتى يافعاً لقّبك والدك بالمستثنى، فكنت المميز بين إخوتك… وحين أصبحتَ قاضياً وأردت الزواج كان رضى الله نصب عينك وأنت تبــحث عن ذات الديــن طلبــت صفاتاً لشريكة حياتك واضحة أردتها إنسانة حافظة لكتاب الله زاهدة في الدنيا تعينك على حمل أعباء الدعوة والأمة…هكذا قلت.. وكان لك ما أردت…
ثم رزقك الله بثلاثة أبناء… كنت لنا نعم الأب العادل الحنون والصديق الناصح الشفوق والمتحاور الحبيب القريب… فيا من أنعمت علينا بأبٍ أمثاله في الدنيا قليل، اجعلنا معه في دار الخلد ولو كان زادنا قليلا..
خسارتنا برحيلك لا تعوّض، لا توجه بالكلمة إن كانت تنفع النظرة… ما جرحتني يوماً وما عنّفتني يوماً…عرفتك دوماً تتعامل مع الخالق لا مع الخــلق وهذا يفــسر لماذا كــان آخر كلامك: يا كريم … كنت دائمــا تقــصده وهو الكريم فكيــف يخيّبك؟ أراد الكريم أن يختم لك بالحسنى وأراد أن يرفع درجتك بصبرك على مرضك ذاك الصبر الجــميل الذي لا شكوى معه… سنتان ونصف سنة من المرض ما سمعتك يوما تشكو ألماً… وما خاب عبدٌ قصد كريماً!
ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: اللهم آجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيرا منها..

السابق
فـي مديـح سوريـا… مستقبـلاً!
التالي
حركة اليسار الديموقراطي» ما زالت حية!