هذا ما سنفعله، سيد ميقاتي

علمت بتأليف حكومة نجيب ميقاتي في محل للبقالة فيما كنت أتمشّى مع العائلة في شارع الحمرا. وبعيد ذلك، أطلق مالك محل بقالة آخر العنان لتلفزيونه الصغير ليستمع الجيران والمارّة إلى مؤتمر صحافي عقده طلال إرسلان معلناً استقالته من الحكومة الجديدة. راح معظم الأشخاص في المكان يهزّون رؤوسهم استهجاناً ويضحكون بصوت عالٍ هازئين ممّا يجري. ووصف أحدهم ما يحدث بأنه "يشبه مسلسلاً مكسيكياً". وفي ذلك مقارنةٌ منطقية إلى حد كبير.
هذا هو لبنان حيث يُترجَم ما يُسمّى "حكومة الوحدة الوطنية"، الواحدة تلو الأخرى، سلسلة من الإخفاقات في التوحّد تحت راية واحدة وفي أمة واحدة وشعب واحد. والآن بما أنّ الحكومة الجديدة تتألّف في معظمها من أنصار "حزب الله"، فسوف تتحقّق المصالح السورية والإيرانية في المستقبل القريب، وربما في المدى البعيد أيضاً. وهذا يمنح أيضاً "حزب الله" عضلات سياسية إلى جانب القوّة العسكرية الحصرية التي يتمتّع بها. إذاً بعد نصف سنة من المشاحنات بقي لبنان خلالها من دون حكومة، وُلِدت حكومة "حزب الله"، وفي أيّ حال لم يكن ليُسمَح بتأليف حكومة مغايرة.
تهانينا! إنما على لا شيء. ولكن في مختلف الأحوال، تهانينا. والسؤال المطروح الآن هو، هل تستطيع حكومة لاوحدة وطنية أن تفي بالغرض؟
بحسب ردود الأفعال التي ظهرت حتى الآن، يبدو أن الناس لا يحبسون أنفاسهم ولم يعد يهمّهم أيّ وزير يتسلّم هذه الحقيبة أو تلك. ففي نهاية المطاف، لم يعد لدى اللبنانيين العاديين ما يخسرونه، وليسوا هم من كانوا يتشاحنون في الأشهر الخمسة الاخيرة. فالنزاع على الحصص والحقائب هو من اختصاص السياسيين الذين يسعون وراء هدف أساسي في أيّ حكومة جديدة، ألا وهو السيطرة على وزارات رئيسية من أجل التحكّم بنتائج معيّنة. والمسألة الأهم الآن هي المحكمة التي أنشأتها الأمم المتحدة للنظر في قضيّة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتليها الولاءات الشخصية للخارج القريب والبعيد. كما أنهم يسعون الى الحصول على حقائب وزارية مربحة. فبهذه الطريقة، يعلو التصفيق والهتاف لهم أكثر فأكثر فيما ترتفع ملصقات الدعم لهم أعلى فأعلى على الأوتوسترادات والطرق في أنحاء البلاد.
أجده أمراً مناسباً أن أعلم بولادة الحكومة الجديدة في محل بقالة صغير يكسوه الغبار. فخبر تأليف هذه الحكومة المولودة من أجندة خارجية جاءني في محل المنتج اللبناني الوحيد فيه هو المياه، ايمانا منه بتشجيع الصناعة اللبنانية. وقد اعتاد الأشخاص البسطاء في المحل العيش مع هذا الواقع شأنهم في ذلك شأن شريحة كبيرة من اللبنانيين العاديين.
لعلّه يجدر بـ"النخبة" في لبنان التفكير في ذلك عندما تسعى في المرة المقبلة إلى تأليف حكومة وحدة وطنية حقيقية. طلب منا نجيب ميقاتي ألا نحكم على النيّات أو الأسماء بل على الأفعال. هذا ما سنفعله، سيد ميقاتي، وسوف نكون على موعد معك من جديد.

السابق
الاسد:المؤامرة تزيدنا عزة ومناعة
التالي
فتفت: لنزع السلاح في طرابلس كمقدمة لنزعه في جميع المناطق